كواليس الساعات الأخيرة قبل انطلاق مباحثات ” جنيف 3 ” رسمياً
المساومات والمقضايات، بقيت الى آخر لحظة من الموعد المقرر لانطلاق المفاوضات غير المباشرة بين ممثلي الحكومة السورية والمعارضة في جنيف صباح اليوم. ليس فقط بين ممثلي المعارضة السورية، بل أيضاً بين ممثلي الدول الغربية الداعمة لها، اذ تأخر بعض المبعوثين بالوصول الى جنيف ولوح آخرون بالمقاطعة. كل التركيز الدولي كان على وفد المعارضة وتمثيلها.
الهيئة العليا للمفاوضات المنثبقة من مؤتمر الرياض، تسلمت أمس رسالة من المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا تضمنت «رأيه الشخصي» من ان «القضايا الانسانية فوق التفاوض»، لكن هذا لم يكن كافياً، اذا انها كانت تسعى الى تأكيدات من عدم وجود «صفقة تضمنت التخلي عن بيان جنيف» وعدم بحث تشكيل هيئة حكم انتقالية.
أما «القائمة الروسية»، فإن قادتها الخمسة انتقلوا أمس من لوزان الى جنيف، وسعوا الى تحسين شروطهم. بعث رؤساء «الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير» قدري جميل و «الاتحاد الديموقراطي الكردي» صالح مسلم و «مجلس سورية الديموقراطي» هيثم مناع وإلهام احمد ورندة قسيس رسالة مشتركة الى الامم المتحدة، تضمنت المطالبة بـ «التمثيل نفسه بالعدد والصلاحيات» مع الهيئة التفاوضية، اي ١٥ عضواً في الوفد و١٥ احتياطياً.
وكان مسؤول روسي أعلن اول من أمس ان «الاتحاد الديموقراطي» سيشارك في مرحلة لاحقة من المفاوضات وليس في الجولة الأولى. هذا الموقف شجع أنقرة عن التراجع عن تلويحها بمقاطعة العملية السياسية والانسحاب من «المجموعة الدولية لدعم سورية»، ما فتح الباب امام احتمال انعقاد الاجتماع الوزاري لـ «المجموعة الدولية» في ميونخ في ١١ الشهر المقبل، على هامش مؤتمر الأمن، بحسب إعلان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أمس.
وباعتبار أن الأمور بقيت متحركة بين الأخذ والعطاء، مساء اول امس، تبلغ نمرود سليمان وسليم خيربيك المدرجان على «القائمة الروسية» بتأجيل وصولهما الى جنيف من السبت الى الاثنين. أيضاً، انتبهت فصائل معارضة الى الفرق بين نص الدعوة الموجهة الى الهيئة التفاوضية والحكومة السورية من جهة وباقي المعارضين من جهة أخرى. دعوة دي ميستورا الى رياض حجاب وجهت اليه بصفته «المنسق العام العليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة السورية» كي يرسل «١٥ عضواً للمشاركة في المفاوضات حول عملية الانتقال السياسي التي تقوم الأمم المتحدة بتسييرها للوصول الى حل للنزاع في سورية ووضع اسس لتسوية مستدامة»، وهي تشبه رسالة الدعوة الى وزير الخارجية السوري وليد المعلم.
أما الدعوة الى باقي المشاركين، فإنها وجهت باسم كل شخصية من دون ذكر لتنظيمه السياسي. ونصت على ان دي ميستورا «يتشرف بدعوتكم للانضمام الى جنيف حيث سيبدأ مسار المفاوضات في شكل مشاورات حول كيفية انهاء النزاع ووضع اسس لتسوية مستدامة» مع إشارته الى ان «المفاوضات ستبدأ في ٢٩ كانون الثاني (يناير)» الجاري.
كان واضحاً، ان الدعوات وجهت الى «شخصيات وليس الى تنظيمات» عدا الحكومة السورية والهيئة التفاوضية. لكن الشخصيات المعارضة تتمسك بحقها بتلقي دعوة كـ «مفاوضين كاملي الصلاحية وليس مستشارين».
استدعى هذا اتصالات ورسائل وضمانات، كي تصل دعوة خطية الى جميع الموجودين الـ ١٥ في القائمة التي كان بعثها جميل الى دي ميستورا قبل اسبوع مع وفد احتياطي اسوة بما حصل مع الهيئة التفاوضية. وقال احد المعارضين في «القائمة الروسية» لـ «الحياة»: «نريد الصلاحيات والعدد واستقلالية المرجعية نفسها».
هذا كان يحصل بين لوزان وجنيف مع تدخلات هاتفية من المبعوث الأميركي مايكل راتني. أما في الرياض، فإن الاجتماعات مستمرة ومعها الافكار والمشاورات. كان المنسق العام بعث رسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة طالب فيها بتطبيق قرارات مجلس الأمن واخرى الى دي ميستورا تضمنت اسئلة عن المفاوضات. وقال عضو في الهيئة لـ «الحياة» أمس: «لدينا تخوف من التخلي عن بيان جنيف وتشكيل هيئة حكم انتقالية، ونريد الذهاب الى جنيف للتفاوض وليس لايصال الاغاثة لأن المساعدات الانسانية خارج التفاوض وفوق التفاوض وواجبة التطبيق». وأضاف: «النظام يريد مقايضة المساعدات الانسانية مقابل بيان جنيف. لذلك ارسلنا رسالة الى دي ميستورا تضمنت اسئلة. اجابنا شفوياً ثم خطياً، قائلاً ان وجهة نظره الشخصية ان الاغاثة فوق التفاوض وان المفاوضات تخص المسائل الاساسية وهي المرحلة الانتقالية ومكافحة الارهاب».
لم يكن هذا كافياً لاتخاذ قرار في الهيئة، التي تضم نظرياً ٣٤ عضواً وعملياً ٣٠ عضواً، للذهاب من الرياض الى جنيف. السياسيون في الهيئة ميالون للذهاب او ارسال وفد من ثلاثة اشخاص بينهم حجاب الى جنيف لاعلان موقفهم والتفاوض على شروط بدء التفاوض. العسكر متشددون «لأننا تحت ضغط الحاضنة الشعبية، كيف لنا ان نتفاوض والصواريخ والغارات على رؤوس أهلنا؟». متشددون ايضاً، لأن موسكو صنفت فصائل رئيسية بأنها «ارهابية» وطالبت بإزالة ممثل «جيش الاسلام» محمد مصطفى علوش من كونه «كبير المفاوضين». أمر، استغربته الهيئة لأنه «يعني ان موسكو تريد تحديد اسم وفدي الحكومة والمعارضة، الأمر الذي لم يحصل».
موقف الهيئة التفاوضية، كان منقسماً الى مساء أمس: «قلبُها مع عدم الذهاب الى حين تنفيذ البنود الانسانية. عقلُها يقول بالذهاب كي لا تحمل مسؤولية فشل مفاوضات فاشلة». واذ شكر الناطق باسم الهيئة سالم مسلط دي مستورا على «رسالته الجوابية وتأكيده على ان الفقرتين 12 و13 اللتين طالبنا بتنفيذهما، حق مشروع وتعبران عن تطلعات الشعب السوري وهما غير قابلتين للتفاوض». لكن ذكر بان برسالة الهيئة و «مطالبة اعضاء مجلس الامن وخاصة الدول الخمس الدائمة العضوية بالقيام بمسؤولياتهم والتزامهم بتطبيق القرار 2254».
والهيئة في انتظار «اجراءات فعلية» للاغاثة الانسانية. لذلك، أحد الخيارات الديبلوماسية، كان ارساله رسائل خطية الى ممثلي الدول الخمس دائمة العضوية، بما فيها الروسي، لشرح خلفية الموقف و «ضرورة تطبيق القرار ٢٢٥٤ والبندين ١٢ و١». وتنص الفقرتان على ايصال المساعدات الى المناطق المحاصرة في سورية ووقف القصف ضد المدنيين. وقال مسلط: «نحن جادون في المشاركة وبدء المفاوضات، لكن ما يعيق بدء المفاوضات هو من يمارس قصف المدنيين وتجويعهم». وتابع: «النظام هو من يحاصر المدن ويقصف المدنيين (…) وفي الوقت نفسه يحاول ان يساوم على الملف الانساني على طاولة المفاوضات».
فضغط «الحاضنة الشعبية» تواصل في المطالبة في عدم الذهاب «في هذه الشروط»، وكان آخرها توقيع جميعات أهلية ومدنية نداء بمقاطعة مفاوضات جنيف. لكن ضغط «اصدقاء الشعب» مستمر في اتجاه آخر.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية مارك تونر «أمام وفد الهيئة العليا للمعارضة وفصائل المعارضة المختلفة في سورية فرصة تاريخية للذهاب الى جنيف وعرض الوسائل الملموسة لتطبيق وقف اطلاق النار وفتح ممرات انسانية واجراءات اخرى كفيلة بإعادة خلق الثقة». وأضاف: «عليهم القيام بذلك من دون شروط مسبقة».
واشنطن تريد البدء في تنفيذ خريطة الطريق التي اتفقت عليها مع موسكو، وصدرت في القرار ٢٢٥٤، ونصت على وقف النار وتشكيل حكم شامل وغير طائفي في غضون ستة اشهر وتنظيم انتخابات خلال 18 شهراً يشارك فيها سوريو الداخل والخارج، من دون ان يذكر في شكل صريح مصير الرئيس الأسد. لكن الهيئة التفاوضية، تتمسك بمفاوضات على أساس بيان «جنيف 1» الذي توصلت اليه الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا والأمم المتحدة والجامعة العربية خلال اجتماع في حزيران (يونيو) 2012، ونص على تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة.
أما في دمشق، فإن المعلم تلقى دعوة لرئاسة وفد الحكومة الى المفاوضات. القرار السابق كان ان يكون نائب وزير الخارجية فيصل المقداد «مشرفاً عاماً على الوفد ومقره دمشق» وان تذهب رئاسة الوفد الى السفير السوري في الامم المتحدة بشار الجعفري اضافة الى اعضاء آخرين من خلفيات مذهبية وعرقية ودينية وسياسية مختلفة. الاولوية، لوفد الحكومة، هي لـ «محاربة الارهاب… وقف النار غير ممكن، بل مطلوب وقف الاعتداء ووقف التمويل والتدريب للارهابيين»، وفق التفكير الرسمي السوري. ويتضمن ايضاً ان «المعارضة لن تأخذ على مائدة المفاوضات، ما لم تحصل عليه في ساحات الوغى». أما الحصار، فإن «الحكومة سهلت دخول المساعدات الى مناطق المعارضة، وعلى المعارضة ان تفك الحصار عن اربع قرى محاصرة في ريفي حلب وادلب».
آخر نسخة، لتصوّر مبعوث الأمم المتحدة، الذي فشلت طموحاته في ان تنطلق المفاوضات السورية في ٢٥ الشهر تاريخ ميلاده، هو: البدء صباح اليوم بجلسة محادثات مع وفد الحكومة في غرفة في مقر الامم المتحدة… وفي حال وصل وفد المعارضة تعقد جلسة اخرى. الخطة ان يقدم دي ميستورا خطته التفاوضية لتطبيق القرار ٢٢٥٤ بتفويض دولي وتفاهم اميركي – روسي. ثم يطلب اجوبة عن تصورات كل فريق للمفاوضات. كما سيجري محادثات مع اطراف المعارضة الاخرى، على أمل ان تنطلق المفاوضات لاحقاً. طموحه هو خوض ستة اشهر من العملية السياسية: مشاورات، محادثات، مفاوضات غير مباشرة، مفاوضات مباشرة.
ابراهيم حميدي – الحياة
*العنوان لعكس السير[ads3]