تفاصيل و خبايا عالم تهريب اللاجئين من تركيا إلى أوروبا

لا حاجة للأسئلة في ساحة بسماني في إزمير، فالمهربون يلتقطون أصحاب الوجوه الجديدة لتزويدهم بمواعيد مغادرة القوارب إلى اليونان، وكأي من الموظفين المخضرمين في شركات التسويق عبر الهاتف، من المستحيل مقاطعتهم!

يقدّم شاب – يبدو من اللهجة التي تحدث بها بالعربية أنه سوري – عرضه للوصول للاتحاد الأوروبي، بما يعادل 585 يورو “ستمئة وخمسون دولار. يغادر القارب إلى ليسبوس اليونانية عند غروب الشمس ولن يحمل أكثر من 35 شخصاً ويتحدث سائقه أربع لغات”. يقول الشاب. ويتابع قوله “سآخذك أولاً إلى منزل، ثمّ تقلّك شاحنة صغيرة مغلقة إلى القارب، إنها رحلة ساعة واحدة، الإبحار مؤكد أو تسترجع ما دفعته” ويضيف ” أنا باق هنا لساعتين، إليك رقم هاتفي، اتصل بي إن كانت لديك أيّة أسئلة”. ولا يبدو أنه لاحظ أو ربما لم يأبه لآلة التصوير المتدلية من كتفي. ومضى ليكرر عرضه على مجموعة أخرى من الشباب الذين يحملون حقائب على ظهورهم، وما لبث أن قادهم إلى مقهى، حيث يبدو أنهم سيقومون بالدفع. مهربون آخرون في الحديقة في الطرف الآخر من الشارع يفاوضون عائلات حزمت أمتعتها بأكياس بلاستيكية سوداء كبيرة، تستعمل عادة للقمامة.

ما تزال المتاجر في إزمير تبيع ستر النجاة البرتقالية، فهذه المتاجر جزء أساسي من دائرة الاتجار اليومية بالبشر، إلا أن بضاعتها أصبحت الآن أكثر توارياً عن الأنظار.

يوم الاثنين زارت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تركيا، لمناقشة أعداد اللاجئين الذين يعبرون إلى الاتحاد الأوروبي بوتيرة بالكاد تباطأت هذا الشتاء. وعلى الرغم من الضغوطات المتزايدة من الاتحاد الأوروبي والشرطة التركية، إلا أنّ ما يزيد عن 68.000 شخصاً استخدموا هذا الطريق خلال الشهر الماضي فقط. مقابل ما يزيد عن خمسة آلاف شخص عبروا في كانون الثاني/ يناير لعام 2015 وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة. ومن المتوقع هذا العام أن يرتفع الرقم خلال شباط / فبراير مع عشرات الآلاف الهاربين من الاشتباكات في منطقة حلب في سوريا.

“بإمكان أوروبا أعطاء تركيا المال، لكن مئة مليار دولار لن توقف ذلك” يقول نسيب أوز، مالك فندق صغير في سيسمى أحد المدن الساحلية القريبة من إزمير، حيث يقيم اللاجئون قبل مغادرتهم إلى جزيرة خيوس اليونانية. “سيستمر هؤلاء الأشخاص بالقدوم، حتى تتوقف الحرب التي يهربون منها”، ويتابع أوز مهدداً “تذكر ذلك حين تعود بعد سنتين دون أن يتغير شيء هنا”.

بعد دفع المبلغ المتوجب إلى المهربين يُنقل الأشخاص غالباً إلى مدن ساحلية في الشمال، بالقرب من مدينة ايفالك، ومن هناك يكملون طريقهم إلى ليسبوس أو يتم نقلهم إلى سيسمى في الشرق. يقيم هناك 400 شخص تقريباً في فنادق منتظرين طقساً أفضل في نهاية الأسبوع للإبحار في بحر إيجة. يدير أوز أحد الفنادق التي تستضيف اللاجئين في سيسمى، وتمتلئ الغرف حين يكون الطقس سيئاً. يتقاضى أوز 10 دولارات عن الشخص و 60 عن العائلة، لكنه يسمح لعديدين لا يستطيعون الدفع بالبقاء كما يقول “وماذا بإمكاني أن أفعل؟ أترك أماً مع أطفالها الثلاثة تنام في الخارج؟”.

يقول أوز – بينما يلعب أطفال أفغان كرة القدم في الساحة الخارجية – إن الشرطة المحلية اعتقلته عدة مرات وهددته بإغلاق فندقه إن استمر في استضافة الأشخاص المغادرين إلى اليونان. “فليقوموا باعتقالي إن أرادوا، لكنني أعلم أنني لست مخطئاً” ويتابع حديثه “يعمل المهربون في مجموعات صغيرة ويأتون بالناس إلى هنا، لا وجود لتنظيمات ومافيات كبيرة كما تقول الشرطة”.

يبلغ علي من العمر 25 عاماً وهو رسام من إيران، بقي في أحد غرف الفندق في الطابق العلوي لليلتين. لقد دفع 1000 دولار للمهرب لقاء مكان على القارب، وهو ينتظر مع آخرين أن تهدأ الريح ليبحروا إلى أوروبا. استطاع علي الحصول على وثائق أفغانية مزيفة بقيمة 100 دولار ليستطيع عبور حدود البلقان التي تسمح فقط للاجئين من مناطق الحرب بالمرور. عند سؤاله عن سبب مغادرته لإيران، رفع علي قميصه لتظهر مئات الندوب لجلدات تلقاها بعدما تم اكتشافه وهو يشرب الكحول.”أريد أن أذهب إلى ألمانيا أو الدنمارك، أو حتى إلى السجن في أوروبا! أي مكان عدا إيران” كما قال.

أقام اللاجئون المتجهون إلى خيوس في مجمع مهجور خارج سيسمى يدعى قرية العطلة الألمانية، قبل أن تطوّق الشرطة المنطقة الشهر الماضي وتفرغها. يتوجّب على المغادرين الآن أن يدفعوا لقاء إقامتهم، لكن العديد من المتطوعين بالتعاون مع مبادرة محلية في سيسمى تقوم بمساعدتهم عن طريق حملات لجمع الطعام والملابس وأحيانا تقديم بعض الخدمات الطبية.

يدير علي يلفسلي هذه المبادرة في سيسمى، ويقول أن مجموعته تحاول أن تنهر الناس عن المخاطرة بأنفسهم للعبور إلى خيوس. “إقناعهم بالبقاء هو صعب، ليس البقاء هو المشكلة، وإنما إيجاد عمل وبدء حياة في تركيا، فما الذي بإمكانهم فعله هنا؟”.

عند العودة إلى ساحة بسماني في إزمير، جلست مجموعة معظمها من النساء والأطفال عند زاوية الشارع مع أمتعتهم، راقبهم عناصر الشرطة على الطرف الآخر من الشارع وهم يصعدون إلى ثلاثة شاحنات صغيرة مغلقة مستأجرة ويحشرون أمتعتهم فيها. بعد انطلاقهم، كان بالإمكان سماع شخصين في المقهى القريب يتحدثان بالعربية.

سأل أحدهما “متى سنرحل اليوم؟” .. أجاب الآخر “حوالي الواحدة صباحا” .. “وكم سيكون معنا؟” .. “أربعة”. (Deutsche Welle)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها