تحديات أمام تنفيذ بيان ميونيخ .. و غموض جغرافيا وقف النار

يُتوقع تصعيد العمليات العسكرية الهجومية من القوات النظامية السورية بدعم الطيران الروسي، خصوصاً في الجبهات التي لا تضم «داعش» و «جبهة النصرة» خلال الأيام المقبلة قبل بدء وقف «العمليات العدائية» الأسبوع المقبل على أمل عودة ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى جنيف في 25 الشهر الجاري. وبقي معظم الأطراف الفاعلة في «المجموعة الدولية لدعم سورية» متمسكاً بمواقفه قبل أن يجف حبر الاتفاق الهش بين الراعيين الأميركي والروسي في ميونيخ، ما ترك عقبات أمام تنفيذ بندي إيصال المساعدات الإنسانية و «وقف العمليات العدائية» المتفق عليهما في هذه المدينة الألمانية مساء أول من أمس.

وتضمن البيان الختامي لـ «المجموعة الدولية» تشكيل مجموعتي عمل، تتعلق الأولى بإيصال المساعدات الإنسانية عبر إلقاء الطائرات الروسية مساعدات إلى دير الزور المحاصرة من «داعش» شرق البلاد وإرسال مساعدات إلى البلدات المحاصرة من قوات النظام في مناطق أخرى بما في ذلك في معضمية الشام جنوب غربي العاصمة ومضايا في شمالها الغربي وكفربطنا في الغوطة الشرقية، إضافة إلى بلدتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب في شمال غربي البلاد. وتتعلق المجموعة الثانية بمراقبة «وقف العمليات العدائية» والمناطق التي تشملها والتنظيمات، ذلك أن البيان قال إن ذلك لا يشمل «داعش» و «جبهة النصرة» والتنظيمات الأخرى التي يصنّفها مجلس الأمن.

بالنسبة إلى مجموعة العمل الأولى، فإن يان إيغلاند رئيس مجلس اللاجئين النرويجي -الذي عيّنه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا رئيساً لمجموعة العمل الخاصة بالشؤون الإنسانية- دعا إلى اجتماع عاجل في جنيف مساء أمس. وهو قال: «كانت لدينا آمال كبيرة في أن أطراف مجموعة الدعم الدولي وبينها الولايات المتحدة وروسيا ستفعل ما في وسعها من أجل وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين المحتاجين. ربما يكون هذا هو الانفراج الذي كنا ننتظره. لكنه يتطلب أن يمارس كل من يملكون النفوذ ضغوطاً على أطراف الصراع».

وانتقل عدد من مبعوثي ومسؤولي الدول الغربية والإقليمية الأعضاء في «المجموعة الدولية» من ميونيخ إلى جنيف أمس للمشاركة في «الاجتماع الإنساني» الذي بحث في اتخاذ خطوات ملموسة لتنفيذ البندين 12 و13 من القرار 2254 المتعلقين بالمساعدات الإنسانية وإطلاق معتقلين ووقف القصف العشوائي و «القنابل الغبية»، وهذه كلها أمور طالبت بها «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة برئاسة رياض حجاب قبل الدخول في مفاوضات غير مباشرة مع الحكومة السورية. وبين الأمور التي بُحثت، سُبل الضغط على دمشق لتسريع منح موافقات لإدخال المساعدات، ذلك أنها لم تعط سوى عشر موافقات من أصل 113 طلباً قدمت إليها، إضافة إلى التخوف من تحميل مسؤولية عرقلة وصول الشاحنات إلى «مجموعات إرهابية».

لكن «العقدة» الأولى تظهر هنا، إذ إن بين المناطق التي يتوقع إيصال المساعدات إليها، الفوعة وكفريا في ريف إدلب وتحاصرهما «حركة أحرار الشام الإسلامية» و «جبهة النصرة»، في وقت تضمن بيان ميونيخ ألا يشمل وقف «العمليات العدائية» -أو وقف النار لاحقاً- «جبهة النصرة»، المصنفة تنظيماً «إرهابياً» في قرارات مجلس الأمن وآخرها القرار 2253. لذلك، من غير المتوقع تعاون «النصرة» في إيصال المساعدات بالتزامن مع إعلان الحرب عليها، إلا إذا كان المقصود هو إلقاء مساعدات إنسانية عبر مروحيات النظام كما حصل في الفترة السابقة، علماً أن «أحرار الشام» و «النصرة» التزمتا هدنة سابقة عقدت في 24 أيلول (سبتمبر) الماضي مع إيران برعاية تركية لتبادل الجرحى ووقف القصف بين الفوعة وكفريا من جهة والزبداني ومضايا من جهة أخرى، قبل أن يغيّر التدخل الروسي في نهاية أيلول (سبتمبر) من قواعد اللعبة باستئناف قصف ريف إدلب وفرض الحصار على مضايا.

أما «العقدة» الثانية، فتتعلق بموافقة الفصائل المعارضة على «وقف العمليات العدائية». وقال حجاب أمس إن تنفيذ «الهدنة الموقتة رهن موافقة قادة الفصائل في الجبهات الشمالية والجنوبية من البلاد، حيث ستتم مشاورات مكثفة بين هذه القوى في غضون الأسبوع القادم، مع ضمان استمرار الدعم لهذه الفصائل، ولن يتم العمل بمضمونها إلا بعد موافقة أطراف المعارضة المسلحة كافة بمضمون هذه الهدنة».

وكان حجاب التقى في تركيا قادة الفصائل المقاتلة وعلى تواصل دائم مع ممثلي الفصائل الـ15 التي شاركت في المؤتمر الموسع للمعارضة في الرياض نهاية العام الماضي، قبل مشاركته في مؤتمر ميونيخ. لكن يتوقع أن يطرح «وقف العمليات العدائية» تحديات إزاء وحدة موقفها خصوصاً ما يتعلق بالموقف من «جبهة النصرة» التي كان قائدها أبو محمد الجولاني شن حملة ضد «الحل التفاوضي» ومؤتمر الرياض.

وبحسب بيان ميونيخ، اتفق وزيرا الخارحية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف على تشكيل «مجموعة عمل» للملف العسكري، برئاسة أميركية- روسية ومشاركة دول إقليمية أخرى. ومهمة هذه المجموعة «تحديد إقليم داعش وجبهة النصرة والمجموعات الأخرى التي تسمى إرهابية من مجلس الأمن، وضمان اتصالات فعالة بين جميع الأطراف لتعزيز الامتثال وسرعة نزع فتيل التوتر وحل الادعاءات المتعلقة بعدم الامتثال، ويحال استمرار التصرف غير الممتثل من أي من الأطراف إلى وزراء المجموعة الدولية أو لمن يفوضهم أولئك الوزراء لتحديد الإجراءات الملائمة، بما في ذلك استبعاد هذه الأطراف من الترتيبات المتعلقة بوقف الأعمال العدائية والحماية». يضاف إلى ذلك إيجاد آلية لرقابة وقف النار والإفادة من تجربتي المراقبين العرب والأجانب في السنوات السابقة.

وتأتي هنا «العقدة» الثالثة المتعلقة بصعوبة تحديد التنظيمات الإرهابية. إذ إنه من حيث التنظيمات، تختلف موسكو وواشنطن إزاء تصنيف الفصائل الإرهابية، ذلك أن الجانب الروسي يضع «جيش الإسلام» و «أحرار الشام» ضمن القائمة السوداء وقال لافروف إن الحرب ستستمر ضد «جميع المجموعات الإرهابية»، في حين تعتبر دمشق «إرهابياً كل من حمل سلاحاً ضد الدولة». ويختلف موقف واشنطن التي فتحت حواراً مع «أحرار الشام» و «جيش الإسلام»، لكنها لا تمانع في تفكيك «جيش الفتح» الذي يضمهما مع فصائل أخرى بينها «النصرة» و «جند الأقصى» القريب من «داعش».

اللافت، أن «المجموعة الدولية» هربت مرة أخرى من اتخاذ قرارات حاسمة في الاتفاق على قائمة موحدة للفصائل الإرهابية، علما أنها كانت كلفت الأردن الوصول إلى هذه القائمة وتجنبت عمان الخوض في ذلك، فبقي الأمر معلقاً بقرار الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن لأن التصنيف النهائي مرتبط بموافقتها.

جغرافيا «الإرهاب»

وتتعلق «العقدة» الرابعة بالجغرافيا التي سيشملها «وقف الاعتداء»، إذ إن «داعش» لديه وجود واضح في الرقة وشرق سورية وشمالها، لكن لديه خلايا في مناطق أخرى بما فيها قرب دمشق. ويبدو الأمر أكثر تعقيداً بالنسبة إلى «النصرة» التي تملك وجوداً في أرياف إدلب وحلب وحماة ودمشق ودرعا، بل إنها تشكل العمود الفقري في «جيش الفتح» الذي يسيطر على محافظة إدلب شمال غربي البلاد من قرابة سنة. عملياً، وقف «العمليات العدائية» لن يشمل المناطق الممتدة من باب الهوى حدود تركيا إلى مورك في ريف حماة وسهل الغاب بين إدلب واللاذقية والريف الجنوبي وريف اللاذقية. ولن يشمل أرياف الرقة ودير الزور والحسكة وتدمر وشرق حمص وحماة بسبب وجود «داعش». بالتالي، فانه قد يشمل ريف درعا، باعتبار أن «الجبهة الجنوبية» في «الجيش الحر» هي المسيطرة مع وجود بعض المجموعات لـ «النصرة»، علماً أن عشرات منها خرجوا بتسويات مع النظام إلى ريف إدلب. وقد يشمل أيضاً الغوطة الشرقية لدمشق، في حال جرى التفاهم السياسي الأميركي- الروسي على أن «جيش الإسلام» العضو في الهيئة التفاوضية للمعارضة، ليس «إرهابياً»، علماً أن غارة يعتقد أنها روسية قتلت قائده زهران علوش نهاية العام الماضي.

يضاف إلى ذلك، «عقدة» خامسة تتعلق بالاتفاق على تعريف «العمليات العدائية»، إذ إن التفاهم الأولي قضى بأن ذلك يشمل وقف العمليات الهجومية بالسلاح الثقيل، لكن تحديد الأسلحة التي تعتبر «ثقيلة» أمر يتطلب الكثير من المفاوضات والتفاهمات السياسية خصوصاً، وسط إصرار روسيا على استمرار غاراتها الجوية ضد الإرهاب واتهام دول غربية لها بأن معظم غاراتها يضرب «المعارضة المعتدلة المشاركة في مفاوضات جنيف»، إضافة إلى الخلاف حول تعريف «الهجوم» وما إذا كان يشمل العمليات الدفاعية والحدود النارية لذلك. وتأمل موسكو في أن يسفر ترؤس الجانبين الأميركي والروسي لمجموعة العمل العسكرية عن فتح الباب لتنسيق بين جيشي بلديهما اللذين يخوضان حربين في الأجواء السورية، في الحرب ضد الإرهاب. وهناك أمر آخر يتعلق بعملية تحويل من «وقف الاعتداء» إلى «وقف النار» بمثابة إعادة التموضع بين القوى المتقاتلة وتحويل وجهة البندقية إلى «داعش» و «النصرة».

لذلك، رمى كل طرف مسؤولية تحويل كلمات بيان ميونيخ إلى أفعال في الأرض السورية إلى الطرف الآخر. وقالت كريستين فيرتز الناطقة باسم الحكومة الألمانية: «الأقوال يجب أن تترجم إلى أفعال (…) وهنا المسؤولية الكبرى تقع على عاتق روسيا». وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بيان ميونيخ «خطوة مهمة على طريق حل الأزمة السورية». وأضاف أنه يتعين الآن «وقف الغارات الجوية» ونقل «المساعدات الإنسانية»، فيما قال لافروف إن هذه المفاوضات يجب أن تجرى «من دون مهل أو شروط مسبقة».

ابراهيم حميدي – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها