صحيفة ” غارديان ” البريطانية : بوتين أكبر خطراً من داعش
يخطئ زعماء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خطأ كبيراً باعتقادهم أن روسيا فلاديمير بوتين حليفٌ محتمل في الحرب ضد تنظيم داعش. فالأدلة تقول عكس ذلك. وهدف بوتين هو تعزيز تفكّك الاتحاد الأوروبي، وأفضل طريقة للقيام بذلك هي إغراق أوروبا باللاجئين السوريين.
الطائرات الروسية تقصف السكان المدنيين في جنوب سوريا وأجبرتهم على الفرار إلى الأردن ولبنان. هناك الآن 20.000 لاجئ سوري هربوا إلى الصحراء بانتظار الدخول إلى الأردن، وكل يوم عددهم بازدياد.
كما تشن روسيا هجوماً جوياً واسع النطاق ضد المدنيين في شمال سوريا؛ أعقب ذلك هجوم بري من قبل جيش النظام السوري ضد حلب. وتسببت البرميل المتفجرة بنزوح 70،000 مدنياً والفرار إلى تركيا. ويمكن للهجوم البري أن يدفع بالمزيد من المهجرين. والناس التي هربت وتهرب قد لا تبقى في تركيا، بل ستحاول العبور إلى أوروبا. المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أتت إلى أنقرة الأسبوع الماضي لإجراء ترتيبات اللحظة الأخيرة مع الحكومة التركية للعمل على أن يبقى اللاجئون في تركيا.
بوتين لديه موهبة في التكتيك، لكنه ليس مفكراً استراتيجياً. ولا نعتقد أنه دخل سوريا من أجل أن يفاقم أزمة اللاجئين الأوروبية. في الواقع، كان تدخله خطأً استراتيجياً فادحاً لأنه تورط في صراع مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. صراع لا يصب في مصلحة أي من البلدين.
لكن بوتين عندما رأى فرصة تسنح له لتسريع تفكك الاتحاد الأوروبي، سارع إلى انتهازها. وقد غطى على تصرفاته بالحديث عن التعاون ضد عدو مشترك، أي داعش. وقد اتبع في ذلك نهجاً مماثلاً لما فعله في أوكرانيا، حيث وقع على اتفاق مينسك لكنه لم يلتزم بتنفيذ أحكامه.
من الصعب أن نفهم لماذا يأخذ زعماء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كلام بوتين على محمل الجد بدلاً من الحكم عليه من خلال سلوكه. التفسير الوحيد لهذا هو أن السياسيين الديمقراطيين يسعون لطمأنة جماهيرهم من خلال رسم صورة أكثر إيجابية مما يحدث في الواقع. والحقيقة هي أن روسيا بوتين والاتحاد الأوروبي في سباق مع الزمن والسؤال هو أي واحد منهما سينهار أولاً.
فروسيا بوتين تواجه الإفلاس عام 2017، عندما ينضج جزء كبير من ديونها الخارجية، والاضطرابات السياسية قد تندلع في أية لحظة. شعبية الرئيس، التي لا تزال مرتفعة، تقوم على عقد اجتماعي يطالب الحكومة بتحقيق الاستقرار المالي وارتفاع بطيء إنما ثابت لمستوى المعيشة. لكن العقوبات الغربية إلى جانب الانخفاض الحاد في أسعار النفط لن تسمح للنظام بالنجاح على الصعيدين.
لذلك، فالطريقة الأكثر فعالية لتجنب الانهيار في نظام بوتين هي العمل على أن ينهار الاتحاد الأوروبي أولاً. إذ لن يكون بوسع أورويا متفككة القدرة على الحفاظ على العقوبات التي فُرضت على روسيا بعد توغلها في أوكرانيا. وعلى العكس من ذلك، سيكون بوسع بوتين الحصول على فوائد اقتصادية كبيرة من تقسيم أوروبا واستغلال علاقاته مع المصالح التجارية والأحزاب المناهضة لأوروبا التي زرعها بنفسه وهو يرعاها بعناية.
والأمور تبدو جلية، فالاتحاد الأوروبي آيل إلى التفكك. لقد تمكن الاتحاد الأوروبي منذ الأزمة المالية عام 2008 وخطط إنقاذ اليونان اللاحقة، من معالجة الأزمات والخروج من الواحدة تلو الأخرى. لكنه اليوم يواجه خمسة أو ستة أزمات في الوقت نفسه، وقد يثبت أن هذا أكثر من أن تحتمله أوروبا. وكما توقعت ميركل تماماً: إن من شأن أزمة اللاجئين أن تدمر الاتحاد الأوروبي.
عندما تكون الدولة أو مجموعة الدول في خطر مميت، فمن الأفضل لقادتها أن يواجهوا الواقع القاسي من أن يتجاهلوه. لقد باعد السباق من أجل البقاء بين الاتحاد الأوروبي وبين روسيا. وداعش يشكل خطراً على كليهما، إنما لا ينبغي علينا المبالغة بشأن هذا التنظيم. فالهجمات التي شنها هذا التنظيم الإرهابي، مهما كانت مرعبة، لا تقارن مع التهديد الروسي.
وقد وضع تنظيم داعش (والقاعدة قبل ذلك) يده على نقطة ضعف الحضارة الغربية؛ ألا هو الخوف من الموت، وتعلم كيف يستغلها. فمن خلال إثارة الإسلاموفوبيا الكامنة في الغرب والدفع بالرأي العام والحكومات إلى معاملة المسلمين بعين الريبة، يأمل الجهاديون بإقناع الشباب المسلم أنه لا يوجد بديل للإرهاب. بمجرد فهم هذه الاستراتيجية، فالأمر بسيط: اُرفض أن تتصرف كما يريد لك أعداؤك أن تتصرف.
سيكون من الصعب مواجهة التهديد الذي تفرضه روسيا بوتين؛ وإن عدم الاعتراف بذلك التهديد سيجعل المهمة أصعب. (صحيفة غادريان – ترجمة : صباح التركية)[ads3]