اللاجئون في ألمانيا يتوجهون إلى الأعمال الحرة

أعلنت شركات ألمانية استعدادها لتدريب لاجئين وتشغيلهم، وذلك بعدما أعربت نقابات الاقتصاديين الألمان عن تضامنها الشديد مع نهج حكومة بلدها الهادف إلى مساعدة اللاجئين الهاربين من بلدانهم بسبب الحروب والنزاعات. وأشارت دراسات اقتصادية وخبراء إلى أن المهاجرين في ألمانيا، مقارنة بالسكان الأصليين، يتوجهون بدرجة أكبر إلى الأعمال الحرة.

وبالنظر إلى رفض عدد كبير من الدول الأوروبية استقبال لاجئين تبعاً لتوزيع عادل وضعته الرئاسة الأوروبية في بروكسيل، شددت النقابة الاتحادية للصناعيين الألمان ومعها النقابة الاتحادية لأرباب العمل في بيان مشترك أخيراً على أن «حلّ أزمة اللاجئين المتعاظمة لا يمكن إلا أن يكون أوروبياً».

وحذّرت النقابتان من أن تركيز اللجوء «على عدد من الدول الأوروبية فقط يمكن أن يؤثر سلباً فيها على المدى الطويل، كما لفتتا إلى أن العودة إلى فرض رقابة دائمة على الحدود ستؤدي إلى إسقاط اتفاق شنغن، ما سيشكّل ضربة قوية لفكرة الاتحاد الأوروبي الراسية على حرية السفر والتنقل لمواطنيه، وسهولة النقل والتجارة بين دوله.

وأشار معهد البحوث الفرنسي «فرانس استراتيجي»، التابع للحكومة الفرنسية، أخيراً إلى أن إغلاق الحدود البينية الأوروبية من جديد سيؤدي إلى خسائر مالية كبيرة تصل إلى 11 بليون يورو سنوياً، ستبلغ حصة فرنسا منها ما بين بليون وبليوني يورو تبعاً لطول فترات الإغلاق، ما يعادل 0.5 في المئة من ناتجها المحلي، و0.8 في المئة من الناتج القومي للدول الأوروبية الأخرى.

ولفت مسؤولو الشركات الصغيرة والمتوسطة في ألمانيا إلى أن قطاعهم يواجه منذ سنوات نقصاً مزمناً في القوى العاملة ويبحث عن أيدي عاملة جديدة، لذا هم «على استعداد لتشغيل لاجئين في حال توافر الكفاءة المهنية لديهم». وتعلن وكالة العمل الاتحادية شهرياً عن وجود نحو 326 ألف فرصة عمل شاغرة لدى هذه الشركات من أصل 700 ألف فرصة شاغرة في البلاد.

وأظهر مؤشر مؤسسة الاستشارات «ارنست اند يونغ» الصادر أخيراً أن 62 في المئة من الشركات الصغيرة والمتوسطة «تشتكي نقصاً كبيراً في القوى العاملة، ما دفع بـ 49 في المئة منها إلى التخلي عن قبول مزيد من الطلب على إنتاجها وخسارة نحو 46 بليون يورو سنوياً». وقال الخبير في المؤسسة بيتر إنغليش إن «85 في المئة من مسؤولي 3 آلاف شركة تم استطلاعهم أكدوا رغبتهم في تشغيل لاجئين.

والسؤال المطروح الآن على أكثر من مستوى رسمي وخاص هو: هل بإمكان اللاجئين سدّ هذا النقص فعلاً والبدء في ممارسة العمل؟ لا شك في أن تحقيق ذلك سيكون أمراً مثالياً، إلا أن المشكلة تكمن في أن جزءاً صغيراً جداً من اللاجئين يتمتع بكفاءات علمية ومهنية عالية المستوى توازي المستوى الأوروبي والألماني، وهؤلاء إما وجدوا فرصة عمل أو أنهم على طريق الحصول عليها.

أما الغالبية الكبرى من اللاجئين فينقصها التخصص العلمي أو التدريب المهني، ما يعني أن المطلوب البدء فوراً ببرامج تدريب مهنية إلى جانب تعلّم اللغة الألمانية. وتنشط الشركات الألمانية الصناعية والتجارية والحرفية منذ فترة في إعداد برامج عدة في هذا الإطار لتدريب اللاجئين على المهن التي يختارونها، ويطالبون الحكومة والسياسيين بالعمل سريعاً على تأمين الإطار القانوني لذلك.

وإذا كانت الدراسات التي أعدّت حتى الآن تشير إلى أن المهاجرين في ألمانيا يتوجهون بدرجة أكبر إلى الأعمال الحرة مقارنة بالسكان الأصليين، فهل ينطبق ذلك على اللاجئين السوريين والعراقيين والأفغان الذين وصلوا أخيراً إليها؟ وكان المرصد العالمي لمراقبة نشاطات تأسيس الشركات «جي أي ام» في جامعة هانوفر قارن هذه العملية في نحو 60 بلداً في أوروبا، وخرج بنتيجة تؤكد هذا الأمر إلى حد كبير.

وقال رئيس المرصد رولف شتينبيرغ إن «معدل سعي الأفراد الذين يهاجرون إلى بلدان أخرى إلى تأسيس شركات وأعمال حرة أعلى من الذين ولدوا أو عاشوا فيها فترة طويلة»، لافتاً إلى أن «كل خامس مؤسس للشركات في ألمانيا ذو أصول أجنبية أو يملك جنسية أجنبية. ولكن السؤال هو مدى إمكان تعميم نتائج الدراسة على الذين لجأوا إلى ألمانيا أخيراً.

ونصح شتينبيرغ بالحذر من هذه النتائج وبالنظر بدقة إلى العوامل التي تؤثر في احتمال تأسيس الأشخاص للشركات، ومنها «عامل الدراسة وما إذا سبق لهؤلاء أو لآبائهم أن أسسوا شركات في بلدانهم، إضافة إلى مدى معرفتهم باللغة الألمانية». ولا يتقن اللاجئون الحاليون اللغة الألمانية على الإطلاق، ولهذا السبب دعا الخبير إلى إجراء دراسات عنهم وعن مدى توجههم لممارسة الأعمال الحرة وتأسيس شركات.

ولفت الباحث في علم الاجتماع في جامعة مانهايم رينيه لاشيت إلى إن المهاجرين في ألمانيا ينحدرون من دول مختلفة، مثل الولايات المتحدة والدول الاسكندينافية وبريطانيا وفرنسا، وربعهم تقريباً يمتهن أعمالاً حرة، ما يختلف تماماً عن اللاجئين حالياً من سورية والعراق وأفغانستان. (الحياة)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها