فهد .. قصة قاصر سوري ركب الأهوال وحيداً إلى ألمانيا

وصل إلى ألمانيا أكثر من 60 ألف لاجئ قاصر، بعد رحلات هروب مليئة بالمخاطر، واجهوا خلالها الاستغلال والعنف والوحدة. الصبي السوري فهد هو واحد منهم، اجتازوحده بحر إيجة وسبعة بلدان، وهو يبدأ اليوم حياة جديدة في برلين.

“أسوأ ما عشته أثناء رحلة هروبي كانت الغابة الصربية”، يقول فهد، ذو الستة عشر ربيعا. يتذكر فهد بشيء من الحزن، أدغال الغابة الوعرة و المليئة بالأشجار، ويقول: “في الليل، يستحيل المرور عبر تلك الأدغال”. ولكن في الأخير، تمكن الشاب السوري، من الوصول إلى برلين، بعد رحلة شاقة بدأها من دمشق، اجتاز فيها بحر إيجة وسبعة بلدان، ودامت حوالي شهرا، قطع خلالها 3500 كيلومتر. ما تزال محفورة في ذاكرة الصبي إلى الآن. إذ أنه اضطر للكفاح طيلة أيام ضد الجوع والتعب. كان يسكنه الخوف مرارا من أن يقع في أيادي المنحرفين أو أن يقع في قبضة الشرطة.

وصل إلى ألمانيا حتى اليوم، حوالي 60 ألف لاجئ قاصر، قدموا دون مرافق للبحث عن مكان آمن. أسباب عديدة دفعت هؤلاء القصر للمجازفة برحلات محفوفة بالمخاطر للوصول إلى ألمانيا، حسب تعبير نيلس إيسبنهورست من الجمعية الإتحادية للاجئين القصر. بعضهم يتم إرسالهم من قبل أهاليهم، لأنهم يخشون عليهم من الإلحاق عنوة في صفوف الجيش أو الميليشيات المسلحة. آخرون اظطروا للإنفصال عن ذويهم أثناء رحلة الهروب. “هناك أطفال فروا من بيوتهم”، بعد أن التحقت عائلاتهم بالميليشيات المسلحة، لذلك يخشون أن يلقوا حتفهم في إحدى المواجهات، حسب تعبير إيسبنهورست.

بيد أن هروب فهد كان له دافع آخر: اعتقل الصبي في شهر أبريل/نيسان 2015 بدمشق، لأنه لم يكن بحوزته بطاقة هوية. ليقبع داخل دهاليز معتقل مليء بعشرات النساء والرجال. عن ذلك يقول فهد: “يدخل إلى ذلك المعتقل، كل من تسول له نفسه للحديث بسوء عن الحكومة، سواء في فيسبوك أو موقع آخر، داخل السجن يختفون عن الأنظار، ولا يمثل أي واحد منهم أمام جلسة محكمة”. لم يخض فهد في تفاصيل ظروف اعتقاله في السجن، عند حديثه لـDW، وأشار أنه لم يتعرض قط للتعذيب. بعد مضي أسبوعين، حصل فهد من صديق له على مبلغ 300 دولار مهربة في صندوق للمواد الغذائية. مبلغ اشترى به حريته.

بعد ذلك، اتخذ قرارا بتذليل كل الصعوبات أمامه قصد مغادرة البلاد. “لقد شاهدت على يوتيوب وفيسبوك صورا للاجئين غرقوا في البحر المتوسط. آنذاك كنت أمام خيارين: إما أن أظل في سوريا وأقضي على ما تبقى من مستقبلي أو أن ألقى حتفي في رحلة الهروب. الخيار الثاني كان بدون شك أفضل بكثير من الأول”. تحضيرا لرحلة الهروب، قرر المراهق السوري، قطع كل اتصالاته مع عائلته. وصل، في مرحلة أولى، بالطائرة إلى مدينة أزمير التركية. هناك شعر ببعض الأمان، بيد أن تركيا لم تكن خياره المناسب. هدفه كان تحصيل شهادة ثانوية وإتمام دراسته. لكنه لم يكن ليحقق ذلك في تركيا، حسب فهد، فالدراسة هي أولى أولوياته.

بعدها ركب فهد، سوية مع لاجئين آخرين، قاربا مطاطيا، وأبحر به إلى الجزيرة اليونانية كيوس، رحلة كلفته حوالي 1000 يورو. هناك تم تسجيله من طرف السلطات اليونانية، ثم أرسل إلى العاصمة أثينا. حوالي ألفي يورو هو كل ما كان بحوزته، كان قد ادخر جزء منها وأستعار جزء آخر من أصدقاء له. فهد كان محظوظا، لأنه كان يملك المال، بعكس كثيرين، وهو ما جعلهم فريسة سهلة لتجار البشر. وهو أمر يحصل غالبا، حسب مكتب الجمعية الإتحادية للاجئين القصر. الدعارة هي وسيلة اللاجئين القصر، للحصول على المال الضروري، لمواصلة تمويل رحلة الهروب. لكن هذا الألم، لا ينتهي بمجرد بلوغ هذا الهدف. “نعتقد أن هذا الأمر يحصل أيضا في ألمانيا”، حسب الخبير الألماني إيسبنهورست.

من اليونان استقل فهد، سيارة أجرة، للوصول إلى مقدونيا. كان وحيدا، لأنه لم يستطع أن يثق في أي أحد. “لم أرغب في التعرف على أصدقاء جدد، حتى لا أضطر بعدها، لإعارتهم النقود”، يقول فهد. في مقدونيا واصل السير على أقدامه، حاملا معه بعض الأغراض. كان يقتات، كل بضعة ساعات، شرائح البطاطا المقرمشة وعلى الماء، هذا ما أبقاه على قيد الحياة، حتى بلغ المجر.

بعد مضي شهر كامل من مغادرته دمشق، تمكن فهد أخيرا من اجتياز الحدود الألمانية بمساعدة أحد المهربين. يعيش الشاب السوري اليوم في مخيم للاجئين القصر في برلين. بعد أن اضطر لقضاء أسبوعه الأول في العاصمة الألمانية في منتزه، مكتب التسجيل الأولي للاجئين. تمكن فهد من الحصول على غرفة في إحدى النزل، بعد أن قدم المعلومات الكافية للسلطات المعنية، ليبدأ فصلا جديدا من حياته، لوحده كالعادة.

يستغرق تسجيل القصر والإحاطة بهم وقتا طويلا، خاصة في برلين. ينتظر إلى الآن حوالي 2000 لاجئ قاصر، الحصول على موعد لدى المكتب الإتحادي للشباب، وذلك دون الحصول على رعاية صحية أو ولي أمر أو حتى إمكانية التعلم في المدرسة. التعليم هو أحد الشروط الأساسية، لإدماج اللاجئين الشباب، حسب تعبير إيسبنهورست. ولا يقصد هنا مجرد التواصل والتفاهم أو تحقيق الرغبات. “هؤلاء الشباب والأطفال ترعرعوا وسط الحروب. لا بد لنا أن نعطيهم فرصة، وهذه الفرصة حصل عليها فهد. فهو يحضر نفسه الآن لاجتياز امتحان الدرجة الثانية في اللغة الألمانية. وما يدفعه إلى تحقيق ذلك، هو رغبته في البقاء في ألمانيا. “المستقبل هو كل ما يحفزني للبقاء”، يقول فهد. يريد اللاجئ السوري اليافع أن يهتم بنفسه لوحده، والهدف هو: “سيراني الناس يوما ما ويتساءلون :من هذا الشخص؟ ليجب أحدهم :هذا فهد، قبطان الطائرة. أريد أن أكون شخصا ذا شأن”. (DW)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها