فيلم ألماني يحكي تفاصيل النزاع الأزلي بين شركتي أديداس و بوما

تبدو قصة الإعلان التلفزيوني العربي عن شوكولاته «تويكس»، وصراع الأخوين فيها حول أصبعي الشوكولاته، وأيهما ألذ، مثل قصة الأخوين الألمانيين أدولف ورودولف داسلر، اللذين أسسا شركتي «أديداس» و«بوما».

فقصة الصراع بين الأخوين داسلر، واختلافهما حول أبسط التفاصيل العملية والحياتية، أصبحت أسطورة منذ عشرينات القرن الماضي. ولهذا فقد حولتها السينما الألمانية إلى فيلم طويل يحكي تفاصيل النزاع الأزلي بين شركتين غزتا العالم في صناعة الملابس الرياضية، وخصوصًا الأحذية الرياضية.

وجميل أن يعرض الفيلم الآن في ألمانيا قبل أقل من ثلاثة أشهر من انطلاق مونديال أوروبا لكرة القدم في فرنسا، لأن النزاع بين الأخوين يعود إلى خلافهما السياسي والعائلي في دورة الألعاب الأولمبية ببرلين إبان الحقبة النازية (1936). وإذا كان خطر النازية يخيم على برلين في تلك الأيام فإن مخاطر الإرهاب تخيم اليوم على مونديال باريس.

أسس الأخوان داسلر شركة، تتخذ من مطبخ العائلة ورشة لها، لصناعة الأحذية في العام 1923 في خضم الأزمة الاقتصادية العالمية وتصاعد التضخم في ألمانيا إلى مستويات كانت تنذر بالحرب. وبدأ الأخوان، من مدينة هيرتزوغنراوخ الصغيرة، صناعة الأحذية الرياضية في بيت العائلة المكونة من أب نسّاج وأم تغسل الملابس في بيوت الأثرياء. وكان الصعود النازي، الذي أعلن الرياضة كأحد أهم نشاطاته، مهمًا في ازدهار تجارة الأحذية الرياضية من «داسلر».

تختصر العائلة اسم أدولف إلى «أدي» وهو سر اسم «أديداس» الذي يكشف كيف دمج أدولف اسم الشركة من مختصر اسمه ومطلع اسم العائلة «داسلر». أما رودولف، الذي يختصر اسمه إلى رودي، فقد اختار له البوما رمزا للسرعة والمتانة والذكاء.

يبدأ الفيلم من يوم 4 يوليو (تموز) 1954 في نهائي كأس العالم لكرة القدم حينما فازت ألمانيا لأول مرة بكأس العالم في مدينة بيرن السويسرية. فازت ألمانيا حينها في «معجزة بيرن» على المجر رغم تأخرها بهدفين، بفضل أحذية أديداس. ويظهر الفيلم مدرب المنتخب الألماني سيب هيربرغر وهو يصرخ باللاعبين «السماء تمطر، هذه فرصتكم»، لأن أدي صنع أحذية خاصة للفريق الألماني تعينهم في اللعب على أرض عشبية ندية.

ويظهر الفيلم أدي (3-11-1900) بمثابة المبتكر والفنان في صناعة الأحذية وصناعة صمغ الأحذية، والأخ رودي (26-3-1898) الذي لا يقل براعة كثيرًا، صاحب الأنف المرهف في التجارة والترويج في السوق، العارف بأنواع الجلود، والمعروف كزير نساء في المدينة.

بدأ أدي صناعة الأحذية وبيعها على الجيران في العام 1920. ثم انضم إليه رودي في العام 1923 وأسسا شركة «الأخوين داسلر لصناعة الأحذية». تزوج رودي في العام 28 من فريدل شتراسر، ونال أدي دورة في مدرسة صناعة للأحذية، ثم عاد إلى هيرتزوغنراوخ في العام 1934 مع زوجته كاتي. ويظهر الفيلم دور المرأتين المتناقضتين أيضًا في تأجيج النزاع بين الأخوين.

وفي الدورة الأولمبية المذكورة، في عام 1936. كان كافة رياضيي ألمانيا يركضون ويقفزون بأحذية الأخوين داسلر، لكن أدي أثار غضب هتلر لأنه زود الأميركي جيسي اونز بحذاء به مسامير مزودة بنوابض، وهو ما أهل الرياضي الأميركي للفوز بأربع ميداليات ذهبية. رغم ذلك لم يطح الديكتاتور النازي بصناعة الأخوين، لأن الحذاء ذا النوابض انتشر في كل العالم بعد الدورة الأولمبية.

وعرف الأخوان كيف يخاطبان هتلر ويعزفان على أوتار قلبه، فأطلقا على موديلاتهم الجديدة اسم «كفاحي» (كتاب هتلر الشهير) و«الخاطف» بالعلاقة مع الحرب الخاطفة التي كان هتلر مولعًا بها.

اضطر رودي للذهاب إلى الحرب خلال الحرب الكونية الثانية، في حين استثنى النظام أدي من الخدمة، وهو ما أشعل الخلاف أكثر. وهنا هيمن أدي على الشركة، واضطر رودي، بعد انتهاء الحرب، لقضاء سنة في سجون الأميركان أبعدته من جديد عن الشركة. وحينما عاد رودي إلى مدينته كان أخوه قد هيمن على البيت والشركة، وربما زوجة رودي كما تقول بعض الشائعات، لكن الشبهة الأخيرة لم تتأكد.

حصل الانفصال بين الأخوين في العام 1948، فأسس أدي «أديداس» وأسس رودي «بوما»، واتخذت الشركتان من المدينة الصغيرة مقرين لشركتيهما حتى الآن. وانجر الاثنان إلى المحاكم بعد أن ادعى كل منهما أنه صاحب براءة اختراع حذاء الركض ذي النوابض. وأخطأ رودي حينما اختلف مع مدرب المنتخب الألماني حول كلفة تزويد لاعبي المنتخب بحذاء بوما، وهنا قفز أدي إلى الصدارة ليربط أديداس بمعجزة بيرن الكروية في العام 1954.

تقاسم الأخوان العمال، فذهب 47 عاملاً طوعًا مع أديداس، وانضم 13 عاملاً وعدد من الباعة إلى بوما. وتقاسم الاثنان أسواق المنطقة بينهما كما يفعل اليوم الأخوان «البريشت» مالكا أسواق آلدي الشهيرة، اللذان يقتسمان ألمانيا بين منطقتي سوق شمال وجنوب ألمانيا.

امتد الشق ليشمل أبناء المدينة التي يسكنها 20 ألفًا، فانقسم السكان بين «أديداسي» و«بوماني»، كما ينقسم الجمهور العربي اليوم بين ريالي وبرصاوي (ريال مدريد وبرشلونة). أصبح للفريقين مطاعمهما ومقاهيما ومخابزهما الخاصة… إلخ، بل وصار الأطفال يذهبون إلى المدارس في حافلات أديداسية وأخرى بومانية. وكسب سكان مدينة هيرتزوغنراوخ عن جدارة لقب «الذين ينظرون إلى الأسفل» في ألمانيا، بمعنى أنهم دائما ينظرون إلى الأسفل كي يعرفوا أي نوع حذاء يلبس الشخص المقابل.

أسس الأخوان داسلر ماركتي ملابس وتجهيزات رياضية تعتبر من أهم الماركات في العالم، وما زالت الشركتان من أنجح الشركات في هذا المجال. لكنهما، كما يقال، لم يكونا يطيقان بعضهما منذ أن كانا طفلين. مات رودي يوم 27-10-1974 ودفن في مقبرة المدينة، وحينما مات أودي في يوم 6-9-1978 أوصى بدفنه أبعد ما يكون عن قبر أخيه. (الشرق الأوسط)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

2 Comments