إخفاق نهج ” الاشتراكية – الديموقراطية ” في ألمانيا
منذ عشر سنوات، تعيش الاشتراكية – الديموقراطية الألمانية كابوساً في كل انتخابات. وتبدو حظوظها ضعيفة في هزيمة انغيلا مركل. وفي انتخابات أجريت قبل أسابيع، في 13 آذار (مارس) المنصرم، في ثلاث ولايات، أذل الناخبون الحزب الاشتراكي – الديموقراطي في ولايتين من ثلاث. وما كاد يتجاوز (الحزب هذا) عتبة 10 في المئة التي تخوله دخول البرلمان الوطني، حتى تربع في المرتبة الرابعة وخسر 10 نقاط (قياساً إلى الانتخابات السابقة). ويعود الفضل إلى مرشحة الحزب مالي دراير، في ريناني – بالاتينا، في نجاته من أزمة وجودية كانت ستلم به لو خسر الولايات الثلاث في «الأحد الأسود» (يوم الانتخابات). وهذه الخسارة هي حلقة من سلسلة خسائر منها: في أيلول (سبتمر) 2005، دعا غيرهارد شرودر إلى انتخابات مبكرة إثر هزيمة حزبه في ريناني شمال ويستفاليا، معقل الاشتراكي – الديموقراطي. ولكنه خسر الرهان. فأطاحته رئيسة الاتحاد المسيحي – الديموقراطي، انغيلا مركل، من منصبه، ورأست ائتلافاً كبيراً اقتصر فيه دور الاشتراكي – الديموقراطي على دور الشريك الصغير. وفي ايلول 2009، فازت مركل من جديد، وتحالفت مع الليبراليين. وانتقل «الاشتراكي – الديموقراطي» إلى صفوف المعارضة. وفي أيلول 2013، فازت مجدداً، وعاد «الاشتراكي- الديموقراطي» إلى دور «الشريك الصغير».
وثمة تفسيرات كثيرة يقترحها «الاشتراكي – الديموقراطي» لتفسير تراجع شعبيته. ففي 2005، أعلن غيرهارد شرودر أنه يدفع ثمن الإصلاحات الاجتماعية التي بادر إليها. وفي 2009، قيل إن الناخبين اقتصوا من الحزب نتيجة سياسته إصلاح معاشات التقاعد. وفي 2013، عزا معاناته الانتخابية إلى شعبية انغيلا مركل المرتفعة، وفي 2016 (آذار المنصرم)، إلى تنامي شعبية «حزب البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف الذي يستغل مخاوف الألمان الناجمة عن استضافة بلادهم مليون لاجئ. ولكن هذه التفسيرات لا تسلط الضوء على مشكلة «الاشتراكية – الديموقراطية» الألمانية، ولا على عزوفها عن مقاربة واسعة للمجتمع. «فمجموعات المجتمع المدني الباحثة عن رؤية تتجاوز النيو- ليبرالية والمابعد حداثوية (إلى رؤية جديدة والبحث عن حلول) لم تعد تعول على هذا الحزب للبحث عن حل. وفي وسع «الاشتراكي – الديموقراطي» أن يبرز مكانته من طريق التذكير بأنه ألزم مركل بتحديد راتب الحد الأدنى. ولكنه لم يفلح في توجيه برنامجه إلى إرساء مجتمع تضامن يحل محل النيو- ليبرالية»، يقول عالم الاجتماع هينز بود، صاحب «مجتمع الخوف»، الصادر في 2014. ويوافقه الرأي مارسيل فراتشزير، وهو أبرز الاقتصاديين النافذين في برلين. فهو يقوِّم في كتابه «معركة التقاسم»، الذي يثير الجدل في ألمانيا حول مسألة اللامساواة الاجتماعية، إصلاحات شرودر، ويرى أن» توفير فرص عمل (غير نموذجية أو خارجة على النموذج السائد) نزلت على حاجة سياسية: مكافحة تعاظم البطالة وطول أمدها. ولكن هذه الإصلاحات فاقمت في الوقت نفسه التباين الاجتماعي وهوة اللامساواة وتوزيع العائدات والثروات». واليوم، يدعو هذا الاقتصادي سيغمار غبرييل، رئيس «الاشتراكي – الديموقراطي»، إلى الحذر. فـ «التفاوت الاجتماعي المتعاظم بين شرائح المجتمع الألماني وشح فرص العمل يقلقان الألمان. ويخشى كثر أن يهبط مستوى عيش أولادهم، فلا يتسنى للأبناء العيش كما جيل الأهل. وليس رفع معدلات الضرائب وإعادة توزيع العائدات الحل، بل توزيع أمثل للعائدات وتشريع الأبواب أمام اقتصاد السوق».
ولكن لا إجماع على هذا الرأي في عجز اليسار عن معالجة المخاوف الاجتماعية المتعاظمة التي ساهم في بروزها. فإرنست هيلبراند، مدير القسم الأوروبي في مؤسسة فريدريش – إيبرت السابق، يرى أن «الاشتراكي – الديموقراطي» لا يحتسب أن أحوال ألمانيا تجري على ما يرام. و «عامة الألمان تشعر بأنها بخير وأن لا حاجة لها إلى تغييرات عظمى سواء ترتبت هذه على زيادة الاندماج الأوروبي- وهم ينظرون اليه بعين الارتياب- أم على استقبال مهاجرين يرفضون الأسس الثقافية لألمانيا الجديدة. وحري بالاشتراكي – الديموقراطي أن يلتزم خطاباً ايجابياً عن شؤون البلاد والناس»، كتب هيلبراند في مجلة الجناح الحداثوي في «الاشتراكي – الديموقراطي» «برلينر ريبابليك». ولكنه يرى شأن بود وفراتشيزر، أن توزيع الثروات توزيعاً عادلاً أمر حيوي في سياسات «الاشتراكي- الديموقراطي». ولكنه يعتقد أن مثل هذا التوزيع لا يقتضي الأخذ من الأثرياء لإعطاء الفقراء فحسب على ما اقترح الحزب هذا في الانتخابات الأخيرة (رفع الضرائب على الشريحة الأكثر ثراء والعودة إلى التقاعد في سن الـ67). فتوزيع الثروات ليس مسألة عدالة اجتماعية بل مسألة وثيقة الصلة بسياسة تضامن ماكرو اقتصادية (اقتصادية شاملة أو واسعة) وبضمان النمو الطويل الأمد. «ويجب أن يستند مبدأ العدالة والتضامن ليحظى بتأييد سياسي واسع إلى مسوغات أخلاقية ترتضيها غالبية الألمان. ودور منطق التبادل والتضامن من غير قيد أو شرط… راجح (في مثل هذه السياسة)». ودرب استمالة الناخبين واسترجاع الصدقية لا تزال طويلة أمام «الاشتراكي – الديموقراطي». ففي مطلع آذار المنصرم، كانت نسبة تأييد «الاشتراكيين – الديموقراطيين» انغيلا مركل أكبر من نسبة تأييدهم سيغمار غبرييل.
ويرى المؤرخ كلاوس – بيتر سيك، أن «الاشتراكي الديموقراطي» غير قادر على تجاوز مشكلاته إلى استمالة شرائح واسعة من الناخبين. وتشوب الحزب هذا أزمة بنيوية، شأن «الاتحاد الديموقراطي المسيحي». ولطالما غلبت 6 ميول على السياسة الألمانية: فإلى اليمين، ثمة تيار محافظ رجعي وقومي، وحزب كاثوليكي كبير، وليبرالية يمينية؛ وإلى اليسار، ثمة ليبرالية يسارية، واشتراكية- ديموقراطية ويسار اليسار. «وبعد مرحلة جمهورية فيمار، أدرجت أو دمجت هذه الميول في 3 أحزاب لتفادي تناثر الأصوات. ولكن يبدو أن الميول هذه تبرز من جديد. فمن يعرف جمهورية فيمار والنازية، لا يخفى عليه أن تناثر الأصوات وبروز القومية كارثة. واليوم، اليمين منقسم إلى يمين ليبرالي ويمين تقليدي يرفع شأن تراثه. وإلى اليسار، يُعلى شأن المساواة، في وقت يغلب وسط اليسار كفة تكافؤ الفرص وحق الفرد في أن يكون على صورته نفسه ومن يشاء. وأزمة «الاشتراكي – الديموقراطي» ومصاعب «الاتحاد المسيحي- الديموقراطي « وبروز «حزب البديل من أجل ألمانيا» إلى أقصى اليمين، قد تنذر بنهاية الاستثناء الألماني في أوروبا يغلب عليها أكثر فأكثر تبعثر الأصوات (في الانتخابات، وصعوبة الفوز بأكثرية تسمح بدوران عجلة الحكم).
فريديريك لوميتر – لوموند – الحياة[ads3]