روسيا و إيران : أين الربط و أين الفك في سوريا ؟
في العلن، يبدو ان التحالف بين موسكو وطهران في #سوريا ووحدة موقفهما من الازمة الدائرة على ارضها، هو الغالب، فهما يدعمان نظام الرئيس بشار الاسد وجيشه في الحرب الدائرة هناك، كما ان التنسيق قائم بينهما على قدم وساق في الامور العسكرية واللوجستية وطبعا في الاطار السياسي العام، لكن ماذا عن المقلب الاخر من الصورة؟ هل من تنافس خفي بين الدولتين على النفوذ في هذه المنطقة؟ وهل سيظل النظام السوري مشطورا بين حليفين ام ان الكلمة الفصل في القصر الدمشقي ستكون في النهاية لفريق دون الاخر؟
لاشك في ان التدخل العسكري الروسي المباشر في الأزمة السورية قلب الموازين السياسية – العسكرية في سوريا، وغير جانبا من المعادلة ظل ثابتا إلي نحو خمس سنوات، وهو الجانب المتعلق بكون إيران الكفيل العلني الرئيسي للنظام السوري. وبعد التدخل الروسي المباشر، لم يعد اللاعبون الإقليميون، سواء الداعمون للنظام السوري (إيران)، أو المناهضون له (المملكة العربية السعودية، وتركيا) هم الفاعلين الرئيسيين في المشهد. فقد حول الانخراط الروسي العسكري المباشر شكل الصراع من صراع أطرافه وأدواته الأساسية إقليمية، إلى صراع مباشر بين إرادات دولية تتصدره واشنطن وموسكو، الأمر الذي استتبع بالضرورة خصما من رصيد اللاعبين الإقليميين واوراقهم.
ومنذ الإنزال الروسي في سوريا، في ايلول 2015، تؤكد طهران انه جاء بالتشاور معها وانها مطمئنة اليه. وبالفعل تبادل القادة العسكريين الكبار في البلدين، ومن بينها الزيارات المثيرة للجدل التي قام بها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني لموسكو ، ومن ثم لقاء الرئيس فلاديمير بوتين مع المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية علي خامنئي، ما اوحى ان الإدارة الإيرانية مطلعة على الخطط الروسية تجاه سوريا، كما اعطى الإعلان الروسي عن تسليم إيران منظومات الصواريخ المتطورة المضادة للصواريخ انطباعا عن رغبة روسيا في تكملة الدور الذي تضطلع به إيران، وليس الخصم من رصيدها السوري.
لكن عدد من المحللين يرون أن التدخل العسكري الروسي في سوريا أفرز عددا من نقاط التعارض في المصالح الإيرانية – الروسية. اوردت مجلة “السياسة الدولية” المصرية اهمها:
1- التخوف الروسي من الميليشيات المسلحة التي شكلتها #إيران في سوريا في السنوات الثلاث الأخيرة، بدعم من خبرات الحرس الثوري الإيراني و”حزب الله” ، وانعكس هذا التخوف في الاقتراح الروسي بضم تلك الميليشيات الى القوات المسلحة السورية النظامية، التي تقيم معها موسكو علاقات ممتدة منذ منتصف القرن العشرين. وهي خطوة أثارت امتعاضا إيرانيا، فقد استشعرت إيران أن روسيا تستهدف حرمانها من ظهيرها العسكري، الذي شكلته على غرار الحرس الثوري، عقب الثورة الإسلامية عام 1979، وتاليا انفراد روسيا بالقوى العسكرية المتخندقة في معسكر بشار الأسد. ولو كانت فكرة روسيا غير محل شك من جانب إيران، لكانت الأخيرة ضمت تلك الفرق والكتائب إلى الجيش النظامي فور تشكيلها.
2- استمرار التنسيق الروسي مع إسرائيل وهو ما يصطدم بشكل مباشر مع الركائز الدعائية الإيرانية، تلك التي تمحورت في صلبها حول العداء مع إسرائيل.
3- التعاون الروسي مع الأكراد في سوريا كإجراء عقابي يستهدف اللاعب التركي في المقام الأول، والتفاوض حول إقامة كيان مستقل لهم في مستقبل سوريا. وهو ما ترفضه إيران، ويعد بالنسبة لها من أساسيات العمل في سوريا. ذلك أن التعاون مع الأكراد، وإقامة دولة مستقلة لهم – وفق المنظور الإيراني- سوف ينسحبان على الكتلة الكردية الكبيرة الموجودة داخل الجمهورية الإسلامية. وظهر الرفض الإيراني للسلوك الروسي تجاه هذا الملف، من خلال تصريحات الرئيس حسن روحاني، حين أكد أن “بلاده لا توافق بالضرورة على أي خطوة تقوم بها روسيا”، مؤكدا أن “إيران مع وحدة الأراضي السورية وسيادتها على كامل أراضيها”.
4- عدم وضوح الموقف الروسي في شأن مكان بشار الأسد كجزء من مستقبل سوريا.
وتفيد تقارير أميركية إن هذا التنافس بين البلدين الذي يتجلى اساسا في سوريا، لتحديد من هو صاحب الكلمة الأخيرة، خصوصا في التعامل مع الأسد، راجع إلى كونهما يعتقدان بقوة في أن الولايات المتحدة تستعدّ لمغادرة هذه المنطقة الامر الذي سيوجد فراغا في موازين القوى لا بدّ من المسارعة بملئه والاستئثار بأكثر ما يمكن من عوامل السيطرة على مستقبله ومقدراته.
وترجح المصادر الاميركية ان التنافس الروسي الايراني قد يشتد على تثبيت مراكز النفوذ، قبل الوصول الى وقف للنار والدخول في عملية المفاوضات، التي يتوقع ان تُفضي الى كتابة دستور سوري جديد مع حلول آب المقبل.
وتؤكد مصادر في وزارة الدفاع الاميركية “البنتاغون” تراقب المواجهات العسكرية على الارض السورية إن ايران تحشد كل ما في وسعها من قوات للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة داخل سوريا، ودعم حلفائها لتنفيذ هذه السيطرة. وفي هذا الطار يقول مسؤولون عسكريون اميركيون إنهم رصدوا مشاركة وحدتين من القوات الخاصة التابعة للجيش الايراني “آرتيش”. ويرجح هؤلاء ان طهران قد دفعت بجيشها النظامي بعدما تعدت الخسائر في صفوف الحرس الثوري الايراني والباسيج الـ250 مقاتلا، معظمهم من الضباط ذوي الخبرة الذين ارسلتهم ايران للإشراف على المعارك.
والوحدتان الايرانيتان المشاركتان في المعارك المندلعة جنوب مدينة حلب، هما “الكتيبة 45ـ تاكافار”، و”الكتيبة 65” المحمولة جوا.واستطاع الخبراء الاميركيون تحديد هويتي الكتيبتين من خلال النعوات التي وزعها الايرانيون لأربعة عسكريين ايرانيين قتلوا في سوريا أخيرا.
ولم يستبعد قادة البنتاغون أن وجود أجنحة متضاربة نشأت داخل النظام السوري، وان بعضها صار محسوبا على ايران، وبعضها الآخر على روسيا، وان الدولتين الداعمتيْن للأسد تتقاسمان – لا الأجنحة داخل النظام فحسب – بل المناطق التي يسيطر عليها الأسد.ويضيف هؤلاء “قبل ذلك ستحاول روسيا وايران انتزاع اكبر مساحات نفوذ ممكنة، لا من المعارضين السوريين فحسب، بل من بعضيهما بعضا”.
ويقول المسؤولون في وزارة الدفاع الاميركية إن التنافس الروسي الإيراني سيخرج الى العلن قريبا، وما الاحداث في سوريا واذربيجان وارمينيا إلا مؤشرات الى المواجهة التي يمكن توقّعها على المدييْن المتوسط والبعيد بين موسكو وطهران.
في حين يرى الباحث المتخصص في الشأن الإيراني محمد محسن ابو النور ان عددا من القوى الفاعلة في الأزمة السورية يلعب دورا كبيرا في التسريع من وتيرة التباعد الإيراني – الروسي، وإماطة اللثام عن اختلافات وجهتي نظر البلدين لجهة تناقضات الأوضاع ميدانيا. ويأتي في مقدم تلك القوى اللاعبان التركي والأميركي ، وقد تجلى ذلك من خلال:
1: تعزيز العلاقات التركية – الإيرانية، عقب زيارة رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو لإيران، والتنسيق معها لتحل محل روسيا في إمدادها باحتياجاتها من الغاز المسال، بعد ما فرضت موسكو عقوبات اقتصادية عدة على أنقرة، وحرمتها من الخط التجاري التركي – الروسي، فضلا عن الغاز الروسي المسال، على خلفية أزمة إسقاط طائرة السوخوي الروسية.
2: تباين المواقف الروسية – التركية إزاء ملف الأكراد، وتطابق وجهتي النطر التركية – الإيرانية إزاء الحيلولة دون إقامة كيان كردي مستقل.
3: استراتيجية البوابات المفتوحة، التي دعا إليها رئيس الوزراء التركي، إبان زيارته لطهران والتي قال فيها إن “تركيا بوابة إيران إلي أوروبا، وطهران بوابتنا إلي آسيا، وهذا يضمن لنا إمكانيات استثنائية في مجال النقل والدعم اللوجيستي”، في عبارة تشير إلى أن طهران حلت فعلا محل موسكو في الاستراتيجيات التجارية التركية.
4: حرص واشنطن على دفع إيران للمضي قدما في مواصلة الانفتاح الاقتصادي على الغرب، كواحد من أهم بنود برنامج الرئيس حسن روحاني ، التي وعد بها ناخبيه في ربيع 2013، ويسعي لتحقيقها. وهنا، تبدو الحاجة الإيرانية إلي أميركا متزايدة، وتعكس تلك الحاجة هامشا أميركيا متزايدا يعمل على استعادة إيران المحور الغربي، بعدما خسرته عقب نجاح الثورة الإسلامية عام 1979.
5: الرصد الأميركي الدقيق لحسابات إيران شديدة التعقيد بسبب السلوك الروسي في سوريا، وتعلم واشنطن أن طهران بدت متكيفة مع هذا الوجود من خلال معطيين بالغي الأهمية، أولا: ثقة إيران تماما بإخلاص روسيا في الحرب ضد الجماعات الإسلامية، فتاريخها حافل بهذا الأمر في أفغانستان والشيشان. وعليه، تتكيف إيران -ولو جزئيا- مع الانخراط العسكري الروسي في الحرب ضد الجماعات الإسلامية، لا سيما أن كتائبها قد منيت بالعديد من الهزائم، ولم تحقق أي تقدم، ماعدا بعض المعارك الجانبية التي أحرز فيها حزب الله نجاحا. ثانيا: يتمخض عن التدخل الروسي في سوريا منع الانهيار المفاجئ للنظام السوري، بمعني أن الانتقال المنظم للسلطة، حتى لو كان داخل عائلة الأسد، أو تنازل بشار الأسد عن السلطة إلى القوات المسلحة، على غرار التجربة المصرية، يعد أمرا مقبولا بالنسبة لإيران. وفي ضوء هذين المعطيين، تعمل الولايات المتحدة على تشكيك إيران في النيات الروسية تجاه محاربة التنظيمات المتطرفة، وتجاه أفضليات طهران في ما يتعلق بانتقال السلطة.
6: تعتمد الولايات المتحدة على مواصلة الحرب الدعائية ضد القوات الروسية في سوريا، من أجل إقناع إيران بأن الخطط الروسية لا تتماشي مع الاستراتيجيات الإيرانية. وكثيرا ما خرجت تصريحات غربية تؤكد أن روسيا لا تستهدف “داعش”، و”جبهة النصرة”، بل توجه ضرباتها إلي تشكيلات أخرى، من بينها “الجيش السوري الحر”. وعليه، تفقد إيران عوامل تكيفها مع التدخل الروسي الحربي في الأزمة.
لكن، اذا كان صحيحا ان لكل من موسكو وطهران رؤية استراتيجية مستقلة ومصالح خاصة في مايتعلق بسوريا ، وقد تتقاطع نظرتهما او تختلف في شأن مسار الحل او الحرب في هذا البلد، فإن من المبكر جدا الحديث عن انكشاف تدريجي، وتفكيك لمسارات العلاقة المعقدة والمتداخلة بين إيران وروسيا في سوريا، فالضباب الكثيف لايزال يعتري الاجواء السورية ومن الصعب التمييز بين الخيوط الرفيعة للربط او الفك.
أمين قمورية – النهار[ads3]
من ينظر إلى وجه الخرامنئي ووجه أذنابه كأبو زميرة والخزعلي وأمثالهم وأيضا إلى وجه بوتين ووجه ذيله الأهبلوف سيعرف حتما أي مستقبل ينتظر السوريين.