” محاصصة سياسية ” و نقاط دي ميستورا الـ ١٨ .. بين اقتراحات ” فيينا السوري ” لاستئناف جنيف

تنعقد محادثات أميركية- روسية وأخرى بين دول غربية وإقليمية يشارك في بعضها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، لتمهيد الأرضية لخروج الاجتماع الوزاري لـ «المجموعة الدولية لدعم سورية» في فيينا الثلثاء، بقرارات في ملفات وقف النار والمساعدات الإنسانية والانتقال السياسي، التي تشكل «الأرجل الثلاث» لطاولة المفاوضات السورية، ولاستئناف هذه المفاوضات في جنيف قبل نهاية الشهر الجاري. لكن الجديد هو طرح جدي لإقرار مبدأ «التشاركية في الحكم» أو «المحاصصة السياسية» بين النظام والمعارضة، أو اعتماد خلاصات دي ميستورا الـ18 المتعلقة بالنقاط الخلافية.

التقويم الحالي للدول المعنية بالشأن السوري إزاء الملفات الثلاثة سلبي، إذ إن الهدنة تعرضت لخروق عدة وانهارت في حلب واحتدمت المعارك في مناطق عدة، مع الإشارة إلى أهمية بيان الجانبين الأميركي والروسي إزاء السعي إلى «هدنة شاملة» ووقف العمليات القتالية، إضافة إلى النص صراحة على اسم «جبهة النصرة» باعتبارها مستثناة مع «داعش» من الهدنة، وضرورة ابتعاد الفصائل المعارضة عنها والحديث عن ضرورة إغلاق الحدود التركية- السورية وربط ذلك بالانتقال السياسي.

السلبية تنطبق أيضاً على الملف الإنساني، إذ إن السلطات السورية لم تسمح بإدخال مساعدات طبية إلى مدينة داريا المحاصرة جنوب غربي دمشق، إضافة إلى أن تقويم رئيس مجموعة العمل الخاصة بالملف الإنساني يان إيغلاند لم يكن مشجعاً، إذ إنه قال في لندن خلال مشاركته بإطلاق تقرير عن النازحين واللاجئين في العالم، إن الحكومة السورية أضافت مناطق جديدة إلى المناطق المحاصرة، كان بينها حي الوعر في حمص، ما يعني وجود حوالى مليون في مناطق محاصرة أو أخرى يصعب الوصول إليها.

وكان إيغلاند أطلق في «مركز تشاتام هاوس» في لندن تقريراً عن النازحين جراء الحروب، أظهر أن عددهم بلغ 40 مليوناً في العام الماضي نصفهم في الشرق الأوسط، حصة سورية منهم 6.6 مليون نازح وخمسة ملايين لاجئ. وأشار إلى أنه لاحظ وجود «بُعد طائفي في عمليات الحصار والتهجير، من أطراف النزاع».

سياسياً، وصلت مفاوضات جنيف إلى طريق مسدود بسبب اختلاف أولويات وفدي الحكومة بتركيزه على تشكيل «حكومة وحدة وطنية» بمشاركة موالين ومعارضين ومستقلين وإصرار «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة على تشكيل هيئة حكم انتقالية وتطبيق «بيان جنيف» والقرار 2254، ورفضها التفاوض في ظل الظروف الراهنة من خرق الهدنة ووقف المساعدات.

ومنذ انتهاء الجولة التفاوضية في 27 الشهر الماضي، عقدت محادثات عدة شكّل المسار الأميركي- الروسي الأساس لها، حيث التقى مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي روبرت مالي، ومبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرينييف مرات عدة في برن السويسرية، إضافة إلى محادثات وزيري الخارجية جون كيري وسيرغي لافروف ومحادثات بين مسؤولين أمنيين في عمان وجنيف. كما عقد وزراء خارجية «مجموعة أصدقاء سورية» اجتماعاً في باريس أعقبه اجتماع على مستوى المبعوثين في لندن استعداداً لمؤتمر «المجموعة الدولية» بمشاركة 21 وزيراً في فيينا بعد ثلاثة أيام. وكان هدف اجتماع باريس وضع «ضوابط» للاستعجال الأميركي للوصول إلى تسوية مع الجانب الروسي قبل انتهاء ولاية الرئيس باراك أوباما، الأمر الذي قابله كيري بـ «خطاب متشدد ضد النظام وروسيا، ألقاه على حلفائه في باريس».

ليس هناك خلاف بين المسارين الأميركي- الروسي والمتعدد إزاء أهمية تأكيد التزام وقف العمليات القتالية في مناطق المعارك واحتمال توسيعه ليكون شاملاً، وأهمية إعطاء دفعة لإدخال مساعدات إنسانية إلى المناطق المحاصرة والعودة إلى زخم بداية العام في هذا الملف، مع اقتراح بعض الدول خيار إلقاء مساعدات من الجو فوق المناطق التي يحاصرها النظام، أسوة بما حصل في دير الزور المحاصرة من «داعش».

لكن الخلاف هو على المحور السياسي، إذ طرحت الدول خيارات عدة لإعطاء زخم سياسي لمفاوضات جنيف. اللافت هو مدى حضور مبدأ «التشاركية في الحكم» بين النظام والمعارضة في المفاوضات، إضافة إلى اختبار جدي لاقتراحات بدت سابقاً بالونات اختبار، مثل اقتراح رئيس «الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير» قدري جميل تعيين خمسة نواب للرئيس بشار الأسد. وأظهرت معلومات تراجع موسكو عن فكرة سابقة قضت بإجراء تغييرات دستورية أو اعتماد دستور جديد في آب (أغسطس) المقبل، الأمر الذي أعلنه كيري في 24 آذار (مارس) بعد محادثات مع لافروف في موسكو. إذ إن روسيا باتت تفضل حالياً عملية انتقالية بموجب الدستور الحالي، وتفضل نظاماً سياسياً يضمن سلطة تنفيذية قوية للرئيس وليس خيار النظام البرلماني، خشية من تقسيم البلاد، ما فسر ميل روسيا لـ «حكومة الوحدة» بسلطات محددة. لكن في الوقت ذاته، هناك ملاحظة في أن «الفجوة تتسع بين الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس الأسد» وأن الجيش الروسي لم يعد يوفر الغطاء الجوي وفق طلبات دمشق.

وطرحت على طاولة المحادثات الخلفية بين الدول المعنية، خيارات أخرى لإبقاء الدينامية في العملية السياسية، بينها أن يقر مؤتمر فيينا خلاصات دي ميستورا للجولة التفاوضية السابقة بين 15 و27 نيسان (أبريل)، ذلك أن المبعوث الدولي قال في وثيقة ابلغها إلى مجلس الأمن ووزعها على المشاركين السوريين، أن هناك 15 نقطة توافق بين وفدي الحكومة و «الهيئة»، بينها تشكيل «حكم انتقالي جديد يحل محل ترتيبات الحكم الحالي». لكنه قال أيضاً إن هناك 18 نقطة خلافية.

يقترح بعض الأطراف الدولية أن تكون هذه النقاط الـ18 أو محاورها جدولَ أعمال الجولة التفاوضية المقبلة، مع احتمال أن يختار الروس أن تكون «نقاط استرشاد» للمفاوضات. وتناولت النقاط الـ18 أسئلة وعناوين، بينها «كيفية تحقيق الانتقال السياسي»، وأن يضمَّن «إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تتمتع بكامل الصلاحيات التنفيذية عبر التوافق على استمرار عمل المؤسسات الحكومية»، إضافة إلى «التعمق في رؤية الانتقال السياسي ووظائف الحكم الانتقالي وقواعده التشغيلية وكياناته وعضويته واختياره ومسؤوليته وارتباطه بمؤسسات الدولة خلال المرحلة الانتقالية»، وضرورة «تحديد أولويات الحكم بما يتعدى صوغ الدستور الجديد».

وبين النقاط العالقة «كيفية ممارسة الحكم السلطةَ خلال المرحلة الانتقالية، وبخاصة ما يتعلق بالرئاسة والصلاحيات التنفيذية والرقابة على المؤسسات الحكومية والأمنية» و «تحديد المعايير اللازمة لإقامة جيش موحد ووطني ومهني ونزع السلاح وتسريح المقاتلين وإعادة دمج المجموعات المسلحة» و «أنسب الترتيبات الدستورية لمنح الحكم الانتقالي الشرعية القانونية» و «أنسب خطة زمنية وأفضل عملية لصوغ الدستور الجديد ومبدأ فصل السلطات» و «التمييز بين أولويات الإصلاح وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة وهيئاتها خلال المرحلة الانتقالية والإصلاح الشامل»، إضافة إلى «تحديد أهم القرارات القانونية والتنفيذية التي تكفل إجراء انتخابات حرة ونزيهة والاتفاق عليها تحت إشراف الأمم المتحدة»، إلى «آليات التنسيق لمكافحة الإرهاب وضمان حماية حدود سورية وسلامتها الإقليمية».

ويسعى الجانبان الأميركي والروسي إلى الخروج من فيينا بما يكفي لاستئناف المفاوضات ووضع الضغط على الدول الإقليمية والأطراف السورية للعودة إلى جنيف للإبقاء على المسار التفاوضي وفق رغبتَي الكرملين والبيت الأبيض في الأشهر المقبلة، لاعتقاد مسؤولين أنه «إذا لم يحصل اتفاق قبل تموز (يوليو) أو آب، فإن الموضوع السوري سيشهد تصعيداً إضافياً في انتظار الإدارة الأميركية الجديدة». وهنا، تطالب دول بضرورة التحضير بعد مؤتمر فيينا لنجاح الجولة التفاوضية المقبلة، بحيث تعقد في 29 الشهر الجاري، فيما يرى آخرون باستعجال استئنافها في 23 منه.

ابراهيم حميدي – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد