ألمانيا : جدال العقوبات على رافضي الاندماج

تزايدت الانتقادات أخيراً لوزير الداخلية الألماني، توماس دي ميزيير، على خلفية اقتراحه رفض منح الإقامة المفتوحة لطالبي اللجوء واللاجئين الذين لا يتعلمون اللغة أو يرفضون عروض العمل. كذلك تضمن الاقتراح حرمان اللاجىء المعترَف بلجوئه، من حق اختيار مكان السكن في البلاد، بحجة عدم إنشاء “غيتوات”.

هذه الاقتراحات جاءت من ضمن مشروع قانون الاندماج المقدّم إلى الحكومة الاتحادية بالتعاون مع وزارة العمل، والمفترض إقراره خلال شهر مايو/ أيار الجاري، بعد مناقشته أمام البرلمان الاتحادي للتصويت عليه.

لم تقتصر معارضة هذا المشروع على حزبَي اليسار والخضر، إنّما لاقى رفضاً أيضاً من قبل ممثلي الجاليات في ألمانيا والاتحاد الألماني للعاملين في الخدمة المدنية. وقد شدد رئيس الاتحاد، كلاوس داورشتت، على أنّ هذا النوع من العقوبات قد يأخذ طابعاً بيروقراطياً، وينتج عنه عبء إضافي على موظفي الهيئات المثقلين أساساً بكثير من العمل. كذلك، حذّرت جمعيات ثقافية واجتماعية تهتم بالجاليات في ألمانيا من اتخاذ قرار كهذا، إذ إنّه يشكّل خطوة إلى الوراء ويذكّر بالماضي الأليم، خصوصاً أنّ هذه الأساليب لم تساهم طوال عشرات السنوات في تحقيق الاندماج لطالبي اللجوء واللاجئين.

ممّا لا شكّ فيه أنّ التحدي الحقيقي لألمانيا بدأ مع وجود أكثر من مليون لاجئ وطالب لجوء على أراضيها. بات عليها أن تكرّس جهداً لدمجهم في المجتمع. في هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أنّ مطالبة وزير الداخلية الذين يريدون العيش في ألمانيا بمعرفة الثقافة الألمانية والقيم الأساسية، تُواجَه بالسؤال عن مدى تطبيق ألمانيا تلك القيم ومعايير الديمقراطية والحرية الدينية التي كفلها الدستور، وعمّا إذا كانت تحمل الكراهية تجاه الأقليات، وذلك استناداً إلى مهاجمة مراكز إيواء اللاجئين. كذلك، السؤال عن الحرية الدينية التي كفلها الدستور ومعايير الديمقراطية التي تتميز بها ألمانيا.

يبدو واضحاً أنّ توجّه وزارة الداخلية يثير امتعاض المهتمين بالشأن الاجتماعي، إذ إنّه يؤدي إلى انعدام ثقة طالبي اللجوء بالدولة، ما يؤدي بدوره إلى التأكيد على ضرورة بذل الجهد لتسهيل مهمة عملهم واندماجهم في المجتمع، وعدم وضع الأسباب الثقافية كإحدى الصعوبات التي تمنع ذلك، بعيداً عن أيّة أحكام مسبقة. ومن ثمّ يصار إلى وضع عقد دمج مشترك لتنظيم التعايش داخل المجتمع المتنوّع ثقافياً في البلاد، في حين يشكّل البطء في معالجة طلبات اللجوء، وبالتالي تحديد مصير طالبي اللجوء، أحد الأمور الأساسية التي تقف حاجزاً أمام البدء في الانطلاق في خطوات اندماجهم في المجتمع، يُسجّل أنّ ثمّة أعداداً كبيرة من طالبي اللجوء، الذين يرغبون في تعلم اللغة، على لوائح الانتظار، نظراً إلى عدم توفّر الأماكن الكافية للجميع في الدورات المخصصة لذلك. وهو الأمر الذي يعكس في الوقت عينه اهتماماً من قبل اللاجئين وطالبي اللجوء بتعلم اللغة، علماً بأنّ الحكومة الألمانية كانت ومن أجل تنظيم مزيد من دورات اللغة، قد زادت ميزانية عام 2016 إلى 559 مليون يورو، وهذا ما يقدّر بأكثر من ضعفَي ميزانية العام الماضي.

في هذا الإطار أيضاً، ثمّة توجّه لتقييم وضع طالبي اللجوء، الذين لهم فرص مستقبلية للاندماج والعمل، وبالتالي البقاء في ألمانيا، وبين من ليست لديهم فرص مماثلة. بدورها، عزت المستشارة، أنغيلا ميركل، السبب بقولها أخيراً إنّ “الهدف يكمن في محاولة دمج أعداد كبيرة من طالبي اللجوء واللاجئين بقدر المستطاع في سوق العمل”. أما نائب المستشارة ووزير الاقتصاد، سيغمار غابريال، فقد لفت إلى أنّ “عملية الدمج لا يمكن أن تتمّ من تلقاء نفسها، إنما تتطلب جهد المواطنين واللاجئين والدولة”.

ومن المقرر أن يوفّر قانون الاندماج عروضاً لتحفيز اللاجئين على العمل والاندماج، على أن يتمّ التشدد في موضوع اللغة والتأهيل والتدريب للاجئين، مع إجراء بعض التعديلات على قانون الإقامة في حال الحصول على وظيفة. في المقابل، سوف تخفَّض المعونات الاجتماعية والمخصصات المالية على كلّ من يتبيّن رفضه الاندماج وتعلم اللغة.

في المحصّلة، يرى المتابعون ضرورة أن يتبيّن للاجئين وطالبي اللجوء، أنّ النظام السياسي والمؤسسات والوحدات الإدارية والبلديات تعمل على تعزيز تكافؤ الفرص وانفتاحها على تعدد الثقافات. وهذا من شأنه أن يكون رداً صريحاً على اليمينيين الشعبويين، وخطوة كبيرة في اتجاه قانون هجرة حقيقي تُصاغ فيه المساواة وتُصان الكرامة، ويكون عماده التنوّع والمشاركة.

شادي عاكوم – العربي الجديد[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد