مخاوف من حكم اليمين لأوروبا
رغم فوز مرشح حزب الخضر ألكسندر فان دير بيلين بالانتخابات الرئاسية النمساوية على مرشح حزب الحرية اليميني المتطرف نوربرت هوفر، فإن النسبة المتقاربة بينهما تعكس حدة الاستقطاب الموجود تجاه قضايا اللاجئين والأجانب.
وحصل فان دير بيلين بشق الأنفس على 50.3% من الأصوات بفارق 16 ألف صوت فقط عن منافسه اليميني الذي حاز 49.7%.
وأثار اقتراب هوفر من الوصول إلى قصر الرئاسة في العاصمة فيينا مخاوف واسعة من تشجيع نتيجة هذه الانتخابات النمساوية للأحزاب الأوروبية اليمينية المتطرفة على المنافسة بقوة للوصول إلى سدة الحكم ببلدانها.
ورأى كبير محللي صحيفة ديرتاجستسايتونغ (تأتس) الألمانية دانيال باكس أن نتيجة الانتخابات الرئاسية أبعدت النمسا عن الانضمام إلى بولندا والمجر المحكومتين من اليمين المناهض لسياسات الاتحاد الأوروبي، لكنها تبعث على الانزعاج من تنامي قوة الأحزاب اليمينية المتطرفة ومواصلتها تقدمها من انتخابات لأخرى.
وقال باكس إن ما جرى في النمسا سيعطي زخما للتيارات المعادية للوحدة الأوروبية وللاجئين، خاصة في بريطانيا المستعدة للاستفتاء يوم 23 يونيو/حزيران المقبل على بقائها في الاتحاد الأوروبي.
وتوقع أن يشهد العام القادم منافسة رئيسة حزب الجبهة الوطنية ماري لوبان في انتخابات الرئاسة الفرنسية، ودخول “حزب بديل لألمانيا” المعادي لليورو واللاجئين والإسلام البرلمان الألماني (بوندستاغ) للمرة الأولى.
واعتبر باكس في تصريح للجزيرة نت أن مشاركة أحزاب اليمين المتطرف في الحكومات بدول وسط أوروبا باتت مسألة وقت، بعد تمكنها في دول مثل فرنسا والنمسا من منافسة الاشتراكيين الديمقراطيين بقوة.
كما لفت إلى أن تأثير هذه الأحزاب تجاوز نتائج الانتخابات إلى التأثير على سياسات حكوماتها، لاسيما ما يتعلق باللاجئين والهجرة، وذكر أن هذا يبدو واضحا في تأثير حزب الاستقلال اليميني المتطرف ببريطانيا وحزب بديل لألمانيا واليمين القوي في الدانمارك على سياسات حكومات البلدان الثلاثة وتوجيه النقاش العام الدائر هناك.
وفي الموضوع ذاته، قال النائب بالبرلمان المحلي لولاية العاصمة النمساوية عن الحزب الاشتراكي عمر الراوي إنه استقبل نتيجة الانتخابات الرئاسية في بلاده بفرح، لعدم وصول مرشح اليمين المتطرف إلى أعلى منصب في الدولة، خاصة بعد لعبه على الإسلاموفوبيا والعداء للمسلمين ودعوته لمنع الحجاب.
لكن الراوي عبّر في تصريح للجزيرة نت عن حزنه أيضا لأن النتيجة أظهرت تصويت نصف النمساويين لهوفر.
وأوضح أن حزب الحرية اليميني المتطرف وظف لصالحه تراكمات الأزمة الاقتصادية وحالة سخط موجودة أضافت إليها أزمة اللجوء مخاوف مجتمعية جديدة من تراجع جودة الحياة ومخصصات الضمان الاجتماعي.
وأشار الراوي إلى أن ما شهدته النمسا فرض تحديا كبيرا في أوروبا هو قبول أطروحات اليمين من شرائح اجتماعية واسعة، مما سيعطي دفعة للأحزاب اليمينية المتطرفة لوضع عينها على المشاركة في الحكومات.
ورأى أن حصول المرشح الرئاسي لحزب الحرية اليميني المتطرف على نصف أصوات المقترعين النمساويين يضع الأحزاب الكبيرة في أوروبا أمام اختبار صعب هو الحفاظ على البعد الإنساني في سياساتها للجوء، أو تشديد هذه السياسات لتتمكن -حسب تصورها- من دحر اليمين.
وخلص الراوي إلى أن تبني خطاب اليمين المتطرف لن يؤدي إلى فوز انتخابي لأن من يؤيدون الأطروحات اليمينية سينتخبون الأصل لا الصورة.
وفي مقاربة مماثلة، قالت مديرة معهد المسؤولية الإعلامية في برلين زابينا شيفر إن تسبب نتائج الانتخابات الرئاسية بالنمسا في تشديد سياسات اللجوء بهذا البلد أمر متوقع، بسبب تصويت نصف الناخبين لمرشح حزب الحرية المتطرف المتبني منذ فترة طويلة لبرامج معادية للاجئين والهجرة والأجانب عموما.
وأشارت شيفر في تصريح للجزيرة نت إلى أن ما جرى بالنمسا سيكون له صداه بالتشدد حيال اللاجئين في باقي دول الاتحاد الأوروبي.
وأوضحت أن تجاوب الأحزاب الشعبية في دول أوروبية كبيرة مع مطالب التيارات اليمينية بتشديد سياسات اللجوء جاء لقناعاتها بأن هذا سيسحب البساط الانتخابي من هذه التيارات، وهو ما أسهم في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة بقوة وإعطائها مساحة مجتمعية أوسع.
وذكرت الخبيرة الإعلامية الألمانية بقضايا اليمين المتطرف أن ما جرى في بلادها أوائل تسعينيات القرن الماضي أظهر خطأ هذا التصور، وأشارت إلى أن تبني أحزاب كبيرة في ألمانيا حينذاك خطاب اليمين وتقنين الحكومة لقوانين مشددة للجوء والهجرة، قاد إلى موجة واسعة من جرائم إحراق مساكن الأتراك ومراكز إيواء اللاجئين.
خالد شمت – الجزيرة[ads3]