هل تشكل الـ ” غوريلا ” خطراً على البشر ؟

في أعقاب الحادثة المأساوية التي قٌتل فيها ذكر غوريلا يدعى “هارامبي” في حديقة بالولايات المتحدة، نتفحص الأدلة لاستكشاف ما إذا كانت هذه القردة المتطورة تشكل خطراً على الإنسان بالفعل.

لا تزال حديقة حيوان “سينسيناتي” في الولايات المتحدة الأمريكية تواجه رد فعل جماهيري غاضب على حادثة قتل أحد حيوانات الغوريلا في تلك الحديقة.

فقد سقط طفل صغير في حظيرة الغوريلا، وقابله أحد ذكور الغوريلا ويدعى “هارامبي”، وجر الطفل بقوة عدة مرات وسط الماء. ولإنقاذ الطفل، أطلق العاملون في حديقة الحيوانات النار على “هارامبي” وأردوه قتيلاً.

القصة محزنة بشكل خاص لأن “هارامبي” كان من سلالة “غوريلا السهول الغربية”، وهي إحدى سلالتين من “الغوريلا الغربية” المعرضة للانقراض بشكل خطير.

وتركّز الغضب الشعبي أساساً على ما إذا كان من الضروري حقاً قتل “هارامبي”. ودافعت إدارة حديقة الحيوانات عن الإجراء الذي اتخذته بالقول إن الوسائل غير القاتلة، مثل السهام التي تحمل مواد مهدئة، بطيئة المفعول، وكانت ستضع الطفل في خطر شديد.

وأيّد معظم الخبراء في التعامل مع حيوانات الغوريلا موقف المسؤولين في حديقة الحيوانات. أما شرطة سينسيناتي فقالت إنها ستحقق في تصرفات والديّ الطفل.

وتكمن المعضلة الكبرى في تحديد مدى خطورة الغوريلا “هارامبي” الحقيقية. غير أن عقوداً من الأبحاث التي أجريت حول الغوريلا تقدم لنا بعض القرائن. والحقيقة هي أن حيوانات الغوريلا تحتاج إلى التعامل معها بحذر شديد.

و وُصفت حيوانات الغوريلا فيما مضى على أنها من الحيوانات العنيفة التي قد تقتل أي إنسان عندما تلاقيه. وليس من قبيل الصدفة أن يتم تصوير القرد العملاق بطل فيلم “كينغ كونغ” في شكل غوريلا.

مع ذلك، ومنذ سبعينيات القرن الماضي، غيّرت ديان فوسي، الخبيرة في دراسة القردة العليا، سمعة الغوريلا عن طريق دراساتها الرائدة حول حياة الغوريلا الجبلية البرية. وهي أجناس مختلفة عن “هارامبي”، ولكن يصعب تمييز الفروق بينه وبينها.

وجدت فوسي أن الغوريلا نادراً ما تكون عنيفة، بل كانت مسالمة في معظم الأحيان. والتُقط فيلم لديفيد أتينبارا مع بعض غوريلات فوسي عام 1979، في المسلسل التلفزيوني “الحياة على الأرض” ، بحسب ما اوردت هيئة الإذاعة البريطانية.

كان ذلك اللقاء تاريخياً في عالم التلفزة لأن بعض صغار الغوريلا بدأوا يلعبون مع أتينبارا. ومن الواضح أنه يمكن ملاقاة غوريلا والابتعاد عنها دون الإصابة بأي أذى. لكن حيوانات الغوريلا التي التقى بها أتينبارا اعتادت على البشر على مرّ سنين عديدة، وكان جميع المشاركين في البرنامج يعرفون كيف يعاملون تلك الحيوانات باحترام.

في ظروف مختلفة، يمكن للغوريلا أن تكون خطرة حقاً. كما أن أكثر العنف الصادر من حيوانات الغوريلا يكون موجها ضد أقرانها.

وتعيش هذه الحيوانات في مجاميع يتحكم فيها ذكر مهيمن، من النوع المعروف باسم “الغوريلا ذات الظهر الفضي”، في عدد من إناث الغوريلا وصغارها. وإذا ما اقترب ذكر آخر منها، سيحاول ذلك الذكر أن يبعده. ويُظهر، في البداية، علامات التهديد مثل النخير، والصراخ، وضرب الصدر باليدين. وإذا لم تنجح كل هذه المحاولات، فربما يهاجم خصمه بنفسه.

وللعديد من حيوانات الغوريلا ذات الظهر الفضي ندب تشهد على مثل تلك المواجهات. وأحياناً، لا يظل الخاسر على قيد الحياة.

يقول إيان ريدموند، من منظمة “التحالف من أجل القردة”، والذي عمل مع فوسي في دولة رواندا لثلاثة أعوام خلال سبعينيات القرن الماضي، ولا يزال يدرس حيوانات الغوريلا، إنه تم العثور على حالات هاجمت فيها الغوريلا بشرا، حتى أنها قتلت البعض منهم، ولكن مثل هذه الحالات تعد نادرة، وكان الإنسان دوماً هو من يلام في ذلك.

يقول ريدموند: “هناك حالات جرحت فيها حيوانات الغوريلا بعض الناس، وحالات قٌتل فيها البعض على يد تلك الحيوانات. وكل الحالات التي أعرفها حصلت في البرية، عندما كانت حيوانات الغوريلا تخشى من هجوم، أو أنها تكون قد هوجمت بالفعل.”

عندما يظن أحد هذه الحيوانات أنه في خطر، يبدأ بالتهديد. وإذا أهمل الإنسان مظاهر التهديد تلك، أو فاجأ الغوريلا أو تعرض لها، فقد يتصاعد الموقف إلى الضرب القوي، أو الخربشة والعض، منتهياً بالاندفاع السريع نحو الشخص ومهاجمته.

ويضيف ريدموند: “تعرّض الذين أعرفهم، ممن مروا بتلك الظروف، للعضّ أو كُسر لهم ضلعان. وقد عاشوا ليقصّوا لنا حكايتهم، ولكنهم كانوا قد أهملوا إشارات التحذير.”

ويستذكر ريدموند مقابلته لصياد غير مرخّص بدت على بطنه ندبة من ضربة عنيفة لغوريلا. ولو كان الصياد أقرب إلى الغوريلا بمقدار بوصة واحدة لكانت أحشاؤه قد انتُزعت على الأرجح.

وقد يبدو الأمر غريبا بالنسبة للبعض، وهم لديهم سبب وجيه، إذ يقولون إنهم لا يكادون يجدون دراسة عن هجمات الغوريلا على البشر. في الوقت الذي نجد فيه تحديثاً دورياً لملف مثل “هجمات أسماك القرش”، الذي يوثّق هجمات هذا الحيوان لمئات من السنين، فإننا لا نجد شيئاً مشابهاً يتعلق بالغوريلا.

في الحقيقة، تنوّه نشرة صدرت عام 2012 عن مواجهات حصلت بين الناس وحيوانات برية إلى وجود ثلاث حالات فقط لهجمات الغوريلا وقعت قبل عام 2000. كما سُجلت بضعة حوادث أخرى.

وكشفت دراسة نُشرت عام 2008 أن إناث الغوريلا الغربية غالباً ما تتصرفت بعدوانية تجاه البشر. يُحتمل أن سبب ذلك هو عدم تعودها على وجود الباحثين بالقرب منها. وتتبّع الباحثون الغوريلا، وجاء في تقاريرهم أن حيوانات الغوريلا “أمسكت أرجلنا بأياديها” أحياناً.

ويوثّق تقرير صدر عام 2009 عن المواجهات بين البشر والقردة كيف أن ذكراً من “ذوي الظهور الفضية” هاجم رجلاً في “محمية كاغويني للغوريلا” في دولة الكاميرون.

كان الرجل يُعدّ أفخاخاً، وجاء في التقرير أن ذكر الغوريلا هاجمه من الخلف بينما كان يركض هارباً. وينوه هذا التقرير إلى هجمات أخرى في بويندي بدولة أوغندا، ولكن فقط عندما كانت الغوريلا تغير على محاصيل خارج حدود متنزهها.

إحدى الأسباب الرئيسية للمواجهات بين البشر والغوريلا “هي توسيع مناطق استيطان البشر لتطال أراضي كانت سابقاً جزءاً من المواطن الطبيعية للغوريلا”، حسبما جاء في تقرير نُشر عام 2011، والذي تفحّص 20 سنة من حياة الغوريلا في المحميات الجبلية التي تقطنها. كما جاء في هذا التقرير أن “هناك بعض الشكوك حول ما إذا كان التعوّد على البشر سبباً لهذا السلوك”.

وقد جُمعت في فصلٍ لكتاب نُشر عام 2015 كل البيانات الموجودة، وجرت محاولة معرفة المدى الحقيقي لعدوانية القردة. ويشدد المؤلف المشترك، ماثيو ماكلينان من جامعة برووكس أوكسفورد بالمملكة المتحدة، مرة أخرى على أن هجمات الغوريلا على البشر في البرية نادرة جداً، وعادة ما يكون دافعها غريزة دفاعية.

وأضاف: “تبين التقارير أن المستهدف، في العادة، من عدوانية الغوريلا هو شخص بالغ (على سبيل المثال)، صياد، وليس طفل” حسب قول ماكلينان. وحتى عندما تقع تلك الهجمات، فمن النادر أن تكون قاتلة.

تدور جميع هذه الحكايات حول الغوريلا المتوحشة، لكن لا يبدو أن الغوريلا الواقعة في الأسر تختلف عن ذلك كثيراً. توجد حالات قليلة فقط لتصرفات عدوانية تجاه البشر من قبل حيوانات الغوريلا المحبوسة.

وقد وثّقت دراسة أجريت عام 2014 لعلاقة البشر بالحيوانات في حدائق الحيوان حفنة من حالات عدوانية الغوريلا فقط. في إحداها، هرب أحد حيوانات الغوريلا من حظيرته المسيّجة، لكن لم تؤدِّ أي من هذه الحالات إلى وفاة.

مع ذلك، توجد أدلة على أن زيادة أعداد الزوار قد تثير حفيظة الغوريلا. وقد تتبّعت دراسة أخرى نُشرت في فبراير/شباط عام 2016 ثلاثة من غوريلا السهول الغربية في “حديقة حيوانات دبلن” بأيرلندا. وتوصلت الدراسة إلى أنه عند ازدياد عدد الزوار تصبح الغوريلا أكثر عدوانية، سواء تجاه الزوار أو تجاه بعضها البعض.

كانت الغوريلا تضرب الجدار الزجاجي وتندفع باتجاهه، وتضرب صدورها. كما أنها كانت تعض وتضرب وتهدد بعضها الآخر. ويدرك كاتبو هذه الدراسات أن البيانات المتعلقة بهجوم الغوريلا على البشر تعد “ضئيلة”، مما يشجع حدائق الحيوانات أن تدوّن أية حالات تحدث في هذا السياق.

وتكرر هذه الدراسة الأخيرة ما جاء في دراسة أجريت عام 2008 لحدائق الحيوانات في المملكة المتحدة، التي توصلت إلى أن توتر الغوريلا يزداد عندما تزداد أعداد الزائرين حولها.

ويمكن لحيوانات الغوريلا التي تعيش في البرية أن تتجول على هواها. ولكن لا يمكنها، وهي في الأسر، أن تهرب من حظائرها لتخلص نفسها من حالة تنطوي على “توتر نفسي”، مثل تلك الحالة التي واجهت الغوريلا “هارامبي”. ويقول ريدموند: “سيكونون تحت نظر الزوار أينما ذهبوا، وذلك يضيف من درجة توترهم.”

رغم ما ذُكر، وحسب علم ريدموند، لا توجد أية حالة قُتل فيها إنسان على يد غوريلا في ا لأسر. وقبل الحادثة التي وقعت مع “هارامبي”، وُجدت حالتان وقع فيها أطفال في حظائر الغوريلا. ولم يُصب فيها الطفلان بأي أذى.

ولكن في الحالتين كان الطفلان فاقدي الوعي، لذا لم تلاحظ الغوريلا أي تهديد منهما. والأكثر إثارة وتشويقاً أنه في عام 1986 تصرف أحد حيوانات الغوريلا في حديقة حيوانات جيرسي بالمملكة المتحدة بشكل يدل على حماية طفل بعد وقوعه في إحدى حظائرها.

وكنتيجة إجمالية، كانت هناك ثلاث حالات فقط وقع فيها أطفال في حظائر الغوريلا، ولم يمت فيها أحد إلا في المرة الأخيرة؛ عند قتل الغوريلا هارامبي ، حسب قول ريدموند.

ويقول إن الأمر الأهم هو عدم الحكم على تصرفات القائمين على إدارة حديقة حيوانات سينسيناتي، بل أن نتعلم من الواقعة منع حصول مثل هذا الأمر مرة أخرى.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها