وداعاً تركيا مرحبا بالأسد ؟

في خطوة ذات دلالات عميقة، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية بتاريخ الرابع من هذا الشهر يونيو/حزيران عن تنفيذ طائراتها الحربية غارات جوية ضد أهداف لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، وذلك انطلاقاً من حاملات الطائرات المتواجدة في البحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي يمكن اعتباره نقلة نوعية في عمل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة؛ حيث أكد مسؤولون في البحرية الأميركية أن الطائرات انطلقت من الحاملة هاري ترومان، بعد أن دخلت البحر المتوسط عن طريق قناة السويس، وهي المرة الأولى التي تنفذ فيها ضربات جوية من حاملة طائرات في المنطقة منذ الحرب على العراق في 2003.

قيام الطائرات الأميركية بالتحليق فوق الأجواء السورية لا بد أن يقتضي التنسيق مع جهتين، روسيا التي تملك اليد الطولى في سوريا، وباتت هي الحارس الفعلي لنظام الأسد من خلال قواعدها البحرية والجوية والبرية، التي تضم سفناً وطائرات ومنظومات دفاع جوي متقدمة، من طراز إس 400، وكذلك مع نظام الأسد، وإن بدرجة أقل من التنسيق التي قد لا تعدو كونها إخطاراً له بالتحليق، وإن من خلال روسيا.

الولايات المتحدة الأميركية وإلى ما قبل هذا اليوم عملت جاهدة على عدم استخدام قوتها الجوية التي تتواجد على حاملات الطائرات؛ حيث اقتصر نشاطها الجوي على استخدام طائراتها التي تتواجد في قاعدة أنجيرلك الجوية التركية، وبالتالي فإنها قد تحاشت الظهور بمظهر الطرف الذي ينسق مع نظام الأسد في حربها على الجماعات الجهادية كالدولة والنصرة، بل وأنكرت ذلك في أكثر من مناسبة.

هذه الحادثة كشفت عن تأزم العلاقات الأميركية التركية التي ربما تكون قد وصلت مرحلة عصيبة باتت فيها مسألة تخلي الولايات المتحدة، وحلف الناتو عن تركيا مسألة وقت لا أكثر، فالمتابع لمجريات الأحداث، سيدرك وبلا أدنى شك حجم التنافر الذي بدأ يطفو على السطح؛ لينتقل من مرحلة التصريحات، والتصريحات المضادة، إلى مرحلة الأفعال وردودها.

لعل أحد أهم أسباب هذا التنافر المتصاعد بين تركيا والولايات المتحدة يعود بالدرجة الأولى إلى دعم الأخيرة لوحدات حماية الشعب الكردية الانفصالية، الجناح السوري لمنظمة “بي كي كي” الكردية – التركية المصنفة إرهابية، والتي باتت الذراع الضاربة للولايات المتحدة في سوريا، خاصة بعد دمج بعض الميليشيات العربية المسلحة معها, وتشكيل ما بات يعرف بـ”قوات سوريا الديمقراطية”، ولعل ذروة التنافر في هذه المسألة يتمثل في ظهور وحدات خاصة أميركية ترتدي زي وحدات الحماية وتقاتل إلى جانب الأكراد في معاركهم مع تنظيم الدولة الإسلامية؛ حيث أعلنت الولايات المتحدة عن جرح اثنين من جنودها، الأمر الذي أزعج تركيا، ما دفعها لتوجيه انتقادات علنية للدور الأميركي في سوريا.

الولايات المتحدة الأميركية لم تتردد في الإعلان عن أنها لا تعتبر هذه الوحدات إرهابية، وأنها ستستمر في دعمها، وهنا لا بد من التأكيد على أن وحدات الحماية الكردية لا تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية فقط، بل تقدمت وسيطرت على معظم الشمال السوري فطردت وبدعم جوي روسي فصائل المعارضة المسلحة المصنفة معتدلة، والتي بدورها تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية؛ حيث لم يتبقَّ لها سوى جيوب صغيرة أهمها مدينة مارع.

لقد فتحت معارك قوات سوريا الديمقراطية ضد الفصائل السورية المعتدلة في “مارع”، وضد ضد تنظيم الدولة الإسلامية في “منبج” الباب على مصراعيه أمام تنامي الخلاف التركي – الأميركي؛ حيث تعتبر مارع آخر معاقل الفصائل التي تدعمها تركيا، في حين تعتبر منبج الملاصقة للحدود التركية، تهديداً كردياً لا يمكن لتركيا السكوت عنه ولا قبوله؛ لأنه سيعني سيطرة الأكراد على كامل الشمال السوري، ما يعني أن المشروع الانفصالي الكردي قد بات أمراً واقعاً، وهو ما تعتبره تركيا تهديداً حقيقياً لأمنها القومي.

لا يبدو أن الولايات المتحدة في وارد مجاملة الأتراك، والتخلي عن حليفها الكردي، وهو ما يمكن اعتباره ضربة موجعة للدولة التركية، التي بقيت تنسق مع حلف الناتو والولايات المتحدة الأميركية طوال خمس سنين من عمر الأزمة السورية، لكن هذا التنسيق ارتد عليها سلباً، فالتردد الذي صبغ السياسة التركية حيال سوريا وفصائل المعارضة ترك أثراً مأساوياً على فصائل المعارضة السورية المسلحة، وسمح لجميع اللاعبين كالولايات المتحدة وروسيا وإيران بالتدخل العلني المباشر، ما عزل تركيا وكف يدها عن التأثير في الشأن السوري، لدرجة أن أي تحرك أو تدخل عسكري لتركيا قد يضعها في مواجهة مع روسيا وإيران والأكراد على أقل تقدير، لكنه قد يؤدي أيضاً إلى مواجهة مع الولايات المتحدة نفسها.

الدعم الأميركي العسكري والسياسي اللامحدود للأكراد يعبر عن دعمها للمشروع الانفصالي الكردي، وهو ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول طبيعة هذا التحالف الذي يمكن تفسيره بوجود صفقات بين الطرفين، قد لا تقتصر على إقامة قواعد عسكرية أميركية شمال سوريا، بل يتعداه إلى حقوق تنقيب عن النفط في أغنى مناطق سوريا غير المستكشفة حتى الآن، والتي تمتلك مخزونات هائلة من النفط والغاز.

لقد كان واضحاً ومنذ البداية أن الولايات المتحدة الأميركية ليست في وارد السماح بإسقاط نظام الأسد، لكنها اليوم وعلى ما يبدو قد انتقلت من مرحلة حمايته إلى مرحلة التحالف معه، فهي وعلى ما يبدو وافقت على المقترح الروسي القاضي بالتحالف وتنسيق العمل العسكري في سوريا.

تركيا اليوم مهددة في أمنها القومي ووحدة أراضيها، وهي تدفع ثمن ترددها الكبير في دعم الثورة السورية والفصائل المسلحة؛ حيث كان دورها سلبياً واقتصر في معظمه على الجانب الإنساني الذي لا يمكن لنا إنكاره، لكن هذه السلبية أسهمت وبشكل كبير في تمدد الأكراد الذين أصبحوا يسيطرون على مساحات واسعة من الشمال والشمال الشرقي لسوريا، ويزحفون باتجاه الرقة ومنبج، الأمر الذي ما كان ليحدث لو أن الموقف التركي كان أكثر حزماً منذ البداية.

إن تطور الأحداث قد وضع تركيا في موقف لا تحسد عليه، وهي اليوم أمام خيارات أحلاها مر، فهي إما أن تقبل بما أفرزه الصراع من نتائج وتحاول ترميم علاقاتها مع حلفائها قبل أعدائها، وإما أن تغامر وترمي بثقلها العسكري ضد الأكراد وتنظيم الدولة الإسلامية، وإما أن تقوم بتسليح فصائل المعارضة السورية وتقدم لها الإسناد العسكري في معاركها ضد الأكراد.

الولايات المتحدة لم تكن يوماً نصيراً لقضايا الشعوب العادلة، فتجربتنا معها أثبتت أنها ورغم الشعارات التي رددتها لسنين، تعود اليوم لتتحالف مع الأسد في سوريا، والحشد الشيعي في العراق، وتدعم الأكراد في مشروعهم الانفصالي، إنها باختصار شريك في كل ما ارتكبه الأسد من جرائم بحق سورية والسوريين، فها هي طائراتها تحلق فوق قصر الأسد، وترسل تحية لمجرم قتل وهجر شعباً ودمر وطناً، وهي كذلك تدعم إيران وحشدها الطائفي في حربهم على سنة العراق، وإن باسم الحرب على الإرهاب.

تركيا اليوم تتعرض لضغوط أميركية – روسية، وقد تجد نفسها مرغمة على القبول بواقع وجود الكانتون الكردي إلى الجنوب منها، فالولايات المتحدة خدعت الجميع بمن فيهم حلفاؤها الأتراك، وهي ماضية في سياستها هذه، لكنها اليوم ربما تكون قد أصبحت أكثر وضوحاً في تحركاتها، فالصراع في المنطقة وصل مرحلة متقدمة أجبرت اللاعبين على كشف أوراقهم، وهو ما يفسر الخلافات الأميركية – التركية التي ينذر تصاعدها بأكثر من مجرد طلاق بين تركيا من جهة والولايات المتحدة وحلف الناتو من جهة أخرى, وهو ما سيخلط كافة الأوراق ويأخذ المنطقة باتجاه أحداث مؤلمة جداً.

خليل المقداد – هافينغتون بوست[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫3 تعليقات

  1. 1- حافظ الجحش و من بعده ابنه بشار لم يصلا الى حكم سوريا الا بتوافق أمريكي / روسي / فرنسي من أجل تدمير سوريا قلب الأمة العربية و الاسلامية و حماية حدود اسرائيل الشمالية و كان تقديم الجولان على طبق من ذهب هو البند الأول في العقد بين جميع الاطراف
    2- أردوغان الاخونجي بيدق أمريكي لا يختلف عن بقية الحكام العرب و المسلمين بما فيهم بشار ( الا في الشكل و الوظيفة ) و عندما تنتهي مهمته ستستبدله أمريكا التي أوصلته الى السلطة لكي يقدم ( نموذج الاسلام الامريكي ) من جهة و للمساهمة في تدمير سوريا و العراق من جهة أخرى و ربما يتجه أردوغان بعد آداء مهمته الى مهنة التمثيل فقد ادى مهمته بكل براعة و خدع مئات الملايين من المسلمين السذج في تركيا و خارجها

  2. بالنهاية كل هذه المخططات والمؤمرات لتطبيق ماهو مفهوم ومغزى علم إسرائيل !! خطان أزرقان العلوي هو الفرات والسفلي هو نهر النيل والنجمة السداسية هي مملكتهم المزعومة ! او مايسمونه الشرق الأوسط الجديد أو خارطة الطريق أو مانسميه نحن : المحرقة الأخيرة لليهود وملكهم المنتظر الدجال في أرض الشام المباركة ان شاء الله .. فالعد التنازلي قد بدأ وعام 2022 ليس ببعيد انتظروا ياأجفاد القردة والخنازير انا معكم من المنتظرين .. الله أكبر والعزة لله.

  3. أرى أن تحليل الأخ خليل المقداد جيد و لكن ألفت النظر إلى أن قواعد اللعبة السياسية في منطقتنا لم تزل كما هي بدون تغيير . لم يكن بشار و لا أبوه من قبله سوى عميلان لأمريكا و بالتالي مارست أمريكا الخداع طيلة الوقت قولاً و عملاً حين تظاهرت بوقوفها صديقة لشعب هي من أمرت بقتله و بتدمير بلده و بتهجير سكانه ضمن خططها الرامية لصياغة منطقة تبقى الأقليات فيها متحكمة في كيان علماني بالأغلبية السنية بما يضمن بقاء سيطرة أمريكا الدائمة على المنطقة.
    ليس في السياسة ، على الطريقة الغربية، أي اعتبار للمبادئ الأخلاقية فمن أجل أهداف أمريكا فتح الباب على مصراعيه لبشار كي يستعمل كل سلاح و يستورد أية مليشيات بما فيها مرتزقة روسيا بينما أقفل الباب ، و تحت مراقبة السي آي إيه، لإعطاء الثوار سلاح مضاد الطيران أو أي سلاح نوعي. حركت أمريكا بعض دول الإقليم لاختراق بعض التنظيمات الثورية و نجحت و استطاعت أمريكا بناء مليشياتها العربية و الكردية: بعضها يتبع وزارة الدفاع و بعضها يتبع المخابرات.
    لا أظن أن أمريكا يمكن أن تضحي بعضوة في حلف الناتو (مثل تركيا) إلا إذا أصيب صناع سياستها بالجنون. لو حصل هذا الأمر فسيكون العنوان الأجدر للسياسة في منطقتنا (وداعاً أمريكا الظالمة – مرحباً بدولة المظلومين).