الاقتراح الأمريكي .. إنقلاب يعزز موقع الأسد أم تقطيع للوقت في انتظار رئيس أميركي جديد ؟
يعدّ الاقتراح الاميركي الذي كشف أمس لتنسيق الغارات الجوية مع روسيا على “جبهة النصرة” وتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) تحولاً محتملاً في سياسة واشنطن التي تقف في الجبهة المناهضة لموسكو في النزاع السوري. وهو يثير مخاوف من تعزيز موقع الرئيس السوري بشار الأسد وإضعاف جماعات المعارضة غير الجهادية التي تحارب النظام و”داعش”.
تعتمد الخطة التي اقترحتها واشنطن على ما إذا كانت روسيا مستعدة للضغط على حليفها الأسد لوقف قصف المعارضة المعتدلة، وهو ما يشكك فيه كثيرون.
وقالت صحيفة “الواشنطن بوست” التي كانت أول من نشر الخطة إن إدارة الرئيس الاميركي باراك أوباما قدمت اقتراحا خطياً إلى موسكو، بعد نقاشات داخلية استمرت أسابيع، وأن هذا الاقتراح يتضمن وعداً أميركياً بالإنضمام إلى سلاح الجو الروسي لتقاسم الأهداف وتنسيق حملة قصف موسعة لـ”جبهة النصرة” التي تقاتل نظام الأسد، في تعاون لا سابق له بين الجانبين في النزاع السوري.
وفي مقابل هذا التعاون الذي سعت اليه موسكو طويلاً، يزيد الروس الضغط على نظام الأسد لوقف قصفه لبعض الجماعات المعارضة التي تدعمها الادارة الاميركية.
ويرى خبراء أن هذا الاقتراح الذي أوضحت الصحيفة الاميركية أن الرئيس أوباما وافق عليه، وأن وزير الخارجية جون كيري أيده، يكرس عملياً انشاء نوع غير رسمي من “المناطق الآمنة”، مع تحديد الاميركيين المناطق التي سيمنع على النظام والروس استهدافها، من دون تحديد مواقع الجماعات المعارضة التي يدعمونها.
ومنذ بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا، يحاول الروس والاميركيون تنسيقاً غير مباشر بينهم لتجنب أي حوادث في سماء البلاد، الا أن الحكومة الاميركية سعت دوماً الى تجنب الحديث عن تحالف علني بين الجانبين. وسبق لموسكو أن قدمت اقتراحاً مماثلاً في أيار الماضي، داعية الولايات المتحدة الى مساعدتها على محاربة “النصرة” ، لكن تقارير تحدثت عن رد أميركي فاتر على الاقتراح.
من هذا المنطلق، قد يشكل الاقتراح الاميركي الاخير انقلاباً حيال النظام السوري الذي طالما سعى الى إعادة فرض نفسه شريكاً للمجتمع الدولي في محاربة الجهاديين.
لكن الاقتراح أثار على ما يبدو تشكيكاً بين كثيرين داخل الإدارة الأميركية وخارجها ممن ينتقدون سياسة البيت الأبيض في سوريا.
وأفادت “الواشنطن بوست” بأن مسؤولاً في الإدارة الأميركية شكا من أن الخطة لا تتضمن أية عواقب للنظام السوري والروس، إذا لم يلتزموا الاتفاق.
ولاحظ السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد أن “العيب الأكبر في الاقتراح هو أن الروس لا ينوون ممارسة ضغط كبير على الأسد، وعندما سبق لهم أن فعلوا ذلك، حصلوا على نتائج دنيا من السوريين”.
وأضاف أن لا معلومات استخبارية موثوقاً بها للتمييز بين أهداف “جبهة النصرة” وأهداف مجموعات أخرى تتحرك قريباً منها. وحتى إذا وافق السوريون على قصف بعض المناطق، لن تكون ثمة طريقة لمنع “النصرة” من التحرك لتحسين مواقعها. إلى ذلك، من المحتمل أن تسبب زيادة القصف لمواقع النصرة بأضرار جانبية، بما فيها قتل مدنيين، وهو ما يعزز الدعم للجماعات المحلية”. وخلص الى أن “لا معنى لهذا الاتفاق… إذا كانوا يحاولون تدمير القاعدة في سوريا، هل يعتقدون حقاً أن قصفه هو الطريقة المناسبة للقيام بذلك؟ أف- 16 لا تحل مشاكل التجنيد مع الجماعات الإرهابية”.
ورأى الزميل البارز في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر أن “العمليات المشتركة الاميركية – الروسية ستقوض مباشرة صدقية المعارضة المعتدلة”.
وقال إن “جبهة النصرة أمضت السنوات الخمس الاخيرة تتحرك بدقة وفقاً لدينامية الثوار السوريين لحماية نفسها من هذا النوع من التهديد… نسعى يومياً إلى كسب عقول وقلوب السوريين العاديين الذين عانوا القصف وقنابل الغاز خلال خمس سنوات، ونحن نخسر تلك المعركة أصلاً، لكن هذا الاتفاق سيدق مسماراً في نعشها”. واعتبر أن البديل الوحيد المتوافر هو دعم المعارضة العسكرية والسياسية المدنية الحقيقية لتشكيل سد اجتماعي تمثيلي وسوري أمام جبهة النصرة”.
وقال الباحث البارز في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أندرو تابلر إن “جبهة النصرة” تقاتل الأسد، لذا فإنه إذا نجح الاتفاق سيتحسن وضع النظام، فيما ستكون الجماعات السنية الأخرى التي تقاتله في وضع أضعف، كما يمكن أن تسهل هذه الاستراتيجية على الأسد السيطرة على حلب، وهو ما سيشكل نصراً كبيراً له في هذه الحرب. وأضاف: “إذا اتفق الروس والاميركيون على جبهة النصرة، يمكن أن يغير ذلك دينامية الحرب في حلب وإدلب… سيفيد ذلك حتماً نظام الأسد وربما الأكراد وداعش”.
وأقر الباحث فيصل عيتاني في “الأتلانتيك كاونسيل” بأن “النصرة” هي جزء من النسيج الاجتماعي السوري ولا يمكن إلحاق الهزيمة بها في استراتيجية عسكرية من دون إثارة استياء المجموعات المقاتلة التي كانت صديقة لها. وقال إن الاقتراح الأميركي يعتبر دليلاً إضافياً على أن الادارة الاميركية تخلت منذ وقت طويل عن محاولة خلع الأسد، وهي تعتقد أن لا حل فورياً للحرب السورية.
ومع اقتراب موعد انتهاء ولاية أوباما، أشار عيتاني الى أن الخطة تهدف الى “إدارة العنف حتى نهاية السنة… وبعد ذلك، تصير سوريا مشكلة الرئيس المقبل”.
موناليزا فريحة – النهار[ads3]