معارك آخر زمن ” داعش ” و أول زمن ” الكرد “

يطلق اسم (الشهباء) على المربع الجغرافي المحصور بين ضفة الفرات الغربية الى عفرين وبين الحدود التركية شمالاً الى منبج و الباب جنوباً.

تشهد هذه المنطقة حالياً حرباً طاحنة بين القوات الكردية و حلفائها من العرب والتركمان من طرف و تنظيم داعش الإرهابي من طرف اخر وبغطاء جوي من قوات التحالف الدولي لصالح الكرد. تبدو المعركة في منبج محسومة لصالح الكرد فيما يستمر قسم من المقاتلين الكرد و حلفائهم بالتقدم باتجاه ” الباب”. وينتشر قسم ثالث من هذه القوات بشكل محاذٍ للضغة الغربية من نهر الفرات بهدف عزل التنظيم عن النهر.

صراع الإرادات

منذ دخول طائرات التحالف الدولي على خطالمواجهة ضد داعش، اتبع المقاتلون الكرد تكتيكات جديدة تعتمد على اختراق الخطوط الخلفية لداعش بغطاء جوي من طائرات الاباتشي الاميركية ومن ثم الالتفاف و محاصرة مسلحي داعش مع ترك ممر آمن لهم للهرب، وهذا التكتيك حسم كثيراً من المعارك السابقة لصالح الكرد في تل حميس و تل براك و تل ابيض و منطقة جبل عبد العزيز والهول و الشدادي .

يبدو الوضع في ” الشهباء ” مختلفاً نوعاً ما . فالتنظيم الإرهابي يستميت في القتال، ما زاد من خسائر القوات الكردية في الارواح قياسا إلى ما سبق. لكن من جهة أخرى يبدي الكرد استعداداً لتحمل الخسائر مهما عظمت مقابل ربط الكانتونات الثلاثة ( جزيرة – كوباني – عفرين ) وتنظيفها من أية جيوب معادية.

ماذا يجري داخل منبج؟

بهدف تحييد طائرات التحالف، منع تنظيم داعش أهالي المدينة من النزوح عنها. وكان قد جهز الانفاق داخل المدينة لتسهيل حركة مسلحيه بعيداً عن مراقبة الطائرات والقناصين .

عند اقتراب المقاتلين الكرد من اطراف المدينة، اتبعوا تكتيكهمالسابق عينه وتركوا لعناصر التنظيم ممرا آمنا باتجاه جرابلس لكن ما حدث ان داعش استدعت التعزيزات من تلك الجهة وكانت رسالة فهم المقاتلون الكرد منها عزم داعش على عدم الانسحاب من المدينة . ووردت كذلك معلومات من داخل المدينة تفيد بأن داعش ( المهاجرون منهم على وجه الخصوص ) قد قاموا بعمليات تمشيط بين صفوفهم وقد رصدت من خلال أجهزة اللا سلكي محادثة أفادت أن مجموعة من الامنيين ” جهاز الاستخبارات لدى داعش ” قاموا بإعدام مجموعة من ” الأنصار ” التابعين لهم كانوا يخططون لتسليم انفسهم.
وعلى الفور، تم إغلاق الممر الآمن وإطباق الحصار على منبج ومباشرة التوغل داخل المدينة .

استقبال لا مثيل له

تختلف التركيبة الديموغرافية لمنطقة الشهباء عن مناطق الريف الجنوبي للحسكة، ومع ذلك ففي كل قرية يتقدم إليها المقاتلون الكرد يقابلون بترحيب وحفاوة لا مثيل لهما وقد يكون السبب هو أن ” الشهباء ” منطقة سكانية كثيفة واقعة على الحدود التركية وكانت على مر سنوات الحرب السورية احدى اهم الخزانات البشرية لرفد الحرب بالمسلحين ولذا طبقت عليها تشريعات واحكام و قوانين كل الاطراف المتصارعة في سوريا، بدءاً من الجيش الحر إلى الكتائب الاسلامية وجبهة النصرة وأخيراً تنظيم #داعش .

امام هذه التجربة التراجيدية ولحمايتهم من تقدم محتمل لقوات النظام السوري، لقيت قوات سوريا الديموقراطية هذا الترحاب المذكور والانخراط في المشروع السياسي على النموذج الكردي . كانت النسوة يستقبلن المقاتلين الكرد بنزع الثياب السود عن اجسادهن في مشهد يختزل رمي حقبة كاملة من تلك التشريعات المتشددة و البدء بمرحلة جديدة يأملن فيها بنهاية الحرب في مناطقهم .

حجر” قفل القوس” للفدرالية

يشكل الشريط الجغرافي الممتد من اقصى شمال شرق سوريا مروراً بتل ابيض و كوباني الى عفرين “قوسا معماريا” تشكل كل مدينة فيه حجراً يستند الى الحجر الذي يليه.
يبدو ان مشروع الكرد و حلفاءهم لن يكتمل من دون تحرير الشهباء ووضع حجر ” قفل القوس” في منتصف القوس كي يكتمل و تتراص احجاره، و تلك من دون شك عملية مكلفة ومجهدة.

يدرك الكرد و حلفاؤهم الجهد التضحيات المبذولة في هذه المعركة التي ما ان تنتهي حتى يصبح الطريق الى اعلان الاقليم الفدرالي في الشمال السوري سالكا، لا سيما بعد ادراك الامريكيين و البريطانيين ان القوة الوحيدة المؤهلة لمواجهة تنظيم داعش الارهابي هي قوات سوريا الديموقراطية وليس “جيش #سوريا الجديد”.

المدعوم اميركيا و بريطانيا والذي فشل في السيطرة على مدينة “بوكمال ” الحدودية الصغيرة.
ثمة اليوم نقاشات جدية بين الاميركييو و حلفائهم الكرد حول اشراف ” وحدات حماية الشعب ” الكردية عماد ” قوات سوريا الديموقراطية ” على تدريب قوات المعارضةالسورية المسلحة المعتدلة و بتمويل اميركي – بريطاني مشترك، وما انشاء مطارات في كل من كوباني و رميلان الا بداية التحالف الاستراتيجي الاميركي – الكردي طويل الامد .

“الشهباء” آخر زمان” داعش و” اول زمان” الكرد

ورد في “صحيح مسلم”، الذي يعتبره المسلمون السنة من أصح كتب الأحاديث التي وردت بسند صحيح وفق الاعتبارات الدينية عن النبي محمد(ص) ، قوله: ” لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق – أو بدابِقَ – فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا، قالت الروم : خلوا بينا وبين الذين سُبُوا مِنَّا نقاتلْهم، فيقول المسلمون : لا والله، كيف نُخَلِّي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثُلُث ولا يتوب الله عليهم أبدا، ويُقتَل ثلثُهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يُفتَنون أبدا، فيفتَتحِون قسطنطينية”.

ومن هنا استوحت داعش اسم وكالة انبائها “اعماق” وكذلك اسم مجلتها “دابق” الذي يشير الى بلدة في ريف حلب الشمالي لتجييش اكبر قدر ممكن من مناصريها لمعركتها الفاصلة.

ما تفعله داعش اليوم هو انها تحاول ايهام عناصرها و انصارها من المسلمين السنة بخاصة انها ” جيش من المدينة من خيار أهل الأرض”، وبذلك تحوّل الانظار عن الرقة والموصل و تنجح في نقل ارض المعركة الفاصلة و تحشد اكبر قدر ممكن ليس فقط من مقاتليها و لاستثارة مشاعر المسلمين السنة حول العالم لتظهر انها المعركة المقصودة التي وردت في الحديث الشريف للنبي محمد (ص).

ان الانتصارات المتتالية لقوات سوريا الديموقراطية والهزائم المتلاحقة لتنظيم داعش الارهابي تشير بشكل شبه مؤكد ان هذه المعركة بالفعل ستكون معركة ” آخر الزمان ” لكنها “آخر زمان داعش”.

زانا عمر – النهار[ads3]