هل يساوي بول بوغبا مبلغ 120 مليون يورو ؟

مع انتهاء اليورو التي فازت بها البرتغال ، اشتعلت سوق الانتقالات العالمية التي ترسم فعلياً معالم الموسم الجديد وتحدد الكثير من معالم إثارته . ويبدو أن الدوري الانجليزي الممتاز سيكون القبلة الأولى لعشاق كرة القدم حول العالم لأن النية واضحة باستقدام أفضل كوادر كرة القدم العالمية .

فبعد طاقم المدربين المرعب الذي سيقود أندية المقدمة في الموسم المقبل ، تظهر دلائل على رغبة في انفاق مبالغ قياسية لجلب أفضل اللاعبين في العالم حيث أن لا حديث اليوم سوى عن الصفقة المحتملة التي ستنقل نجم  بول بوجبا إلى مانشستر يونايتد بمبلغ سيقارب 100 مليون جنيه استرليني أي ما يعادل 120 مليون يورو ليكون بذلك أغلى لاعب في التاريخ متفوقاً على رونالدو وبيل وزيدان.هذا المبلغ القياسي يطرح تساؤلات  حول استحقاق بوجبا لمثل هذه المبالغ ، ويطرح تساؤلات أخرى عن الاسباب التي تدفع بعض الأندية لدفع مبالغ تساوي أحياناً  ميزانية بعض البلدان الصغيرة .

بداية …هل تكفي القمصان لاسترداد مبلغ بهذا الحجم ؟

عندما يدفع ناد كبير ثمناً باهظاً للاعب واحد ، يتساءل الكثيرون كيف سيعوض هذا النادي المبلغ الذي دفعه. ويأتي الجواب السريع بأن القمصان والإعلانات والرعايات ستغطي تكلفة لاعب بهذا الحجم وهذا صحيح لكنه مجرد جزء من الحقيقة لأن الصورة أوسع بكثير.

في السنوات الأخيرة ، الأندية التي تدفع هذه المبالغ الخرافية في اللاعبين هي الأندية  الأكثر شهرة والأعلى قيمة  في العالم ونعني هنا ريال مدريد وبرشلونة ومانشستر يونايتد، إذاً نحن هنا أمام صراع للعلامات التجارية التي تتنافس فيما بينها لتكون الأغلى والأقوى في العالم.

والعلامة التجارية تعني نفوذاً اقتصادياً ومالياً في منظومة استثمارية غاية في التعقيد، وبسببها تعقد الصفقات بملايين الدولارات في شتى المجالات ، باختصار شعار النادي هو الرمز لمكانته الاقتصادية والفنية على حد سواء.

وطبقاً لما اوردت شبكة سوبر الرياضية ، فعندما تشتري لاعباً بمبلغ كبير فإنك لا تعتمد فقط على عقود الإعلان والرعايات والقمصان لاسترداد قيمته. فعلياً تبدأ العملية منذ السعي للتعاقد معه وما يرفقها من حملة إعلامية كبيرة تجعلك فقط تفكر في اسم النادي وقدراته. باختصار حملة التعاقد مع لاعب بمبلغ خيالي هي حملة متكاملة اقتصادياً وتجارياً لتسويق قوة النادي المالية وسيطرة شعاره على الشعارات الأخرى. وفي حالة بوغبا ومانشستر يونايتد، فإن النادي الانجليزي يسعى لفرض علامته التجارية وجعلها الأقوى في العالم والتفوق تحديداً على ريال مدريد الذي ذاع صيته  في السنوات الأخيرة على أنه النادي القادر على جلب أي لاعب مهما كان حجمه وسعره حيث يمكن القول  أن اليونايتد نفسه قد سمح له بأخذ الاسبقية بعد أن  باعه ديفيد بيكهام أولاً وكريستيانو رونالدو ثانياً في اثنتين من أكبر الصفقات.

لذلك كان لابد من الدخول بقوة على اللاعب الصاعد الأهم في العالم وعدم السماح للريال بالحصول على توقيعه مهما كلف الأمر لأن المسألة ليست مسألة أموال وحسب بل نفوذاً اقتصادياً وفنياً وكروياً أيضاً . ويكفي أن نلاحظ كم كسب الريال من نفوذ في عالم كرة القدم والاقتصاد على حد سواء من خلال جلبه لأكبر النجوم في العالم طوال سنوات عديدة وإن لم تكن هذه السياسة ناجحة بالقدر نفسه على المستوى الرياضي .

بعد عملية شراء اللاعب بالمبلغ الفلاني، تبدأ عملية إعلانية وتسويقية جديدة أساسها تقييم اللاعب طوال فترة تواجده مع النادي حيث سيكون تحت مجهر وسائل الإعلام و شبكات التواصل الاجتماعي حيث سيتابعه الجميع بشغف كبير لمعرفة إن كان يستحق هذا المبلغ القياسي الذي دفع من أجله أم لا وسيتم تقييم أدائه مقارنة بالأموال المدفوعة فيه وسيتكرر هذا الأمر في كل مباراة يلعبها.

عملية التكرار يعرف العالمون بأساليب التسويق أي وزن لها على الصعيدين الاقتصادي والتجاري ويعرفون تماماً كم ستزيد من نفوذ مانشستر يونايتد وشهرته لدى الجمهور وكل العمليات الأخرى المرافقة من إعلانات ورعايات وبيع إكسسوارات إلخ ستتعزز وتتضاعف خصوصاً المتعلقة باللاعب صاحب الرقم القياسي في السعر .

ثانياً …هل يستحق بوجبا هذا المبلغ القياسي ؟

بداية لابد من الإشارة إلى أن بعض  المبالغ المدفوعة في اللاعبين تبدو جنونية إلى حد بعيد، وهذا منطق محق دعمه النجم الفرنسي والمدرب الحالي لريال مدريد  زين الدين زيدان نفسه في تعليقه على المبلغ الذي انتقل به من اليوفنتوس إلى الريال. لكن المسألة لا ينظر إليها من وجهة نظر الناس العاديين بل من وجهة نظر صناعة كرة القدم نفسها بكل مفاصلها الفنية والاقتصادية وحتى الترفيهيه.

حيث لا ينظر لعطاء اللاعب في أرضية الملعب وحسب بل أيضاً مما يمكن أن يقدمه خارج الملعب لهذه الصناعة وبناء على ذلك  يكون من الضروري اختيار اللاعب الذي يقدم مزيجاً مميزاً من الفنيات و “ العرض “ إن صح التعبير ليدفع فيه مبلغ قياسي كهذا وإلا فإن النتيجة ستكون كارثية ولن تحقق نتائجها المطلوبة بل على العكس ستكون وبالاً على النادي اقتصادياً وفنياً وحتى نفوذاً في عالم كرة القدم. ومن الأمثلة الناجحة التي يعرفها جميعاً رونالدو ونيمار.

لكن صفقة لويس سواريز هي الأغرب وإن كانت لا تخرج عن نفس السياق العام إنما بطريقة أخرى فقد جاء النجم الأوروجواياني إلى برشلونة وهو مدعوم بسجل فني رائع مع ليفربول لكن بسجل يبدو مخزياً على الصعيد الأخلاقي بعد أن عض لاعبين عندما كان في ليفربول وفي منتخب الأوروجواي كلفته شهوراً طويلة من الإيقاف. لكن هذه العضات “ المخزية “ منحت سواريز شهرة عالمية وجعله إضافة لعالم الترفيه وهو ما دفع برشلونة للتغاضي عنها  بالإضافة طبعاً لقيمته الفنية .

من الأمثلة الفاشلة أيضاً ما حدث مع اليونايتد نفسه عندما جلب دي ماريا أولاً ومارسيال ثانياً وإن كان اسم دي ماريا الكبير قد غطى بطريقة ما على فشله الفني ومنح اليونايتد بعض المكاسب، إلا أن مارسيال يعتبر فشلاً كبيراً رغم قيمة اللاعب الفنية الجيدة ، فمبلغ يقارب الثمانين مليون يورو لم يجلب أي قيمة لليونايتد ويمكن اعتباره ذهب هباءً لأن اللاعب لم يكن استثنائياً لا فنياً ولا حتى استعراضياً. هذه الصفقات وغيرها كلفت اليونايتد سمعة لا يريدها بأنه يبذر الأموال جيئة وذهاباً مما جعل أي ناد يطلب مبالغ طائلة في أي لاعب يرغبه اليونايتد حتى ولو كان لا يساوي ذلك.

لكن قدوم مورينيو وجلب إبراهيموفيتش يعطي مؤشراً  أن الشياطين الحمر عازمون على العودة للطريق الصحيح وتنظيم الأمور بشكل  يضمن الموازنة بين الاستعراض انطلاقاً من التدريب حتى مركز قلب الهجوم. ومن هنا يأتي الخيار على بوجبا الذي يعتبر أحد أفضل المواهب الصاعدة في العالم وصاحب لمسة سحرية وقدرة على اللعب في أكثر من مركز وهو وإن لم يظهر بالشكل الخارق في كأس الأمم الأوروبية وفي كثير من مباريات اليوفي حتى أن ارقامه تقارب أرقام الانجليزي جيمس ميلنر  إلا أن اللاعبين بمركزه معروفون بأنهم قد لا يلمعون  كثيراً كالمهاجمين أو الحراس الذي ينهون أو يتصدون للهجمات ، لكنهم فعلياً أساس الفريق وخطته لأنهم هم من يبنون الهجمة وينسقون حركة الفريق بتمريراتهم الدقيقة .

وبوجبا هو من اللاعبين “ الريجيسترا” القلائل الذين يمتلكون مهارات فنية عالية جداً ويمتلك قدرة كبيرة على التهديف بالرأس والقدمين. كما أنه فعلياً نجم اليوفي وفرنسا الأول ومن أكثر اللاعبين شهرة ومتابعة إعلامياً و مما يجعله أهم  النجوم الصاعدين كما أسلفنا. ومع عمره الصغير فإننا أمام لاعب قادر على أن يقدم الكثير للفريق ولسنوات طويلة وبالتالي فهو اللاعب الصحيح لدفع هذا المبلغ القياسي به لإعطاء الأثر الاقتصادي المطلوب  على الأقل في الوقت الحالي .

في النهاية كلمة حق يجب أن توجه لإدارة اليوفنتوس التي  أثبتت تفوقها في سوق الانتقالات سواء عبر بناء فريق بأقل التكاليف أو بيع نجومها بأثمان كبيرة وتعويضهم بلاعبين قادرين على ملء الفراغ كما حدث سابقاً مع زيدان ونيدفيد وحالياً مع فيدال وتيفيز وبيرلو . واليوم يأتي بيع بوجبا الوشيك لليونايتد أو الريال أو برشلونة  ليكون دلالة أخرى على نجاح ماروتا وإنيلي في بناء سمعة قوية في حسن إدارة  سوق الانتقالات، وهي الطريقة الأنجح لإعادة علامة اليوفي التجارية لتصبح من الأقوى في العالم بعد كارثة الكالشيو بولي في ظل قلة الموارد المالية لأندية إيطاليا .[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها