هل قتل الخميني موسى الصدر ؟

من الصعب جًدا فصل اسم الإمام موسى الصدر عن حدث سقوط نظام الشاه في إيران. للصدر، قبل بداية الأزمة وفي ساعاتها الأخيرة، دور أُجهض، وانتهى بعملية اختطافه أو تغييبه، والأرجح اغتياله في 31 أغسطس (آب) 1978 في ليبيا.

من المفارقات الباهرة التي يكشفها كتاب «سقوط الجنة» الصادر حديًثا لمؤلفه آندرو سكوت كووبر، أن الصدر كان على موعد مهم في ألمانيا الغربية، مع ممثل الشاه للبحث في كيفية الخروج من الأزمة المندلعة في إيران، يومي الخامس والسابع من سبتمبر (أيلول) 1978، أي بعد أيام قليلة من اختفائه، وذلك بمبادرة من الصدر نفسه.

يكشف الكاتب خلال روايته لسقوط الشاه، رواية أخرى موزعة بين ثنايا الكتاب وفصوله، عن الصدر، الشخصية الشيعية الأكثر تأثيًرا فيما آلت إليه شؤون الشيعة في لبنان، والشخصية التي كان يمكن لها أن تذهب بالشيعة العرب والإيرانيين إلى مصائر مختلفة!

قبل بدايات الأزمة، في عام 1973، بعث الصدر عبر صديق طفولة له يعمل معاوًنا كبيًرا للشاه، برسالة هي عبارة عن كتيب يحوي محاضرات الإمام الخميني الداعية لإسقاط النظام وإحلال حكومة إسلامية مكانه. صديق الصدر، علي كني، وهو عمل وزيًرا في حكومة أسد الله علام، الذي ينقل عنه كووبر الرواية، أفاد بأن الصدر وصف المحاضرات بأنها «عصارة عقل مريض»، محذًرا الشاه وناصًحا إياه بتوزيع المحاضرات لإحراق الخميني وإطفاء نجمه الصاعد بين الشبيبة الإيرانية، غير أن حكومة الشاه قررت عدم المضي بنصيحة الصدر!

لم تكن علاقة الصدر بالشاه ثابتة. منذ عام 1974 أشهر الصدر معارضته للشاه، تماشًيا مع موجة صاعدة في إيران، وانهيار الوضع في لبنان وحاجته لإنشاء ميليشيا تنسجم مع المشهد الجديد في لبنان وتواجه الاحتلال الفلسطيني لجنوب لبنان، أي البيئة الحاضنة لمشروع الإمام. لكنه في الوقت نفسه أبقى عيًنا ساهرة على الصراع الدائر داخل الجسم الديني، بين مدرسة الخميني المتطرفة وتيارات أخرى ليبرالية تنهل من معين التجربة الدستورية في الفقه الشيعي، التي كان آل الصدر من روادها.

كان الصدر براغماتًيا إلى حد التناقض أحياًنا. وبراغماتيته جعلته يلمس أنه في لحظة من لحظات الأزمة الإيرانية صار الأمل الأخير لطرفين: الشاه والمجموعة العلمائية، التي تصدرها الإمامان محمد كاظم شريعتمداري وأبو القاسم الخوئي (أستاذ الصدر)، التي كانت ساعية لمواجهة نظرية الخميني حول الحكومة الإسلامية، ولاحًقا ولاية الفقيه، بخيار توسيع الشراكة بين الدين ممثلاً بقم، والحداثة ممثلة بتجربة الدولة الإيرانية الدستورية المدنية. ولاية الفقيه مقابل الحوزة الصامتة!

كما في عام 1973، يكشف كتاب كووبر أن الصدر بعث برسالة إلى الشاه عام 1978، قبل أكثر من شهرين بقليل على حادثة اختفائه، يعرض فيها المساعدة لمواجهة الخميني، في مقابل إدخال رموز حركته «حركة تحرير إيران» إلى الحكومة، لا سيما مهدي بازركان.

لم يكن الصراع صامًتا بين الخميني وخصومه، وهو كان في العمق صراًعا على الثورة بقدر ما كان صراًعا مع الشاه. وكان الصدر في قلب الصراع على مستقبل إيران وتحديد اتجاهات هذا المستقبل وشكل الدولة الوليدة من رحم الأزمة الإيرانية، بل مصير السلالة التي حكمت إيران أكثر من 2500 سنة.

يكشف الكتاب تفاصيل عن علاقة الخميني بمعمر القذافي سبقت الثورة بسنتين، وانطوت على تمويل الخميني لاكتساب أكبر عدد من المؤيدين له داخل قم بالاعتماد علي المنح التعليمية لطلاب الحوزات. وهو ما يفسر تحسن العلاقات الإيرانية – الليبية السريع بعد الثورة وتحول ليبيا إلى أكبر حليف (إلى جانب حافظ الأسد) وممول للمجهود الحربي الإيراني في المواجهة مع العراق!

صحيح أن القذافي مّول الصدر أيًضا، لكنه كان يمقت علاقته المتردية بياسر عرفات وحرصه على عدم فتح جبهة مع إسرائيل رغم وعود قدمها بهذا الاتجاه لقاء أموال حصل عليها. الحقيقة أن الميليشيا التي أنشأها الصدر كانت في اشتباك مسلح مع منظمة التحرير وليس إسرائيل، وهو سلوك يتناقض مع العقيدة الثورية لليبيا القذافي. كان الصدر حريًصا على عدم جر الجنوب اللبناني إلى مذبحة وحرب تدميرية مع إسرائيل، لكنه فشل في تجنيب الشيعة المصير الذي لاقوه خلال اجتياح إسرائيل للبنان لاحًقا في مارس (آذار) 1978!

سمعة الصدر وسلوكه الراغب في تجنب الحرب، دفعا، بحسب الكتاب، سفير إسرائيل لدى إيران أوري لوبراني إلى الطلب من الشاه عام 1977، دعم الإمام الصدر ليمسك بالجنوب، على حساب منظمة التحرير الفلسطينية!! وكان الصدر قبلها من داعمي خيار دخول سوريا إلى لبنان لضبط الفدائيين!

المفاجأة الكبيرة في كتاب كووبر هي إضاءته على رد فعل الشاه بعد اطلاعه على خبر اختفاء الصدر في ليبيا. تعود الحكاية إلى علي كني، صديق طفولة الإمام الصدر! كان الشاه يائًسا، وقرر إيفاد كني إلى كل من الأمير فهد بن عبد العزيز، والملك حسين، والرئيس أنور السادات، لحثهم على إنقاذ «أمله الأخير»، لكن الصدر كان قد انتهى!!

أما لماذا زار الصدر ليبيا خلاًفا لكل النصائح؟ يتضح أن الإمام وقع في فخ اقتراح مصالحة بينه وبين الخميني، إذ كان يفترض أن يلتقي في ليبيا آية الله محمد بهشتي اليد اليمنى للخميني لتوحيد جهود معارضي الشاه! ولم يحدث أن حضر بهشتي مطلًقا!

هل تآمر الخميني وياسر عرفات والقذافي على الصدر؟ سؤال يتجدد مع كل كتاب يصدر وفيه بعض من سيرة الإمام.

نديم قطيش – الشرق الأوسط[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫4 تعليقات

  1. المقال صحيح 100‎%‎ . بل كان من الضروري التخلص من الصدر ” المعتدل ” الذي كان مفتي شيعة
    العالم في ذلك الوقت ، حتى تخلو الساحة للخميني ” المتطرف ” ليكون قائدآ لشيعة العالم .

  2. السيد نديم كل ما اوردته مقبول الا زج ياسر عرفات بالقضية لان ذلك يتتاقض مع الحقيقة فالقذافي كان من الد اعداء عرفات وكذا حليفه حافظ الاسد وما اقوله ليس للدفاع عن عرفات الذي ارتكب اخطاء تصل الى حد الدهشة
    انما للتذكير بان حلف الممانعة الذي يدعي مقاومة اسرائيل كان كاذبا منذ زمن طويل ويتزعم ذلك الطغاة امثال القذافي والاسد والخميني وكل من دار ويدور في فلكهم

  3. 100% واثق أن ايران هي من اغتال الصدر وهي من قصف حلبجة بالكيماوي

  4. كلام منطقي جدا

    لكن ما ننسى أهمية ( إلغاء أو تغييب موسى الصدر ) بالنسبة لحافظ الأسد …

    موسى الصدر كان من الشخصيات المقبولة لدى اللبنانين بمختلف طوائفهم ، متل كمال جنبلاط تماما ، بقاء دور موسى الصدر حيشكل خطر على اللعبة يلي عم يلعبها حافظ الأسد بلبنان …

    إنهاء دور الصدر بلبنان كان بنفس أهمية إنهاء دور كمال جنبلاط ، إذا ما كان أهم ، بالنسبة لنظام حافظ الأسد ….

    وصول شخص مرضي عنه متل نبيه بري لزعامة حركة أمل كان مطلب سوري ضروري للمرحلة يلي رح تدخلها لبنان بوقتها …

    علاقة حافظ الأسد بالقذافي معروفة ، و توزيع الخدمات المتبادلة بينهم ، على طريقة المافيات كمان معروف من زمان …

    أنا بعتقد أنه حافظ الأسد إله دور كبير و مهم بقضية إختفاء الصدر ، متل ما أنه متورط بإغتيال شخصيات توافقية لبنانية كتير غيره ( كمال جنبلاط ، المفتي خالد حسن ، رشيد كرامي ، الحريري ، و غيرهم كتير ) …

    و نفس الكلام السابق عن حافظ الأسد بينطبق على الخميني بشكل أو أخر ، مع ملاحظة أن الخميني بهديك الفترة كان أقل قدرة على لعب هالأدوار مقارنة بحافظ ، نظرا لأنه ما كان يمثل إيران بشكل سياسي على مستوى الدول …

    أما دور ياسر عرفات بالقضية ،، فأنا غير مقتنع فيه لسبب ، خلال هديك الفترة كان ألد أعداء المنظمة في الداخل اللبناني هنن الكتائب و القوات اللبنانية ، و العامل الموازن لهالعداء هو حركة المحرومين و أفواج المقاومة اللبنانية ( أمل ) .

    و زعزعة أمل عن طريق تغييب قائدها الصدر كان سيقود إلى ضرر كبير على منظمة التحرير و ياسر عرفات ، و هاد يلي صار فعلا … و ياسر عرفات أذكى بكتير من أنه يعمل هيك بحاله …