ألمانيا : زواج القاصرين .. معضلة قانونية تواجه البلاد !

فتاة سورية تبلغ من العمر 14 عاماً تزوجت في سوريا من ابن عمها البالغ من العمر 21 عاماً. ومع اندلاع الحرب الأهلية التي مزقت بلدهما، هرب الاثنان معاً وقصدا ألمانيا ليصلا أخيراً إلى مدينة أشافنبورغ. في ألمانيا، رفض مكتب رعاية الشباب الاعتراف بهذا الزواج وأقرَّ كفالته على هذه الفتاة ورعايتها، ما دفع الزوج إلى رفع دعوى ضد مكتب رعاية الشباب. لكن المحكمة لم تحكم لصالحه وخسر القضية.

إلا أن محكمة الولاية العليا في مدينة بامبيرغ ألغت هذا الحكم، إذ اعتمد قضاة المحكمة في قرارهم على قانون في ألمانيا ينص على أن كل زواج عُقد خارج ألمانيا يجب معاملته وفقاً لقانون البلد الأصلي، وبالتالي فإن هذا الزواج قانوني ولا طعن فيه. أما بلدية مدينة أشافنبورغ، فقد تقدمت أمام المحكمة الدستورية الاتحادية – أعلى هيئة قضائية في ألمانيا – باستئناف للطعن في قرار المحكمة العليا.

موضوع زواج القاصرين الذي لم يكن حاضراً بشكل كبير في المجتمع الألماني فرض نفسه بقوة الآن، بالرغم من أن الزواج من القاصرات اللواتي لا تتجاوز أعمارهن 16 عاماً مشروع في ألمانيا، إلا أن كل حالة تخضع لتعامل مختلف. لكن العديد من ممثلي المنظمات الحقوقية والمحامين والساسة يرون بضرورة حظر زواج القاصرين تماماً. ويعتبر مشروع قرار للحزب المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي أن “فتاة تبلغ من العمر 11 أو 13 أو 15 عاماً مكانها ليس حياة الزوجية وإنما المدرسة”. وتجنباً لتفشي زواج القاصرين بين اللاجئين، كوّن وزير العدل الألماني هايكو ماس فريق عمل مشترك من ممثلي الولايات الألمانية وممثلين عن الحكومة للبحث في قانون موحد لجميع الولايات.

ما هي النقاط التي سيتطرق لها بالضبط فريق العمل؟

السؤال الرئيسي الذي يشغل بال أعضاء الفريق هو: هل ينبغي الاعتراف بالزواج الذي عُقد خارج ألمانيا؟ فأثناء عملية تسجيل اللاجئين، لاحظ الموظفون أن هناك العديد من حالات زواج القاصرين، ووفقاً لإحصائيات الولايات، هناك حوالي ألف حالة بين اللاجئين، نصفها في ولاية بافاريا. وفي معظم الحالات لا يتجاوز عمر الفتيات 16 أو 17 عاماً. أما تفاصيل محددة عن عمر الأزواج ومتى عُقد القران من الصعب التكهن به. وبما أن الإدلاء بأي معلومات عن الحالة الاجتماعية للاجئين لم يكن إلزامياً أثناء عملية تسجيلهم، من الصعب إعطاء أي إحصائية دقيقة حول عدد الحالات، ولكن التكهنات تقول بأن العدد مرتفع جداً.

ما هو الوضع القانوني في ألمانيا؟

ينص القانون الألماني على أن سن الزواج يبدأ من سن 18 عاماً، وحسب القانون المدني لا يُسمح بعقد القران قبل هذا السن. لكن المحكمة المختصة بشؤون الأسرة يمكن أن تسمح بالزواج قبل سن 18 ولكن في حالات استثنائية وشرط أن يكون أحد الطرفين يتجاوز سن 18 عاماً والطرف الآخر لا يقل عن سن 16 عاماً.

إلا أن وزيرة الأسرة الألمانية مانويلا شفيزيغ غير متفقة مع هذه الحالة الاستثنائية، إذ ترى أن الأطفال حسب اتفاقية حقوق الطفل “لهم الحق في اللعب والتعليم والصحة. باختصار لهم الحق بالترعرع في ظروف ملائمة”. وتضيف أن الزواج بالإكراه “لا يُسمح لنا الموافقة عليه”. أما القانون المعمول به حالياً فينص على أن كل زواج عُقد بين الأجانب خارج ألمانيا يجب الاعتراف به هنا في ألمانيا.

ما هي التغييرات التي يجب مناقشتها؟

بينما يدعو وزير العدل في ولاية بافاريا فينفريد باوسباك في المستقبل “بعدم الاعتراف” بزواج القاصرات أقل 16 عاماً، يرى وزير العدل في ولاية شمال الراين فيستفاليا توماس كوتشاتي أنه يجب فقط الاعتراف بالزواج الذي يتجاوز فيه كلا الطرفين 18 عاماً.

هذا الرأي يشاطره خصوصاً الخبراء في مجال حماية الطفل. فكل من جمعية “مساعدة الطفل في ألمانيا” والمنظمة الفرنسية لحقوق المرأة “Terre de Femmes” يطالب بضرورة إلغاء استثناءات زواج الأطفال في ألمانيا. وتقول ميريا بوموكه العضوة في منظمة “Terre de Femmes”: “نطالب بشطب هذا الاستثناء ونطالب بتطبيق سن 18 عاماً كحد أدنى لسن الزواج دون أي استثناء”. وأضافت: “نحن لا نطالب بالطلاق القسري ولكن نطالب بعدم الاعتراف بهذا الزواج لحماية هؤلاء الفتيات”.

من جانبه، يشير راينر بيكر، الرئيس التنفيذي لجمعية “مساعدة الطفل في ألمانيا”، إلى أنه على الرغم من ذلك، يجب مستقبلاً النظر في زواج الأطفال الذي عُقد خارج البلاد كل حالة على حدة، موضحاً في حوار مع DW: “أعتقد أن فريق العمل الذي شكله وزير العدل أمر مهم جداً. يجب علينا أن نتعامل مع هذه القضية والاعتراف بها. ولكن أن نقول ببساطة، نحن لا نعترف بزواج القاصرات عموماً، تصرف لن يفيد هذا الموضوع على الإطلاق. فليس كل زواج قاصرة زواج أُرغمت عليه”.

ما هي أسباب زواج القاصرين خارج ألمانيا؟

في كثير من البلدان التي يأتي منها اللاجئون لا يسمح بزواج الأطفال، ورغم ذلك تتم الموافقة عليه لما للزواج من دلالة اجتماعية. ولكن ليس كل زواج أطفال زواج إجباري. ففي سوريا أو أفغانستان، فإن الحد الأدنى لسن الزواج 16 عاماً. أما بالنسبة للشباب فالحد الأدنى مرتفع شيئاً ما ولكن الاستثناءات ممكنة.

ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإن البنات هن الأكثر تعرضاً للزواج المبكر أو من يرغبن في الزواج في سن مبكرة مقارنة بالأولاد. أما الأسباب فيُرجحها الكثيرون في أغلب الأحيان إلى أسباب اقتصادية. كما أن المجتمعات التي تتفاقم فيها هذه الظاهرة ترى أن الفتيات عبء ولسن مصدر رزق في المستقبل، بالإضافة إلى أن المهر بالنسبة للعديد من الأسر مصدر مهم، حسب ما ذكرت اليونيسف.

هذا وتشهد مخيمات اللاجئين في كل من لبنان والأردن وتركيا عقد العديد من زواج القاصرين، كما تقول ميريا بوموكه من منظمة “Terre de Femmes”. فنظراً للظروف الاقتصادية الصعبة، يحاول الآباء تزويج بناتهم كي يؤمنوا لهن مستقبلهن. وتضيف بوموكه: “العائلات تخشى أيضاً من الاعتداءات الجنسية على بناتهن. لذلك تلجأ في الغالب إلى الزواج المبكر”. (دويتشه فيله)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد

  1. للتوضيح فقط. القانون الالماني يسمح بزواج القاصرات مافوق ال16 سنة في حال موافقة الاب والام …. ولكن يسمح باقامة علاقة صداقة بين القاصرين والقاصرات حتى وان كانو 14 سنة شرط ان لا يكون احدهما فوق ال18 …. اما اذا حدث حمل فلا يوجد اي مشكلة قانونية …. يسجل الطفل وتقدم لكلا الابوين الرعاية الاجتماعية والمادية….