هل وضعوا خريطة سوريا الجديدة قبل الثورة ؟

ما نراه الآن في سوريا من إعادة توزيع وتطهير ديمغرافي لم يعد بحاجة إلى أي براهين بعد أن راح الجميع، وعلى رأسهم النظام وحلفاؤه يقطّعون سوريا ويعيدون تركيب خارطتها البشرية بسكين حاد جداً، وعلى مرأى ومسمع الجميع، لا بل إن الأمم المتحدة تبصم بحافرها على الخرائط الجديدة كما شاهدنا في داريا، حيث أشرفت شخصياً بباصاتها الخضراء على تهجير سكان داريا الأصليين إلى شمال سوريا رغم أنهم عاشوا في داريا لمئات السنين.

هل كانت الثورة السورية ثورة شعب فعلاً، أم «ثورة» كانت تقف وراءها جهات خارجية عدة، وكانت تريد من خلالها إعادة تشكيل سوريا بشرياً. وربما لم ينتبه النظام السوري للأمر في البداية، لكنه عندما أدرك الملعوب الخارجي، قال لنفسه: بما أن الجميع يريد العبث بالتركيبة السورية، فلماذا لا أدخل أنا اللعبة وأخذ حصتي من الكعكة. وقد لاحظنا أنه ما أن أدرك النظام وحلفاؤه الإيرانيون أن اللعبة انطلقت حتى راحوا يمارسون لعبة الهندسة البشرية في سوريا على أكمل وجه. لاحظوا كيف تم حرق السجلات المدنية وتهجير سكان حمص من المسلمين السنة وعددهم أكثر من مليون، ولم يُسمح لهم بالعودة إليها. لاحظوا كيف اندفع حزب الله وداعموه الإيرانيون إلى السيطرة على مدينة القصير في محافظة حمص، وطردوا أهلها قبل سنوات كي يؤمنوا مناطق حزب الله في لبنان ويدمجوها بالمناطق السورية.

لقد ظن البعض قبل ثلاث سنوات أو أكثر أنها مجرد خطوة لاستعادة بعض المناطق من المعارضة في معارك الكر والفر، لكن الأيام أثبتت أنها خطة محكمة تقع ضمن مخطط إعادة تشكيل الخارطة السورية ديمغرافياً. وحينما نرى حزب الله الآن يطهّر منطقة الزبداني ومضايا الحدودية من سكانها، ويدمر عشرات الألوف من الأشجار ليحفر الأنفاق، ويحول المنطقة إلى منطقة عسكرية نتذكر كيف قام بتطهير القصير قبل سنوات. الرابط واضح بين ما فعله بالقصير وما يفعله الآن بالزبداني. ولا ننسى منطقة تدمر المهمة التي لم تأخذ نصيبها من الدعاية الإعلامية المطلوبة، فقد تم تهجير سكانها لأنها تقع على الطريق الذي يصل إيران عبر العراق إلى حمص إلى لبنان حيث معاقل حزب الله.

لكن لعبة التغيير الديمغرافي في سوريا لا تقتصر فقط على النظام وحلفائه، بل إن أطرافاً كثيرة دخلت عليها منذ زمن، وكانت تخطط لها منذ بداية الثورة، فالأكراد بدعم أمريكي وغربي بدأوا يطهّرون المناطق العربية التي يريدون السيطرة عليها في الشمال منذ سنوات، وربما بتنسيق مع النظام. وعندما نرى القواعد الجوية الأمريكية الجديدة في منطقة رميلان تصبح لعبة التمزيق الديمغرافي أكثر وضوحاً.

هل يا ترى ستكون عملية «درع الفرات» التركية مجرد عملية عسكرية خاطفة لتطهير الحدود التركية السورية من خطر داعش والأكراد، أم إن لها ما بعدها؟ ألم يتعهد نائب رئيس الوزراء التركي بإعادة إعمار المناطق السورية المحررة في الشمال؟ ماذا يعني ذلك؟

ولا ننسى الدور الإسرائيلي في الجنوب، حيث لن تسمح تل أبيب لإيران بالاقتراب من جنوب سوريا، ولهذا فمن المتوقع أن تقتطع حصتها من الجغرافيا السورية.

ما نراه الآن من مخططات بدأت تتضح. ألا يجعلنا ذلك نعيد التفكير بكل شيء؟ عمليات التهجير القسري والتغيير الديمغرافي والاجتياح الإيراني لسوريا وتقاسم مناطق النفوذ بين الأمريكيين والروس، ودخول قوى كثيرة إلى الأرض السورية بالتنسيق مع النظام وغيره ألا تدفعنا إلى التفكير بأنها كانت حركة ملعوبة منذ بدايات الثورة لعبتها قوى خارجية ثم لحق بها النظام وحلفاؤه، فراح ينفذ ما هو مطلوب منه دولياً في سوريا على صعيد التدمير والتهجير وإعادة رسم الخرائط؟ هل كان تدمير حمص وتهجير شعبها المرحلة الثانية من مشروع «حلم حمص» الذي كان قد بدأه المحافظ السابق إياد غزال؟ اليوم يتحدث النظام عن بناء مجمعات كبرى في حي الوعر الذي يعمل الآن على تهجير سكانه الباقين. هل وضع النظام وشركات دولية مخططات تنظيمية للكثير من المناطق التي دمروها وشردوا سكانها، حتى قبل أن تنتهي عملية التهجير القسري. بعبارة أخرى، هل كانوا يخططون لهذه المشاريع منذ زمن طويل، وربما قبل الثورة؟ لاحظوا أن الطيران السوري مثلاً كان يقصف مناطق معينة في مدينة قدسيا بدمشق، ويدمرها تماماً، ويتجنب مناطق أخرى، وكأنه يقول لنا: إن المناطق التي ندمرها مطلوب إعادة بنائها بشكل مختلف حسب المخطط التنظيمي الجديد لسوريا الذي وضعناه ربما قبل الثورة. لاحظوا كيف بدأت إيران تعيد إعمار داريا بعد تهجير سكانها. ولا ننسى مشاريعها في منطقة المزة بدمشق.

إن تعقيدات الوضع السوري وتشابكه تدعونا أن نخرج من قوالب التفكير التقليدية، ولا مانع إن بدأنا نفكر بأن ما يحصل في سوريا الآن أشبه بمخطط تنظيمي جديد للبلاد وقوده تهجير ملايين البشر وتدمير ملايين البيوت وإزالة مدن عن الخارطة بمباركة كل الأطراف باستثناء الشعب السوري.

فيصل القاسم – القدس العربي[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫7 تعليقات

  1. المؤامرة مو ضد النظام السوري ، المؤامرة هي ضد المسلمين السنة في سوريا و قناة الجزيرة و الاخوان المسلمين و النظام السوري بيادق و اضلاع في المؤامرة ضد المسلمين السنة في سوريا

  2. ما يسمى الربيع العربي كله كان مؤامرة أمريكية كان لكل منها هدف في البلد الذي اندلعت فيه الثورات المزيفة :
    1- مصر : تغيير نظام حسني مبارك الذي شاخ الى نظام آخر أكثر دموية و اجراما و عمالة
    2- ليبيا : الاستيلاء على النفط
    3- اليمن : تمكين الحوثيين عملاء ايران و امريكا من اليمن
    4- سوريا : تدمير سوريا لمصلحة اسرائيل

  3. كلام صحيح و الاوربيين شاركوا عن طريق إيهام السوريين ان اللجوء أليهم كاللجوء إلى الجنة ( الخوازيق هلئ بلشت باللاجئين) و صرحوا انهم على استعداد لاستقبال ملايين السوريين وذلك لتفريع سوريا من السنة .. لماذا لم يعلنوا استعدادهم استقبال بشار و زمرته؟ لانهم متآمرين بدورهم و شركاتهم و مصانعهم ستعمل و تعمل طالما نحنا و بلداننا مدمرين..و اموال الخليج ستبقى في بنوكهم لتنمية بلادانهم لا في مشاريع تنموية في البلاد العربية

  4. فعلا قد اثبتت الأيام أن الشعب السوري الدرويش لم يكن على قدر كافي من الوعي و الحكمة ليستدرك مبكرا خطورة المآمرة. و العتب على من نفخو في نار الثورة و المظاهرات في البدايات أمثال فيصل القاسم الحرباء المتلونة و الشيخ عدنان العرعور. الذين دفعو بدراويش و معتري الشعب السوري الطيب الى المجهول و الى الجحيم. و الآن يتبجح فيصل القاسم متأخرا بتحليلاته الفلكية. يا عيب الشوم بس.

  5. ارجو القراءة من الجميع

    خلال وجودي بسوريا سنى 2009 و 2010 لاحظنا كثر الوجوه الغريبة في الشوارع و التي اجزم انها ليست سورية
    و طلعو نصون شيعة و ايرانيين و شباب يعني مو كبار و شكلهم بيوجي انهم عسكر او جيش
    المهم يلي صار صدقوني انو مرتب و لي يعلقو الشعب ببعضو و يقولو ثورة السبب .. السني السبب العلوي السبب
    هلق هي ضدنا كسنة بالنهاية بس علقونا مع الباقي لتتعقد القصة . لانو ما بيقدرو يغيرو خريطة سوريا من دون فوضى