اللوبي الأمريكي ” الواقعي ” و سوريا
قبل عشر سنوات احتفلت أوساط عربية، ولا يزال بعضها يحتفل حتى يومنا، بمقال تبعه كتاب عن اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية صدرا عن أستاذين جامعيين يُعدّان من الأسماء البارزة في أوساط السياسة الخارجية الأمريكية، هما جون ميرشايمر وستيفن والت. وبالرغم من أن الكاتبين ما انفكا يُقسمان أنهما شديدا الحرص على مصلحة الدولة الصهيونية وأمنها، أسقط عليهما عربٌ كثيرون رغباتهم بدون قراءتهما على الأرجح، أو بدون فهم ما قرَؤوه. فظنّوا أن الأستاذين من «أصدقاء العرب» في حين أن منطلقهما الذي جهرا به ولا يزالان هو «المصلحة القومية» للولايات المتحدة الأمريكية، تلك التي تُسمّى بكلام آخر مصلحة الإمبريالية الأمريكية.
أما الغاية الأصلية من مقال وكتاب الأستاذين عن اللوبي الإسرائيلي فكانت التغطية على تلك المصلحة الإمبريالية التي قادت إدارة بوش إلى احتلال العراق. فبعد أن تجلّى في سنة 2006، عند صدور مقالهما المدوّي، أن ذلك الاحتلال قد تحوّل إلى كارثة بالنسبة للسياسة الأمريكية، عزاه الأستاذان إلى تأثير اللوبي الإسرائيلي، وذلك بالرغم من أن اللوبي المذكور اعتبر أن إيران أخطر بكثير على إسرائيل من العراق الذي كان مدمّراً ومشلولاً عندما جرى احتلاله. والكل يعلم كيف أن لوبي الصقور الإمبرياليين الأمريكيين، ممثلاً بجماعة «المشروع من أجل قرن أمريكي جديد» التي انتمت إليها معظم الوجوه البارزة في إدارة جورج دبليو بوش، ذلك اللوبي كان قد دعا منذ عام 1998 إلى احتلال العراق و«تغيير النظام» فيه لقناعته بأن استكمال سيطرة أمريكا على نفط منطقة الخليج هو ركيزة رئيسية من ركائز ضمان استمرار هيمنة أمريكا على العالم في القرن الواحد والعشرين.
وما كان بوسع ميرشايمر ووالت أن يختلفا مع هذا المنطق الأخير على الإطلاق حيث أن المدرسة «الواقعية» في السياسة الخارجية الأمريكية التي ينتميان إليها (هنري كيسنجر هو أشهر أعلامها الأحياء) لا تقلّ حماساً في الدفاع عن المصلحة الإمبريالية الأمريكية من منافسيها الذين يتهمهم «الواقعيون» بتغليب الاعتبارات الإيديولوجية (وبالطبع ينفي المعنيون التهمة باشمئزاز، خاصة إذا كانوا من الصقور). والحال أن ميرشايمر ووالت يحذّران اليوم من أي تدخّل للولايات المتحدة في سوريا وفقاً للمنطق الإمبريالي الصريح ذاته. فقد نشر ميرشايمر في بداية عام 2014 مقالاً برنامجياً في مجلة «ذي ناشيونال إنترست» (المصلحة القومية)، وهي مجلة «الواقعيين»، يؤكد فيه بما يخص الشرق الأوسط على ما يلي:
«لنكن واضحين، فإن الدول المنتجة للنفط في الخليج الفارسي هي وحدها التي تحتل مكانة استراتيجية هامة بالنسبة للولايات المتحدة، وليس كل بلد في الشرق الأوسط الكبير. وينبغي على واشنطن بصورة خاصة الاهتمام بمصير إيران والعراق والكويت وقطر والعربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لأن واشنطن تريد أن تتأكد من أن نفط هذه الدول يتدفّق بصورة غير منقطعة إلى الأسواق العالمية. أما دول الشرق الأوسط التي لا تحوز على الكثير من النفط، فإن أهميتها الاستراتيجية محدودة بالنسبة للولايات المتحدة. وهي تضم مصر وسوريا، وكذلك إسرائيل والأردن ولبنان واليمن. هكذا، فلا معنى للأمريكيين في أن يبالوا كثيراً بما يحصل في مصر وسوريا، وكم بالأحرى في أن يفكّروا بالتدخل العسكري في هذين البلدين. وباختصار، فإن ما يحصل في القاهرة ودمشق ليس له سوى تأثير محدود على الأمن الأمريكي».
ومن هذا المنطلق، خصّ ميرشايمر الموضوع السوري بمحاجة طويلة قصد بها التحذير من استمرار إدارة باراك أوباما في النهج الذي رأى فيه الأستاذ الأمريكي تدخلاً يرمي إلى الإطاحة بالنظام السوري، بينما دعا هو إلى التعاون مع بشّار الأسد. بل حدا الأمر ميرشايمر إلى انتقاد أوباما إزاء ما سمّاه الرئيس الأمريكي «الخط الأحمر» المتعلق بالسلاح الكيماوي في سوريا، ليس لعدم تنفيذ أوباما تهديده بالتدخل في حال جرى استخدام السلاح المذكور، بل لأنه عيّن هذا السلاح «خطاً أحمر» بالأصل، وحجة ميرشايمر الخارقة أن السلاح الكيماوي ليس سلاح دمار شامل! من جهته، لم يقصّر ستيفن والت بالإسهام في التصدّي لكون الولايات المتحدة «لا تزال ملتزمة بتفكيك نظام بشّار الأسد» على حدّ تعبيره في مقالة حديثة له في مجلة «فورين بوليسي» (السياسة الخارجية) كرّسها للتنديد بأي دعوة لإسهام أمريكا في محاربة النظام المذكور لدواعٍ إنسانية.
هكذا فإن حرص إدارة أوباما على عدم التسبّب في سقوط النظام السوري، لا سيما من خلال فرض حظر صارم على تسليم دفاعات جوّية للمعارضة السورية كما في عزوفها عن تنفيذ تهديدها الخاص بالسلاح الكيماوي، يتحوّل هذا الحرص في مخيلة ميرشايمر ووالت إلى إصرار على تفكيك النظام عينه. فينجلي في نهاية المطاف أن «واقعية» الأستاذين لا تعدو كونها في الحقيقة ضرباً من ضروب الهلوسة.
جلبير الأشقر – القدس العربي[ads3]
تقسيم سوريا هو الحل في المستقبل القريب يا عربان ترسيخ التقسيم بموجب قرارات دولية مستبعد جداً، فتركيا لن تقبل مطلقاً بدويلة كردية مجاورة، ووحدات الحماية لن تمانع في بقاء صلة واهية من التبعية لنظام بشار، بينما سيتركز عداؤها لمنطقة النفوذ التركي المجاورة. أما منطقة النفوذ التركي، الموسومة بأنها «عربية سنية»، فستكون الأفقر على صعيد الموارد ولن تعدو كونها مخيم نازحين شاسعاً.