بورصات لتحويل روث الحيوان لمكاسب مالية في ألمانيا
هناك أبخرة تزكم الأنف في الحقل، ما يتم توزيعه هنا ليس إلا “جولِّه” وهو اللفظ الألماني الذي يطلقه الخبراء المعنيون في ألمانيا على روث الحيوان و الذي يعرف فى اللغة العربية بكلمة “جِلَّه”.
يرى المزارعون أنه لا يتم من خلال هذا التوزيع التخلص من روث الحيوانات ولكن إعادة استخدامه بشكل مفيد كسماد فى المزارع. ولكن بقية الناس لا يرون في هذا السماد سوى روث حيوان. وستوضح ما تعرف بـ “بورصات روث الحيوان” كيف يمكن الاستفادة من هذه الجِلة في عمل مربِح تجاريا.
تتاجر بورصات الجلة بروث الحيوان لأن بعض المزارعين لديهم منها أكثر مما يحتاجونه أو أكثر مما ينبغي لهم، وعليهم التخلص منها حيث لا يسمح لمزرعة حيوانات أن تربي أبقارا أو خنازير إلا بالعدد الذي تسمح مساحة هذه المزارع بالتخلص من روث هذه الحيوانات وذلك وفقا للوائح المعمول بها في ألمانيا، والتي تهدف على سبيل المثال للحد من انتشار النترات في التربة بشكل مبالغ فيه.
فإذا لم يكن لدى أحد المزارعين مساحة كافية للتخلص من هذا الروث فعليه أن يتخلص منه في مكان آخر بالشكل المطلوب، عندها يحتاج المزارع لشريك.
وهناك مزارع أخرى تعيش على الزراعة وتحتاج هذا الروث لاستخدامه كسماد طبيعي، أي أنه يتم الاتجار في الجلة.
عندما نسمع هذا الكلام يتبادر للأذهان صورة خزانات هائلة ذات روائح كريهة ولكن التطبيق العلمي لهذه الفكرة بعيد كثيرا عن هذه الصورة.
هذا هو بيرند شتانيا يجلس في غرفة بها مكتب واحد فقط في مدينة فيشتا بولاية سكسونيا السفلى غرب ألمانيا وأمامه على المكتب شاشات حاسوب وهناك على الأرفف المجاورة ملفات.
لا يتوقف جرس الهاتف عن الرنين حيث يبحث مزارعون من دائرتي فيشتا و كلوبنبورج عمن يأخذ منهم روث حيواناتهم، وليس هناك بالقرب من المكتب أي أكوام من روث الحيوانات ولا سيارات نقل.
عن ذلك يقول شتانيا، المدير التنفيذي لشركة الأسمدة العضوية، شركة ذات مسؤولية محدودة: “ما نقوم به لا يعدو مجرد التوسط بين المزارعين”.
يتمثل عمل شتانيا في تنظيم العلاقة بين شركاء ذوي صلة بروث الحيوان و تنظيم نقل هذا الروث من شريك لآخر.
يقوم الألماني الخبير الزراعي شتانيا بهذا العمل منذ عام 1988 “ولم يعد الأمر بسيطا مع مرور السنوات” حيث زادت كميات الجلة التي يتوسط فيها شتانيا وأصبح العثور على مشترين لها أمرا صعبا.
أما كار هِندريك ماي من بورصة شمال الراين فيستفاليا للأسمدة الطبيعية فيتحدث عن شبكة كبيرة من الأعمال تتكون من مزارع و وسطاء و معامل وروابط مزارعين.
سؤال: وما ثمن مئة لتر من الجلة على سبيل المثال؟
يجيب ماي: “في الحقيقة ليس هناك ثمن ثابت حيث تلعب الكمية المعروضة في الموسم الزراعي دورا في تحديد السعر حيث تكثر الحاجة على سبيل المثال للسماد البلدي في الربيع عنه في الشتاء، كما تلعب جودة الروث دورا آخر، وتتوقف هذه الجودة على نسبة المياه والسماد العضوي في هذا الروث”.
وأوضح ماي أن سعر الجلة يحدد على أساس المعروض منها في كل منطقة.
بل إن هناك تذبذبا في ظروف عرض هذه الجلة لدرجة أن صاحبها يضطر في بعض الأحيان لدفع أموال مقابل تخلصه منها وأحيانا أخرى يدفع المزارع الذي يحتاجها بشكل ملح.
ويكمل شتانيا، زميل ماي قائلا : “من ناحية المبدأ فإن المزرعة التي تتخلص من الجلة هي التي تتحمل جميع التكاليف، على الأقل في المنطقة التي أعمل بها “.
أضاف شتانيا: “أحيانا تتحمل المزرعة المستقبلة للجلة بعض التكاليف ولكن ذلك نادر… لذلك إذا أراد الإنسان تعلم شيئا عن الاقتصاد فإن إلقاء نظرة على بورصات الجلة أمر يستحق العناء”.
أوضح الاقتصادي يوستوس كاوكاب أن هناك حالات يدفع فيها كل من صاحب الجلة و متلقيها في نفس الوقت “أعتقد أن أشهر مثال لذلك هو بورصة التيار الكهربائي حيث نرى في بعض الحالات أن الشركات التي تستهلك تيارا كهربائيا أكثر مما تنتج تدفع في بعض الأحيان للتخلص من التيار الذي تنتجه زيادة عن حاجتها” حسبما يرى كاوكاب، الباحث في جامعة دوسلدورف.
كما أن هناك حالات في قطاع النفايات تكون فيها القمامة صالحة للتدوير في بعض الأحيان مما يجعلها ذات قيمة مالية وأحيانا أخرى بلا قيمة مما يجعل الشركات صاحبة هذه النفايات تدفع لمن يخلصها من هذه القمامة “حيث إن هناك حديثا أيضا عن السعر السلبي” حسبما أوضح هاوكاب.
بصرف النظر عمن يدفع في النهاية فإن جزءا كبيرا من تكاليف النقل يضاف للمبلغ المدفوع لأن نقل الجلة عبر مسافات طويلة داخل الولاية الواحدة مكلف جدا حيث يشير ماي إلى أنه ليس من النادر أن تنقل الجلة لمسافة تصل إلى 150 كيلومترا.
ولأن لدى بلد مثل هولندا على سبيل المثال الكثير من الجلة فإن هناك حركة مكثفة لنقلها إلى المدن الألمانية القريبة.
ولكن ذلك يحتاج لشاحنات و سائقين و تكاليف وقود باهظة خاصة إذا أخذنا في الحسبان أن الشاحنات تعود فارغة في كثير من الأحيان مما يجعل الفكرة غير مجدية كثيرا من الناحية الاقتصادية.
لذلك فإن الفكرة التي وراء بورصات الجلة لا تنجح عمليا في كثير من الأحيان “فهي قابلة للتطبيق على مستوى المناطق المتقاربة ويمكن أن تطبق بشكل أفضل بكثير مما هو عليه الآن، وهذا ما يريده المزارعون” حسبما أوضحت المهندسة ساسيكا يون التي كانت تجري أبحاثا عن هذا الموضوع بجامعة بريمن الألمانية.
وأشارت يون إلى أن هناك معوقات أخرى بالإضافة إلى النقل منها التذبذب الدائم لتركيبة المخصبات داخل هذه الجلة وموسمية السوق والمنافسة بين هذه الأسمدة العضوية والأسمدة المعدنية الصناعية “وهذا هو أكبر عائق اقتصادي حتى الآن”.
لذلك انشغلت يون بكيفية فصل الجلة إلى ماء و مخصبات طبيعية من أجل تركيز الأسمدة ونقلها في حالتها المركزة دون أن تنقل معها كميات كبيرة من الماء لمسافات بعيدة “فالنقل ليس مكلفا فقط بل يمثل عبئا على الشوارع والطرق والبيئة لأن نقله مسافات بعيدة يستهلك وقودا و يتسبب في عوادم كثيرة من ثاني أكسيد الكربون.
غير أن يون أكدت في الوقت ذاته أن جعل الجلة مثالية للاستخدام بهذا الشكل لا يزال أمرا صعبا من الناحية الاقتصادية وقالت إن التجارة بها أمر صعب بالفعل. (DPA)[ads3]