غارات إسرائيل في دمشق : الأسد أو لا أحد .. مع ذلك !

في نيسان (أبريل) الماضي أقرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنّ الطيران الحربي الإسرائيلي شنّ، منذ ربيع 2011، «دزينة» من الغارات الجوية ضدّ أهداف لـ»حزب الله»، أو قوافل تنقل أسلحة للحزب، في أرجاء مختلفة من سوريا. وكان واضحاً في التشديد على أهداف تلك الغارات: أنها لم تستهدف قوات النظام السوري ذاتها، لأنّ إسرائيل لا تتدخل في «الحرب الأهلية» السورية. ويوم أمس ـ وعلى دفعتين: مرّة أمام سفراء الاتحاد الأوربي، وأخرى أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست ـ أقرّ وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، بأنّ إسرائيل نفّذت بالفعل غارات في مدينة دمشق، وعلى طريق دمشق ـ بيروت، استهدفت منع وصول «أسلحة دمار شامل» إلى داخل لبنان، وترسانة «حزب الله» تحديداً. وهنا، أيضاً، شدّد ليبرمان على أنّ إسرائيل «ليست لها أية مصلحة» في «الحرب الأهلية السورية».

يسرح طيران إسرائيل الحربي، ويمرح، في الأجواء السورية؛ دون رادع، ليس من طيران النظام أو مضاداته، فحسب؛ وليس، أيضاً، من مختلف صنوف الأسلحة الإيرانية على الأرض السورية، بما في ذلك تلك التي هدد بها، ولا يكفّ عن التهديد، حسن نصر الله شخصياً، فحسب؛ بل أوّلاً، وأساساً، من الرادارات الروسية التي صارت ترصد أي عصفور يحلّق في أجواء سوريا. هذا، كله، ليس جديداً بالطبع، وقد تكرر قبل التورط العسكري الروسي المباشر في سوريا، مطلع خريف العام الماضي، وتكرّر بعد أن صارت موسكو سيّدة السماوات، وبعض الأرض، في سوريا. بل يمكن القول إنّ التواتر الروتيني للغارات الإسرائيلية داخل سوريا جعلتها «طبيعة ثانية»، مسلّماً بها كأمر واقع، مستدام!

لا جديد، كذلك، في الأكذوبة الإسرائيلية القائلة بأنّ لا مصلحة لإسرائيل في ما يجري داخل سوريا من صراع؛ لأنّ مسحاً بسيطاً لسلسلة الوقائع المقترنة بهذا الملفّ تثبت أنّ مصلحة إسرائيل كانت، وتظلّ حتى أمد غير منظور، مرتبطة بالحرص على بقاء آل الأسد في السلطة؛ أو، على نحو أكثر دقة: تفادي أيّ تغيير داخلي، سيما إذا كان ديمقراطي الآفاق وتحرّري الرؤية، يمكن أن يمسّ التعاقدات ـ المعلَنة، أولاَ، ثمّ الخافية ثانياً ـ بين إسرائيل ونظام «الحركة التصحيحية»، الأسد الأب ثمّ وريثه الابن، على حدّ سواء. وليس تصريح بشار الأسد الأخير، في حوار مع صحيفة «الوطن»، من أنّ «إسرائيل تبقى هي العدو»؛ إلا إعادة إنتاج لخطاب زائف عتيق سعى إلى ذرّ الرماد في العيون، حول حال العداء الوهمية هذه.

ومنذ البدء كان خيار إسرائيل هو المساعدة في المدّ بعمر النظام، اتكاءً على ثلاثة مسوّغات، بين أخرى أقلّ إلحاحاً:
ـ أنّ نظام «الحركة التصحيحية» حافظ على حدود الاحتلال الإسرائيلي للجولان، لا كما فعل أيّ نظام سوري سابق، منذ تأسيس الكيان الصهيوني؛ ولم يكن الوضع المسمى «حالة اللاسلم واللاحرب» إلا حال سلام الأمر الواقع، فعلياً، وعلى الأرض.

ـ أنّ أيّ نظام قادم على أنقاض «الحركة التصحيحية»، بصرف النظر عن محتواه والقوى الغالبة فيه، لن يكون أفضل حالاً لإسرائيل؛ بل الأرجح أنه سوف يكون أسوأ لأمنها، القريب والبعيد، بالنظر إلى الروابط التاريخية والجغرافية والشعورية العميقة التي شدّت، وستظلّ تشدّ، الشعب السوري إلى القضية الفلسطينية.

ـ وما دام جيش النظام استخدم ضدّ المعارضة، ويستخدم كلّ يوم، صنوف الأسلحة جميعها، من الدبابة والمدفعية الثقيلة إلى السلاح الصاروخي والجوّي، بما في ذلك البراميل المتفجرة، والقنابل العنقودية، والألغام البحرية والسلاح الكيميائي…؛ وما دامت المعارضة ليست مكتوفة الأيدي، فهي تدمّر الدبابة وتُسقط الطائرة وتقتل، مثلما يُقتل منها…؛ فإنّ إسرائيل رابحة من هذا الاهتلاك المتبادل، على المدى البعيد. الأصل في هذا حقيقة بسيطة تقول إنّ أفواج الجيش السوري النظامي، في سوريا المستقبل، ومختلف فصائل المعارضة، تظلّ في العمق قوّة معادية لإسرائيل، ومكمن خطر مباشر دائم.

ظلت هذه الأقانيم الثلاثة راسخة ومعتمَدة، ولعب نتنياهو شخصياً دور الحَكَم الأخير في ترسيخ توازناتها، وتخفيف وطأة خلافات الرأي بشأنها، بين جنرالات الجيش وجنرالات الأجهزة الاستخبارية؛ حتى بعد أن طرأت على الوضع الميداني السوري تطورات نوعية «دراماتيكية»، في وصف نتنياهو نفسه، اقتضت الانحناء أمام الرياح العاصفة، وتغيير الدفة. وفي طليعة تلك التطورات أتى وصول بعض فصائل «الجيش السوري الحرّ»، ثمّ «جبهة النصرة» و»داعش» بعدها، إلى بلدات وهضاب الجولان المحتل؛ خاصة وأنّ خطوط الفصل بين القوى العسكرية على الأرض تشكّل طبوغرافية اختلاط معقدة بين قوّات الاحتلال الإسرائيلية وجيش النظام السوري ومراقبي الأمم المتحدة، ممّا يمنح مقاتلي المعارضة السورية أفضلية إرباك عالية للجميع، وللجيش الإسرائيلي أيضاً.

والأرجح أنّ سلسلة من الحقائق، التي اكتنفت تاريخ العلاقة مع النظام احتلّت الصدارة في تفكير نتنياهو وهو يتمسك بخيار الإبقاء على الأسد: المواقف التي اتخذتها «الحركة التصحيحية» منذ أواسط السبعينيات، في ملفات عربية كبرى ذات طابع إقليمي قومي إجمالاً (حرب الخليج الأولى، والثانية)؛ والتدخّل التدميري في الحرب الأهلية اللبنانية (احتلال البلد عسكرياً، وإخضاعه سياسياً وعسكرياً وأمنياً، وتخريب الحركة الوطنية اللبنانية، والتخاذل أمام الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982)؛ ومحاربة منظمة التحرير الفلسطينية على نحو خاص (حرب المخيمات، وشقّ المنظمة، ومطاردتها إلى سواحل طرابلس)… وكلها سياسات كانت تصبّ الماء في الطاحونة الأمريكية ـ الإسرائيلية.

ولعلّ نتنياهو استعاد، أيضاً، مفارقة أن يكون السلام الإسرائيلي مع النظام السوري مطلوباً بشروط قائمة على حسابات خارجية باردة تخصّ مستقبل النظام وضمانات أمنه إقليمياً ودولياً؛ في وقت شهد صدور ذلك التصريح/ القنبلة من فم الأسد الأب شخصياً، خلال لقاء مع عضو الكونغرس الأمريكي توم لانتوس: «إنّ مفهومي للسلام واضح، وحين أتحدث عن السلام الكامل فإنني أقصد السلام الطبيعي من النوع القائم اليوم بين 187 دولة في العالم»! الظروف الداخلية السورية، من جانبها، وضعت حكاية السلام تلك على جدول أعمال الحياة اليومية للنظام، التي كانت تقبل الحلول البطيئة والمتباطئة؛ قبل أن تمحوها مسألة ترتيبات توريث الأسد الابن، وهذه لم تكن تقبل إلا الحسابات الساخنة والحلول العاجلة.

ذلك الوضع الجدلي كان يفضي بالنظام إلى راعٍ واحد، عملياً، هو البيت الأبيض؛ حيث بيل كلنتون، الذي يتحرّق لحيازة نوبل السلام من بوّابة التسوية السورية ـ الإسرائيلية، بعد أن أفشل ياسر عرفات مساعيه في إغواء الأكاديمية السويدية! وهكذا، باتت خيارات الأسد الأب، الماهر في المناورة عادة، تمرّ من خرم إبرة؛ وفي السياسة يحدث كثيراً أن تضطر الميكيافيللية الماهرة إلى قدر كبير من التواضع، لكي تمرّ من ذلك الخرم الذي ينصبه التاريخ في البرهة القاتلة. وحين نطق الأسد الأب بـ»كلمة السحر»، على حدّ تعبير المعلق الإسرائيلي زئيف شيف، في لقاءيه مع كلنتون (في جنيف، ودمشق)؛ صار موقف البطء والتباطؤ يُطبخ على نار التوريث، وأمكن لرئيس وزراء إسرائيل يومها، إيهود باراك، أن يفضّل انتظار الوريث الآتي، بشار الفتى، على معاندة الحاكم الشيخ الموشك على الرحيل!

هذه كلها قسمة أولى، استراتيجية وتكتيكية في آن معاً؛ وعربدة الطيران الحربي في سماءات سوريا، قسمة ثانية، أخرى ومختلفة. وأمّا حصيلة القسمتين فهي بالغة البساطة: تسرح إسرائيل وتمرح وتقصف، متى شاءت؛ الأمر الذي لا يمنعها من الإصرار على خيار الأسد، أو… لا أحد!

صبحي حديدي – القدس العربي[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫3 تعليقات

  1. اسد مين ومقاومة مين
    كذبوا على الشعب السوري الدرويش ٥٠ سنة بحجة مقاومة اسرائيل
    ونهبوا خيرات سوريا بحجة الجيش
    سيرة بقى
    لن تقوم قائمة النصيريين الخونة بعدالان

  2. الضربات الاسرائيلية للنظام السوري و حزب الشيطان اللبناني هي بمثابة ( ضرب الحبيب متل اكل الزبيب )
    كل فترة زمنية تحاول اسرائيل ( تلميع عملائها ) المخلصين : بشار و حسن زميرة و اعطائهم بعض الزخم الاعلامي و الشرعية السياسية المزيفة للتغطية على جرائمهم في سوريا و لبنان و غيرهما و لخداع القلة من الحمقى الذين لا زالوا يصدقون أسطورة للمقاومة و الممانعة و تسخير هؤلاء لمصلحة النظام
    كل الحروب التي خاضها نظام البعث و جماعة زميرة مع اسرائيل هي مسرحيات متفق على بدايتها و نهايتها و خسائرها محسوبة بدقة لتحقيق الفائدة للطرفين اسرائيل و جماعة المقاولة و المماتعة