السوريون بين إدارتين أميركيتين
بتتويج دونالد ترامب رئيساً في 20 كانون الثاني (يناير) الجاري، تنتهي حقبة من الأوبامية المنكفئة والباردة، لندخل عوالم الفانتازيا السياسية بكل ما تحمله «الترامباوية» من مفاجآت سياسية جاءت في سلة واحدة مع الصدمة الكبرى لانتصاره على منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، ما خالف الاستقراءات والتوقعات.
من نافل القول أن السوريين الذين عاصرت أزمتهم العسيرة، بل تعاملت مع وزيري خارجية أميركيين خلال عهدين متواليين لإدارة أوباما، لم يتمكنوا من كسب الودّ الأميركي المفترض لحليف استراتيجي يدعم قضيتهم العادلة بما تحتاج إليه في حربها العظمى مع الاستبداد.
ومن نافل القول، في الضفة الأخرى، أن التدخل الأميركي المباشر في ليبيا لإسقاط نظام القدافي، وما ترتب عليه من انتشار للفوضى الأمنية والسياسية في البلاد، وتعاظم سيطرة الفصائل الإرهابية المسلحة، ثم مقتل السفير الأميركي في بنغازي على يدها، شكلت العقدة التاريخية، النفسية والعسكرية التي ابتلي بها الوجدان الأميركي على المستويين الرسمي والشعبي، لتضاف إلى العقدة الأعظم في تاريخه المعاصر بدخوله العراق غازياً في 2003، وخروجه منه في 2015 منسحباً في ليل.
السقطتان الأميركيتان هاتان، في جانبيهما العسكري والسياسي، جعلتا الرئيس المنتهية ولايته، باراك أوباما، يميل إلى التريث والحرص المبالغَين من دون لعب دور حاسم في تحييد النظام السوري وآلته العسكرية التي وجهها ضد شعبه الأعزل، مروراً بجريمة ارتكابه استخدام السلاح الكيماوي في 2013، والتي كان من المفترض أن تكون نقطة انعطاف في تعاطي أوباما مع المعضلة السورية – الأمر الذي لم يحدث: فلا هو أسقط النظام الذي تجاوز خطوط البيت الأبيض الحمر بعدما وجّه بوارجه إلى السواحل السورية لضرب معاقله في العاصمة دمشق، ولا هو انتصر للمعارضة بحزم وساندها لإسقاطه فعلاً، بل أبرم وزير خارجيته، جون كيري، صفقة مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، اقتضت تسليم النظام سلاحه الكيماوي بالكامل (وهذا الأمر كان علنياً ومراقباً دولياً) مقابل صفقة غامضة ومبهمة (لا نعرف تفاصيلها حتى اليوم) بإطالة عمر النظام ومحاولة غض النظر عن مسألة رحيل بشار الأسد عن السلطة، مع سعي غير معلن لتعطيل الغطاء السياسي للمعارضة وفرملة دعمها لوجيستياً وعسكرياً من حلفائها الدوليين أو الإقليميين.
منذ إبرام الاتفاق، بدأت الحالة السورية الميدانية والسياسية تأخذ منحى جديداً على طاولة اللاعبَين الدوليين الأساسيين، وغدت الغلبة واضحة لإرادة موسكو المناهضة للثورة السورية على حــساب تذبذب واشنطن، ما مهّد الميدان الدولي لتدخل عــسكري مباشر لجيش بوتين وقواته الجوية. وبالفعل تمكنت موسكو من القضاء على تجمعات المعارضة ابتداء بريف دمشق ومرتفعات القلمون ومروراً بحمص وحماة ووصولاً إلى حلب، حيث أنهت الغارات المتصلة على شرقها كل وسائل البقاء في المدينة، وحملت المقاتلين على القبول باتفاق الخروج إلى الريف بسلاحهم الفردي بلا ذخيرة، في عملية تهجير قسري جماعي أمام آلة قتل روسية – أسدية وحصار ميليشياوي مذهبي من جانب العصائب الإيرانية. وسقطت حلب في قبضة بوتين، وغادرها الحلبيون في مشهد جنائزي داخل حافلات التهجير الخضر السيئة الذكر.
وعلى رغم دخول تركيا على خط التفاهمات الروسية – الإيرانية في شأن حلب تحديداً (نيابة عن الغائب الأميركي)، فإن أنقرة ستنقل آلاف النازحين المدنيين من حلب الشرقية إلى مخيمات أعدتها لهم داخل الأراضي السورية في منطقة استراتيجية يشكّلها مثلث منبج – الباب – جرابلس، حيث سيفصل ذاك المثلث الجيوسياسي محيط روجافا عن عفرين، ويؤمن تالياً أرضية بشرية وإنسانية وسياسية لتحقيق نظرية أردوغان التي كثيراً ما تعثرّت بالرفض الأميركي لها، وليظهر أردوغان صياداً ماهراً لعصافير عدة بحجر روسي واحد!
وفي توقيت لافت، وبعد أن تجنب ترامب وضع منهج واضح لسياسته حيال الأزمة السورية قبل انتخابه وبعده، نسمعه يصرّح عن رغبته في إيجاد مناطق آمنة في سورية حال وصوله إلى السلطة. فترامب المعجب برجب أردوغان بشدة يتجاوب فوراً مع خطوة أنقرة في إقامة تلك المخيمات الحلبية، والتي ستضمن وقف الهجرة السورية إلى أوروبا عبر تركيا كما أوحى له وحي أردوغان.
أما نحن السوريين المغلوبين على أمرنا، فلن نطالب حالياً الرئيس ترامب بأية تفاصيل عن طبيعة فهمه وتناوله للقضية السورية، بل سنكتفي في الوقت المستقطع بين شوطي الإدارتين الأميركيتين الراحلة والمقبلة بالإشارة إلى ما لا نريد أن نراه في إدارته المنتظرة للملف السوري. فنحن لا نريد مواقف خطابية متذبذبة، مضلّلة، وفاقدة المضامين كما فعل سلفه أوباما، ولا نريد دعماً لمناطق آمنة مرتجلة، غائية وضيقة لها مساحة المطامح السياسية لشخص أردوغان الذي هو موضع إعجاب ترامب وابنته أفانكا، ولا نريد تنازلاً مخزياً وملتبساً لموسكو كما جرت عليه سياسة جون كيري المتمادية في تبعيتها لإرادات لافروف الاستعلائية، ولا أن نشهد تعاظماً لغطرسة ملالي إيران متمترسين خلف اتفاق نووي دولي مهندساه بامتياز كانا حصراً السيدين كيري ونظيره جواد ظريف.
هذا بعض ما لا يريده السوريون من الرئيس ترامب، فهل سنجد لدى سيد البيت الأبيض الجديد أذناً صاغية على خلاف سلفه الذي أراد أن يغادر مكتبه البيضاوي حاملاً لمعة وسام نوبل للسلام على صدره، فارتضى أن يكون شاهداً معصوب العينين ومربوط اليد أمام هول أبشع حرب شُنت على الإنسان والإنسانية؟
مرح البقاعي – الحياة[ads3]
المناطق الأمنة في شمال سورية هو الحل الذي تأخر سنتين
لو كانت هذه المناطق أقيمت لحلت الكثير من المشاكل
أولها مشكلة اللاجئين و ثانيها ستظهر للعالم حجم الرفض الشعبي لنظام القتل و الاجرام
أما أوباما فسوف يلعنه التاريخ و سيذكره باحرف الخذلان و التواطئ و النذالة