ألمانيا : الهوة بين الأغنياء و الفقراء تتسع
تُعتبر ألمانيا من الدول الغنية في العالم، لكن الهوة بين الغني والفقير اتسعت خلال السنوات الماضية بدلاً من أن تضيق. ولن تكون توقعات الخبراء للأعوام المقبلة أفضل، في حال لم يتخذ المسؤولون القرارات اللازمة لردم الهوة المتزايدة.
واستناداً إلى دراسات تُعدّ دورياً في هذا الشأن الحساس، فإن هذا الأمر لا يشكل خطراً على وحدة المجتمع وتماسكه فحسب، بل أيضاً على قوة الاقتصاد وقدرته على مدى استيعاب الأزمة الاجتماعية المتنامية. ولا تكلّ الأحزاب والتنظيمات السياسية والمدنية منذ تسعينات القرن الماضي عن التحذير من هذا الوضع داخل المجتمع، وتدعو إلى القضاء عليه. وعلى رغم ذلك، تزايدَ التفاوت الحاصل في دخل فئات العاملين وفي شكل صارخ في أحيان كثيرة.
وأفادت إحصاءات دورية بأن كل عاشر عامل وموظف فيها يعمل في شكل موقت فقط، بل كل رابع مواطن يتراوح عمره بين 20 و24 عاماً، وأن جزءاً مهماً من هؤلاء الشباب يتقاضى أجراً ضئيلاً لا يسمح له بتأمين عيش معقول، ولا التفكير في الزواج وتأسيس عائلة.
ولا تُخفي بيانات وكالة العمل الاتحادية النجاح المحقق في سوق العمل على مستوى مكافحة البطالة، وازدياد أعداد المشاركين في الصناديق الاجتماعية والزيادات الدورية على الرواتب، ما يعزز الحماية من الفقر والأوضاع المالية المريحة لجزء كبير من العائلات. لكن الحديث عن أوضاع 3.2 مليون عامل وموظف وعاطل من العمل، خصوصاً النساء اللواتي يعشن لوحدهن أو مع أطفالهن، يبقى خافتاً، وهم غير قادرين على التخطيط لحياتهم بسبب عوزهم وتقشفهم. ولا يشمل الرقم أعلاه مليون متدرب مهني وتلميذ على الأقل يعملون في مهن ظرفية، ولا توجد حول وضع هؤلاء سوى معلومات قليلة أيضاً. وفي الفترة الأخيرة وضع معهد العلوم الاجتماعية «في أس إي» العائد لـ «مؤسسة هانس بوكلر» التابعة للنقابات العمالية، بعض المعلومات الإحصائية حولهم، والمتعلقة بأوضاع حياتهم وشروط عملهم. وتأكد من دراسات أخرى أيضاً أن عدم المساواة لا يفرز عدم ارتياح فقط، بل يضغط سلباً على نتائج النمو. وأكدت ذلك أيضاً منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأوروبية «او إي سي دي» في تقرير أخير لها، لافتة إلى أن «الهوة المتزايدة بين الغنى والفقر تنعكس بالفعل سلباً على وتيرة النمو في الدول المعنية».
وبتكليف من مؤسسة «فريدريش إيبرت» الألمانية، حقق المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية «دي إي في» في برلين، في مدى تأثير التفاوت في الدخل في الناتج الاقتصادي القومي. وأظهرت الدراسة التي وضعها المعهد ونُشرت أخيراً، أن «لولا هذا التفاوت لكان الناتج القومي الألماني زاد بمقدار 40 بليون يورو تقريباً. وبتعبير آخر، كلّف التفاوت المتنامي البلاد منذ الوحدة الألمانية عام 1990 نحو نصف عِشر من النقطة أي 0.05 نقطة سنوياً، ما يعني خسارة نقطتي نمو خلال ربع قرن. وواضح أن التأثير الأكبر للتفاوت هذا ينعكس سلباً جداً على «رأس المال الإنساني»، الذي لا يظهر بوضوح إلا بعد مرور سنوات طويلة. ولأن أصحاب الدخل الضئيل لا يعودون قادرين على تمويل تعليمهم وتدريبهم، تتراجع إنتاجيتهم الفعلية في العمل وبالتالي إنتاجية الاقتصاد.
ولفتت مؤسسة «يوروستات» الأوروبية الى وجود 13.4 مليون ألماني تحت خط الفقر المحدد بـ1033 يورو شهرياً، مشيرة إلى أن متوسط ما قبضه هؤلاء في ألمانيا شهرياً عام 2015 بلغ 719 يورو، أي أقل بـ30 في المئة من الحدّ المذكور.
ومن عناصر الإجحاف الحاصل في ألمانيا أيضاً، التفاوت المستمر في معاشات التقاعد بين الشرقيين والغربيين منذ قيام الوحدة عام 1990. ولأن الشرقيين يتلقون معاشات تقاعد تقل في شكل ملموس عن رواتب تقاعد الغربيين، أقرت الحكومة الاتحادية أخيراً مشروع قانون للمساواة بدءاً من عام 2025، ما سيزيل عندها الشعور بالغبن ويرفع القدرة الشرائية للشرقيين. (الحياة)[ads3]