علمياً .. كيف يمكن أن تتحول إلى ” الرجل الوطواط ” ؟
لم يعد من المستبعد حين تبحث في أفلام الخيال العلمي والقدرات الخارقة، التي يتم إضفاؤها على البشر العاديين ليصبحوا مثلاً “الرجل الوطواط” القادر على الطيران، أن تجد ما يحاكيها بشكل أو بآخر في الأبحاث العلمية الحديثة.
فمثلاً ستجد في فيلم “الكيت كات” بطولة النجم الراحل محمود عبد العزيز، الذي كان يجسد ببراعة شخصية “الشيخ حسني” الضرير، الذي لم تمنعه إعاقته عن ممارسة حياته بشكل كوميدي لا يخلو من مبالغة، لكن يبقى أن طريقته في الحركة و”طرقعة” أصابعه، والتنبؤ بوجود عائق أمامه أثناء السير، تتجلى في كشف علمي جديد بألمانيا يخدم المبصرين أيضاً.
فقد أثبتت دراسة علمية أنه يمكن للإنسان أن يتعلم استخدام تحديد الموقع بصدى الصوت مثل الوطواط، بما يسمح له بالتنقل في حيز ما حتى لو كان لا يستطيع أن يرى، وذلك بحسب تقرير نشره موقع صحيفة “ديلي ميل” البريطانية.
وقد سبق أن لوحظت هذه الظاهرة في المكفوفين، الذين يمكن أن يحددوا بعدهم عن الجدران المحيطة بهم، من خلال التنصت أو أصوات النقر.. ولكن الباحثين توصلوا حالياً إلى أن المبصرين يمكنهم أيضاً أن يفعلوا نفس الشيء.
وفي الدراسة الحديثة، رصد الباحثون النشاط في المخ، بينما يقوم الأفراد المشاركون في الدراسة بمهام تحديد الموقع عن طريق صدى الصوت، ووجدوا أن تلك المهارة تنبع من تنسيق وثيق بين القشرة الحسية والحركية.
ويقوم المكفوفون غالباً باستخدام عصا لتلمس الأرض، أو إصدار أصوات بألسنتهم لتقدير مساحة الغرفة.
ولدراسة كيفية تنفيذ هذه العملية في المخ، طور باحثون من جامعة “لودفيغ ماكسيميليان” في ميونيخ تقنية جديدة تعتمد على التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي.
وفي أول خطوة تم القيام بتمييز الخصائص الصوتية لمبنى ما، وفي هذه الحالة كان مبنى كنيسة صغيرة ذات أسطح عاكسة، حيث يستغرق الصوت وقتاً طويلاً لوصول صداه.
ويقول البروفيسور، لوتز فيغريبي، أستاذ في قسم علم الأحياء في جامعة “ميونيخ”: “أخذنا صورة صوتية للكنيسة، وعندئذ أمكن لنا الأخذ في الاعتبار حساب تغيير حجم هذه الصورة والصوت، والذي سمح لنا بضغط أو توسيع حجم الفضاء الافتراضي وفق إرادتنا”.
وفي أثناء التجربة، حاول الباحثون تدريب الأشخاص على استخدام تحديد الموقع بالصدى، حيث تم تركيب سماعة للمشاركين تتكون من سماعات وميكروفون، وتم توصيلها بماسح التصوير بالرنين المغناطيسي وفق ما نقلت قناة العربية ، وتم تغذية سماعات الرأس بإشارات لمساعدتهم على تقييم موقفهم في الفضاء الافتراضي. ثم قام المشاركون بإصدار أصوات نقر باللسان، وأديرت لهم ما يقابلها من أصداء من أحجام مختلفة”.
وقال البروفيسور فيغريبي: “استشف جميع المشاركين حتى الاختلافات الصغيرة في المساحة المحيطة”.
ووفقاً للباحثين، كان المشاركون أيضاً أكثر قدرة على تقييم حجم المساحة عندما أصدروا صوت النقرات باللسان، بالمقارنة مع صدى الصوت العائد إليهم ، بل إن أحد المشاركين تمكن من تقدير الحجم بداخل الفضاء الافتراضي بنسبة دقة 4% من حجمه الحقيقي.
ووجد الباحثون أن المهام المطلوبة أسفرت عن تنشيط القشرة الحسية بالمخ، عندما انعكست الموجات الصوتية المتولدة من النقرات وتم التقاطها بواسطة الأذنين.
كما لوحظ بعد ذلك تفعيل القشرة الحركية لدى المشاركين، مما حفز اللسان والأحبال الصوتية لتنبعث منها أصوات نقر جديدة.
وتقول دكتور فرجينيا فلانجين، من المركز الألماني للدوار واضطرابات التوازن في المركز الطبي بجامعة “ميونيخ”: “إن تحديد الموقع بالصدى يتطلب درجة عالية من التوافق بين القشرة الحسية وتلك الحركية”.
وفي أثناء التجارب، أحدثت بعض الأصوات انعكاسات وتنشيطا في القشرة البصرية لدى أحد المشاركين الذي يعاني بالأساس من فقد للإبصار. وتم ملاحظة هذه الظاهرة فقط بشكل طفيف بين المشاركين الآخرين.
ويعكف الباحثون على تطوير برنامج تدريبي، من شأنه أن يساعد المكفوفين على تعلم كيفية استخدام نقرات اللسان لتحديد الموقع بالصدى.
ويختتم البروفيسور فيغريبي قائلاً: “إن القشرة البصرية الأولية يمكن أن تنفذ مهام للسمع، وهي شهادة رائعة على مدى مرونة المخ البشري”.[ads3]