معركة دمشق : مأزق النظام و مخاطر الاستيهام

تبدو حال الكرّ والفرّ العسكرية، شرق وشمال العاصمة دمشق وفي محور جوبر ـ القابون وساحة العباسيين تحديداً؛ وكأنها تحديث جديد لخلاصة مشهد عسكري قديم نسبياً، حكم توازنات القوّة بين النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة منذ أواسط تموز (يوليو) 2012. آنذاك، للتذكير، كانت المواجهات العسكرية في إطار عمليات «بركان دمشق»، أو «زلزال سوريا»، قد أسفرت عن اشتباكات واسعة النطاق في أحياء الميدان وجوبر والقابون، ثمّ برزة والقدم وكفر سوسة والتضامن. وآنذاك، للتذكير أيضاً، جرى تفجير مقرّ «مكتب الأمن القومي» ومقتل عدد من كبار أركان النظام، أمثال آصف شوكت وهشام بختيار وحسن توركماني ومحمد الشعار وداود راجحة.

هي، كذلك، حال تراكمت عناصرها خلال عدد من المواجهات العسكرية اللاحقة، التي يمكن تصنيفها تحت مسمّى «معركة دمشق»، بصفة عامة؛ ولكن في هذا المحور ذاته، جوبر ـ القابون، بصفة محددة: مطلع شباط (فبراير) 2013؛ نيسان (أبريل) 2015، في محيط مخيم اليرموك؛ وأيلول (سبتمبر) 2015، في تل كردي وعدرا وحرستا؛ ضمن معارك أخرى. ولعلّ الجديد الأبرز، في الحال الراهنة، هو المشاركة ـ الأشدّ كثافة، من أيّ وقت مضى ـ لوحدات «حزب الله» اللبناني، وميليشيات «حركة النجباء» و»لواء أبو الفضل العباس» العراقية، في القتال إلى جانب النظام، وهذا مؤشر على مأزق النظام؛ وغياب «جيش الإسلام» عن المشاركة في القتال، وهذا مؤشر على مأزق الفصائل المسلحة.

الثابت، مع ذلك، أنّ هذه الجولات، حتى حين تبدو فارقة في معطيات عديدة، لا تنتهي إلى صناعة منعطفات كبرى في انقلاب الموازنات العسكرية بين النظام والمعارضة المسلحة؛ ولا تفرض، بالضرورة، تبدلاً متميزاً في أنساق «المزاج» الشعبي داخل العاصمة دمشق (في صفوف ما يُسمّى بـ»الأغلبية الصامتة»، خصوصا)، أو خارجها، هنا وهناك في الجغرافيا السورية المتقطعة؛ ثمّ على نطاق أقليمي، أو دولي. صحيح، في المقابل، أنها قد تضيف إلى طاولات المفاوضات، في استانة أو جنيف أو…، ورقة ضغط إضافية ما، لصالح المعارضة؛ إلا أنها لا تحمل جديداً ترجيحياً مؤثراً في الميزان القائم راهناً.

ومن جانب آخر، إذا جاز أن تُوْضَع جولات مثل هذه في سياق أعرض هو «معركة العاصمة» (وهذه تسمية معقدة ومركبة، ومجازية ربما، لا تقتصر البتة على الفعل العسكري وحده)؛ فإنّ من الحكمة، والواقعية أيضاً، أن لا تُهدَر آثارها في طراز من حمّى التلهف على تحميلها أكثر، بكثير غالباً، مما تحتمل من مغزى ومعنى. واضح لكلّ ذي بصيرة أنّ وصول المواجهات إلى أطراف ساحة العباسيين كفيل بممارسة أقصى الضغوط على النظام، في المستويات السياسية والعسكرية والمعنوية.

وهذا ما حدث، بالفعل، في مواجهات صيف 2012، حين أبدى النظام علامات متزايدة على مزيج من الذعر والارتباك والتوحش، فأقام طوقاً أمنياً حول الأحياء، ونشر وحدات من الحرس الجمهوري، واستخدم المدفعية الثقيلة من ذرى جبل قاسيون، وتولت الحوامات مهامّ الاستطلاع والإسناد الجوي، وبعض عمليات القصف العشوائي أيضاً. كذلك كانت المواجهات قد امتدت من حيّ الميدان إلى مناطق واسعة من الأحياء المجاورة، في التضامن، والزاهرة، ونهر عيشة، والعسالي، والقدم، والحجر الأسود؛ بالإضافة إلى حيّ الشاغور، التاريخي بدوره، وحيّ ركن الدين العريق. الخطوة التالية كانت اضطرار النظام إلى سحب وحدات كبيرة، ولكن منتقاة بعناية بالغة، من القوّات الموالية التي كانت منتشرة في الجولان المحتلّ (وبينها اللواء 90، في المثال الأبرز)؛ واستقدامها إلى محيط العاصمة وريف دمشق، ووضعها تحت تصرّف أركان الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري.

ليس أقلّ وضوحاً، على الجانب الآخر، لدى فصائل المعارضة العسكرية، ولكن تلك السياسية أيضاً؛ أنّ التهليل المبكّر لانتصارات «نوعية»، أو الحديث عن «تحرير العاصمة»، يمكن أن يتكشف عن درجة قاتلة من خداع الذات، واستيهام الانتصار، وانقلاب الكرّ المؤقت إلى فرّ مستديم!

صبحي حديدي – القدس العربي[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫4 تعليقات

  1. نسي الكاتب أن يشرح للقارئ بأن الحالة ستبقى على ماهي عليه ولفترة طويلة جدآ لأن هذا في مصلحة الأطراف الخارجية التي تصفق لنا على هذه المعركة الطويلة بيننا والتي لن تنتهي أبدآ لأنها تدمر الحجر والبشر . العصابة الحاكمة تنفذ مشروعأ مخططآ لها ألا وهو تدمير كل شئ جميل في سوريا والمعارضة رضيت بمساعدتها على التدمير . البنية التحتية تبنى من جديد والخسائر المادية يستطيع البشر تعويضها ولكن المشكلة الكبيرة والتي لانستطيع حلها هو الانسان وبناءه من جديد لقد أدت هذه الحرب والتي لم يبق كلب في العالم الا وتدخل في الأراضي السورية الى تدمير الانسان السوري و نسيج مجتمعه وبنائه من جديد سيستغرق أجيالآ وأجيال وحينها قد تكون سوريا قد محيت من الخارطة مع الأسف الشديد هذا هو الواقع فلا تجركم العواطف لن ينتصر أحد من الشعب السوري , الذي سينتصر هو المخططات الغريبة والعصابة الحاكمة التي ستنكفئ على نفسها في أية دولة في العالم تعطيها حق اللجوء

  2. القصة وما فيها هي معاهدة سايكس بيكو جديدة
    بين اللاعب الروسي واللاعب الامريكي
    نفط الشمال الى امريكا وغاز الساحل الى روسيا
    يعلم الامريكان والروس ان العرب ولا سيما السنة مهما طال الزمن سينقلبوا عليهم
    وان لعبة داعش ستنتهي ولا بد من لعبة اخرى
    اللعبة الجديدة هي دعم الحركات الانفصالية
    لذلك تسابقوا الى كسب ود الاكراد حتى ولو ضحوا بتركيا!
    لأن التفاحة الاصلية الذين كلهم ينتظروا وقوعها في الفخ هي في الحقيقة تركيا أو في الاحرى جنوب شرق تركيا
    المليء بالنفط
    لابد من منع تركيا من القيام من جديد وتحرير ثرواتها ومضايقها واعادتها الى ما قبل معاهدة لوزان

    وهكذا يتضح المشهد الكبير

  3. في ما يسمى الربيع العربي ، هرب حاكم تونس إلى السعودية و تنحى حاكم مصر عن منصبه و استلم نائب حاكم اليمن منصب الحاكم . حاكم ليبيا كان الوحيد الذي تشبث بالحكم حتى كانت نهايته صاخبة و مريرة . الشبيه بحاكم ليبيا هو حاكم سوريا الذي قال منذ بدايات الثورة أنه سيقاتل حتى آخر طلقة ، و قوله هذا يعني أنه سيقاتل حتى آخر نصيري و آخر شيعي قادرين على حمل السلاح.
    لذلك فما يحدث في دمشق متوقع و سيكون هنالك كر و فر و عمليات فدائية تتضمن الكثير من القنص وصولاً إلى آل الأسد و مخلوف و شاليش الذين لم نلاحظ مطلقاً نعي لهم في مواقع النصيريين أي أنهم لا يقاتلون لأنه يوجد من يقاتل عنهم.
    أي فصيل ثوري يمتنع عن القتال في تلك المنطقة يكون مرتهناً بتعليمات غرفة الموك الأمريكية ، و لقد صار معروفاً لأية دولة عربية يتبع بعض أفراد آل علوش مع اجترامنا للكثيرين من تلك العائلة.

  4. كلام بعض المعلقين بخصوص التطبيل والتهليل بتحقيق انتصارات شيئ سابق لاونه ولكن مالم تفهمه المعارضة والفصائل المسلحة هو الحديث عن هذه المعارك للاعلام وافقاد العمليات عنصر المفاجئة من اجل اظهار انفسنا اننا حققنا شيئ والبعض يعتبرها خيانة اذ لو بقي النظام على عماه لا يعرف مالذي يجري لكانت هناك انتصارات ولكن للاسف المعارضة سارعت للحديث عن عملياتها ومالذي ستفعله ونسيت ان النظام من اجل ان يدمرهم لن يتوانى عن تدمير دمشق معقله الاخير ليظهر بمظهر القوة ودوما نقول اننا نتعلم من اخطائنا لكن للاسف لم ولن تتعلم المعارضة المسلحة