صراع الأقطاب الثلاثي

دخلت حال العلاقات القطبية (الأميركية الروسية والأميركية الصينية) مرحلة مغايرة، ليس بسبب الضربة العقابية لقاعدة الشعيرات السورية بل لوجود إدارة أميركية اكثر تجانساً واتساقا في رؤيتها للملفات الاستراتيجية الأميركية.

فالرئيس الأميركي دونالد ترامب بات أكثر إنصاتا لنصائح جنرالاته داخل الإدارة، لذلك تراجعت حالة التنمر السياسي الروسي الصيني بعد إدراكه حدوده القصوى في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا.

فروسيا تصرح بضرورة التمسك بالحل السياسي في سوريا رغم حالة الإرباك الواضحة في المواقف الروسية، ولاسيما استقبالها وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في مطار فنوكوفو بالدخان الأسود “المفتعل”.

أما الصين، فقد استبقت القمة الأميركية الصينية في فلوريدا بوقف نسبي لواردات الفحم من كوريا الشمالية، وإلحاقه بقرار منع شامل لكافة واردات الفحم من حليفها الكوري إلى أجل غير مسمى، حسب قرار إدارة الجمارك الصينية والصادر بتاريخ 7 أبريل 2017.

هذا بالإضافة لتوجيهها إنذاراً شديد اللهجة لبيونغ يانغ بضرورة وقف استفزازاتها لإدارة ترامب العازمة على مواجهة تلك الاستفزازات بحزم أكبر. وللتأكيد على ذلك، فقد رفعت الولايات المتحدة من جهوزية قواتها العاملة في كوريا الجنوبية وإرسالها لمجموعة قتالية بقيادة حاملة الطائرات كارل فنسن.

ويرفض عملاقا أوروبا وآسيا خفض مستوى الضغط السياسي على الولايات المتحدة في فضاءات نفوذها التقليدية، إذ كانا يفضّلان إدارة ديمقراطية في البيت الأبيض بدل إدارة ترامب.

وتبدو حالة التزاحم على النفوذ جلية للعيان في ساحة مستباحة مثل سوريا اختياراً، لكنها غير ذلك في الشرق الأدنى وأفريقيا. فذلك التزاحم يمارس بأدوات تتفاوت بين الناعمة (اقتصادية) أو حروب بالوكالة كما هو الحال في ليبيا واليمن والقرن الأفريقي.

فاستباحة سوريا لم يكن بهدف استعراض الإرادات السياسية، بل لإنتاج جغرافيا سياسية جديدة من المتوسط إلى البلطيق.

فالبلقان لن يعوض روسيا خسارتها في البلطيق (لاتفيا وإستونيا)، في حين أن المتوسط ورقة استراتيجية في التزاحم الثلاثي على النفوذ في أفريقيا خصوصا بعد تراجع الدور الأوروبي خلال 16 سنه الماضية.

فالمتوسط هو المدخل الطبيعي لأفريقيا عبر مجموعة دول شماله الأكثر تأهيلاً من ناحية البنى التحتية، لذلك اعتمدت سياسة ترحيل الملفات تحقيقاً للحد الأقصى من الاستنزاف رغم كلفة ذلك إنسانيا وسياسيا.

أما أهمية إيران في معادلة الصراع الثلاثي على النفوذ، فهي ذات حيوية استراتيجية مزدوجة لكل من روسيا والصين في المناطق الثلاثة (الشرق الأدنى، الشرق الأوسط والقرن الأفريقي).

فإيران المندفعة سياسيا في الشرق الأقصى والأوسط توفر الغطاء السياسي اللازم لحليفيها عبر المنهجية المغامرة للنظام الإيراني الطامح عبر مشروع قومية الطائفة الشيعية إما بالتسيد السياسي المباشر أو بالاعتراف بحقه في الوصاية الروحية، مما يحقق ذلك الاختراق المطلوب دون كلفة سياسية مباشرة (إلا في الحالة السورية).

إلا أن إيران مرشحة للتحول للحلقة الأضعف في هذا التحالف على المدى البعيد، أو تحولها لإرث سياسي قابل للقسمة على كليهما في حال انهيار إيران.

عبد الله الجنيد – سكاي نيوز[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها