ضربتان للنظرية الأردوغانية

مؤخراً، تعرّض ما يمكن أن نسميه بـ «النظرية الثقافية – السياسية للأردوغانيين» ومن يؤمنون بها من عرب وتُرك، وربما كرد أيضاً، لضربتين مُتكاملتين. كان القصف الأميركي لقاعدة الشعيرات العسكرية السورية أولاهما، وخريطة توزع الرافضين للتعديلات الدستورية في الاستفتاء التركي الأخير ثانيتهما.

القصف الأميركي وجّه، بمعنى ما، ضربة للمُخيلة العامة لمناصري هذه النظرية. فهي تقول إن ثمة تحالفاً عميقاً واستراتيجياً بين القوى العالميّة الكبرى (المسيحية)، والأقليات المذهبيّة والدينيّة في منطقتنا. فالأولى تُساند الثانية وتتسامح معها في ارتكاب الفظائع بحق الغالبية السكانية (السُنيّة).

حفّز هذا الشقَ من النظرية خلال الأعوام الأخيرة عاملان بالغا التأثير. تمثل الأول في تحول حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) إلى حزب قائد للدولة التُركية، لكنْ مع استمرار تعاونه مع القوى التي كانت تُتهم بالتآمر على «المُسلمين السُنة»، سواء القوى العالمية أو العسكر الداخليين. لذا كان لا بُد من تحوير ما في النظرية التي كانت ترى القوى العالمية (المسيحية) مُتحالفة مع العلمانيين الأتراك لمُناهضة إسلاميي الداخل، لتحل محلها قراءة ترى تحالفاً بين نفس القوى العالمية والدول الإقليمية التي تحكمها أنظمة غير إسلاميّة- سُنيّة، وانه تحالف موجه ضد تركيا كلها. فتركيا باتت تمثل جوهر وهويّة الغالبيّة السُنيّة من خلال حكم حزب العدالة والتنميّة، وفق هذه النظرية.

الشق الآخر تمثل في تراكب السياسات الانعزالية الأوبامية والجرائم التي يرتكبها الأسد في سورية. فوفق تلك النظرية، كان الأسد يقتل السُنة السوريين لأنهم على هذه الهوية المذهبية، لا لكونه ديكتاتوراً يقود نظاماً مستبداً. كذلك، فالعالم كان مُتسامحاً معه لأنه يفعل ذلك بالمُسلمين السُنة، لا لأن العلاقات الدولية والإقليمية مُركبة بطريقة ومنطق أعمق بكثير من تحليلات الهوية هذه. كانت التفاعلات اليومية للحدث السوري مع التمدد والاتفاق النووي الإيراني والسياسات الصامتة لإدارة أوباما تُعزز ذلك.

على أن تلك النظرية الهوياتية لم تنتبه إلى، ولم تُبالِ بأن سياسة روسيا البوتينية كانت المُمارس الفعلي لسياسة تحطيم «الغالبية السُنيّة»، إلى أن حالت صفقات أردوغان مع بوتين دون ذلك. وهي كذلك لم تنتبه إلى حجم التناقضات والتباينات بين سياسات هذه الدولة الغربية وتلك، وبين آراء طبقة من هذا المُجتمع الغربي وآراء أخرى. هي لم تُميز بين سياسات دولة كفرنسا وأخرى كالولايات المُتحدة، ولا بين مناصري اليمين الفرنسي المتطرف ونظرائهم من اليساريين.

النتائج التفصيلية للاستفتاء التركي الأخير كانت ضربة أخرى لهذه النظرية. صحيح أن الاستفتاء حقق لأردوغان خطوة إضافية في مشروع تحوله إلى حاكم مطلق لتركيا، راهناً وفي المستقبل المنظور. لكنه كشف مدى التفتت الداخلي التركي على مستويات عدة. فالذين قالوا لا في الاستفتاء الأخير كانوا قرابة نصف سكان تركيا. وهم لم يقولوا ذلك لتباينهم السياسي مع أردوغان، أو بالأحرى لم يفعلوا ذلك بسبب تباينهم هذا. بل تصرف كثيرون منهم استجابة لكونهم كرداً أو علويين أو مدنيين علمانيين أو سكان مدن كبرى متأتين من خلفيات ثقافية وحياتية مُتباينة مع التي يعيشها مُناصرو أردوغان.

كانت حالة الاستفتاء الأخيرة مكملة لما فعلته الضربة الأميركية. ففيما أثبتت الضربة الأميركية أنه ليس ثمة «هُم» غربية واحدة ومُتراصة ودائمة، أكد الاستفتاء وهم الـ «نحن» الكبرى التي قد توجه ضدها «مؤامرة» ما.

كانت هذه النظرية الثقافية – السياسية سريعة في تحويل ما هو سياسي ويومي وحدثي، إلى ما هو هوياتي وجماعاتي وصراعي، وكذلك الأمر في التفكير الدينامي لجهة استدعاء أعماقٍ منطقية وتاريخيّة لها، وكذلك العمل على مأسستها ورفدها بطاقات إعلامية وخطابية وتربوية وسياسية. لكنها لم تتراجع بالسرعة والسويّة نفسيهما، حينما حدث ما يدحضها وينفيها واقعياً، كالضربة الأميركية والنتائج التفصيليّة للاستفتاء الأخير. ذاك أن الحاجة السلطوية للأردوغانية السياسية ما زالت تتطلب الكثير من مثل تلك النظريات العرفانية.

رستم محمود – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

6 Comments

  1. في عصر الانترنت لم يعد القارئ ذلك النخبوي الذي وصل الى مستوى معين او حتى متقدم من الثقافة والمعرفة بل يكتب للجميع لان المفترض ان الجميع يقرأ له ولا اعتقد ان اي كاتب يحترم نفسه قبل ان يحترم الاخرين يكتب باسلوب يصعب حتى على النخبة ان يفهموه
    رغم سطحية التفكير في طرح ما قدمه الكاتب وما ابتدعه من وهم او اوهام وربما جهل او تجاهل لحقائق ابتعد عنها او واربها وزاد في التعقيد باسلوب غير محبب وبشكل لا يستحق التقدير فاني تذكرت سيد شعراء سوريا بل وربما العرب لفترة طويلة من الزمن عندما سأله احد الصفحيين لمن تكتب فقال الشاعر الكبير
    انا اكتب للمواطن العربي ولو وجدت عربيا واحداً لم يفهم ما كتبت لذهبت اليه معتذرا
    رحم الله نزار قباني وكم احتجنا اليه في محنتنا هذه

  2. مقال سخيف لا يغير من الحقائق التي اصبحت واضحة والتي لا تحتاج إلى عبقرية أو ثقافة كبيرة لمعرفتها.
    امثله:
    – هل ضرب ترامب للمطار -والذي كان لغايات بعيدة كل البعد عن محاسبة هذا المسخ- يلغي حقيقة أن كل الشلة مع ابن الحرام.
    – هل وجود نسبة كبيرة من معارضي التعديلات الدستورية في تركيا يعني ضربة لصاحبها، اعتقد ان الكاتب يريدها على شاكلة ما يراه في بيئته هو.
    انا لست من المغرمين باردوغان ولكن كل الاتراك حتى المتواجدين في أوروبا – أصحاب الحق في انتقاد رئيسهم- يعتبرون الرجل حول تركيا إلى بلد متقدم.
    فماذا قدم الكومجية العرب لبلدانهم وماذا قدموا للشلة؟

  3. سؤال إلى الكاتب أو المحلل السياسي كاتب المقال أعلاه ، بربك , إيدي بزنارك لما كتبت هذا المقل و بعد ماكتبته قرأته فهمت منه شي؟ بالله عليك خبرني .

  4. إصطلاح (النظرية الهوياتية) الوارد في هذا المقال كثتييير كول . ياريت اكتشفوه و دحشوه في كتب التربية القومية لحتى تكمل الكولكة و العلاك المصدي .