أحسنوا تربية أصدقاء أبنائكم!

عندما حدث الانفجار المعلوماتي بفعل انتشار الإنترنت، قبل سنوات قليلة مضت، تكالبت المقالات والأبحاث والكتب التي تعلن: (موت المدرسة) أو التمدرس، باعتبار أن امتياز احتكار المعلومة قد انتقل في اتجاه معاكس من يد المعلّم إلى إصبع الطالب.

كانت هناك مقاومة ضارية ضد ذلك الإعلان التشاؤمي تقول أن دور المدرسة لا ينحصر في التعليم فقط، بل في ما هو أهم من ذلك، في التربية التي لا يمكن معلومات الإنترنت أن تملأ مكانها. وإن تمسَّك البعض بالمفهوم التقليدي لتوزيع المهمات التنشيئية: إذ يتولى البيتُ التربية، وتتولى المدرسةُ التعليم.

الآن، وبعد انتشار التطبيقات الجديدة لوسائل التواصل الاجتماعي بين الفتيان والشباب تغيّرت المعادلة تماماً، إذ لم يعد التعليم ولا التربية بيد المدرسة ولا البيت، بل بيد مشاهير الإعلام الجديد والشخصيات المؤثرة فيه.

باتت المقاطع اليومية، بل اللحظية التي يبثها (السنابشاتيون) هي (الحصص) التي يواظب على حضورها الشباب، بل والانغماس في أجوائها ودقائقها الإيحائية، من دون جدران أو أسوار تحيط بهذا التمدرس الافتراضي اللاواعي.

شاهدتُ، بمنتهى الهلع والقلق، فيلماً تبثه إحدى وسائل الإعلام الجديد يتحدث عن فوائد تعاطي الحشيش والماريوانا، وآثارها الفعالة في مكافحة السرطان وأزمة الربو وتساقط الشعر والضعف الجنسي ونوبات الصرع وارتفاع السكر في الدم ومرض الزهايمر، كما تساعد في خفض الوزن وفي الوقت ذاته تساعد في فتح الشهية (هكذا قال التقرير!).

التقرير عُرض بطريقة مشوقة وسلسة، لا بد أن خلف تمويله ورعايته تاجر مخدرات ذا حس إعلامي وإعلاني رفيع!

وحتى يكتسب التقرير صدقية مخادعة، فإنه يختتم بالقول: «لكن، لا تنس فالحشيش يسبب الإدمان أيضاً».

تقريرٌ مثل هذا، لا تتجاوز مدته دقيقة ونصف، سيُبْطل مفعول حصص دراسية عدة، وحملات مكافحة مخدرات حكومية متينة، وقد يعطّل مفعول توجيهات أبوية متوالية من الوالدين في البيت. سيتم ذلك تحت حجة سلوكية شاعت الآن بلا حدود، هي: التجريب، «لا تقبل أيها الشاب العصري أن يفرض عليك أحدٌ أيَّ منع أو توجيه أو تحذير، بل (جرّب) أنت بنفسك ثم قرّر». قد ينفع هذا المبدأ السلوكي لتحديد الموقف من أشياء كثيرة، لكنه للأسف لا يصلح للمخدرات.

أسوق هذا النموذج الترويجي المثير للقلق، كي أستدلّ به على أن أركان التأثير التربوي الثلاثة: البيت، المدرسة والأصدقاء، قد تغيّر حجم تأثيرها ونفوذها، ففي حين ضَعُف تأثير البيت والمدرسة، فقد ازدادت قوة الأصدقاء – الشركاء في اختيارات رموز ومقاطع (السوشيال ميديا).

في ظل ضَعف قدرتنا على تربية أبنائنا، فلنعوّض ذلك بتربية أصدقائهم (!) من خلال محاولة حُسن اختيارهم.

زياد الدريس – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد

  1. لعلي كنت مدرسا في العصر الذهبي للمدرسة واشكر السيد زياد لهذه اللفتة الكريمة ولكني متشائم من كثرة ونوع ما اراه من سلوكيات الاهل قبل الابناء واقول على من تقرأ مزاميرك يا زياد
    والموضوع عالمي ولكن مصيبتنا في الامة العربية مضاعفة ذلك ان في الدول المتقدمة يوجد نخبة صالحة واعية تدير البلاد مهما كانت المؤثرات والصعوبات وتستطيع ان تحافظ على البلد والناس مهما اشتدت الاخطار
    اما بلادنا فيقودها للاسف نخبة الاغبياء والفاسدين والذين لو كان المجتمع صالحا لافسدوه ولنا امثلة كثيرة يعرفها الجميع فيا للمصير الذي ينتظرنا وان كنا نرى نماذج صاعقة ليس اقلها ما يجري في سوريا الحبيبة