” حزب الله ” في مسلسل سعودي .. و ” باب حارة ” للفن التشكيلي السوري

 

 

تظهر ممرضة سيئة الخلق في مسلسل فينتفض قطاع الممرضات بأكمله في بلد ذلك المسلسل، معترضاً على تصوير الممرضات كمسيئات. وكذلك الأمر حين يسيء معلم في مدرسة سيثور المعلمون، ونقاباتهم، ورابطة المعلمين القدماء.. كلهم سيشعرون بالجحود من تلاميذهم وهم يقابلون مكرمة التعليم بتصوير المعلم صاحب الفضل العظيم على ذلك النحو المشوّه.

لا ندري من أين تأتي العصمة لمهن ومناصب بعينها، مع أن التاريخ، وربما الإحصاءات، يثبت عكس تصوراتنا، حيث أفظع الجرائم ارتكبها ملوك ومتحدرون من أصول نبيلة، وقد نجد في التراجيديا الإغريقية مثالاً، حيث ميديا التي قتلت أبناءها الثلاثة انتقاماً من زوجها بسبب خيانة.

إنه التعميم القاتل، الرغبة في الاستنتاج أن ذلك السوء لم يخرج عن شخص بعينه، بل بما يمثله من موقع أو وظيفة.

لقد حدث شيء من هذا القبيل عندما غضب المغاربة أخيراً من الممثل المصري عادل إمام بسبب مشهد في مسلسله الرمضاني «عفاريت عدلي علام»، وقد ورد فيه على لسان ممثل، مخاطباً الممثلة (هالة صدقي): «انت اتعمل لك عمل بالتفريق، واستحالة العشرة، العمل ده شديد قوي، اللي عمله راجل مغربي من مراكش،.. ولازم (نقوم) بعمل جلب الحبيب».

العبارة أثارت أهل المغرب فرأوا أن ذلك يقع في إطار تشويه صورة الشعب المغربي، ولصق تهمة الشعوذة والسحر به. كذلك فعل المذيع وائل الأبراشي حين اعتبر أن الحق مع المغاربة في ذلك، متحدثاً عن العلاقة القوية بين الشعب المصري والمغربي، ما يعني، على ما يبدو، ضرورة ترميم الكسر الذي أحدثه عادل إمام، نجم المسلسل.

لا شك أن تصرفاً لشخصية تنتمي إلى مهنة أو شعب لا يعني أن أصحاب المهنة، أو الشعب الذي تنتمي إليه الشخصية، كلهم سيتصرفون على ذلك النحو في ظرف مماثل.

كذلك لا يمكن النظر إلى عبارة ترد على لسان إحدى الشخصيات باعتبارها وجهة نظر العمل الفني أو الأدبي. فالعمل يؤخذ بمجمل عناصره لا بعنصر واحد أو عبارة.

ثم، لنعترف، إن صورة السحر المغربي راسخة في مخيلة شعوب المنطقة، قد تكون تلك المخيلة على ضلال، فمن الواجب عندها دحض تلك المخيلة بالبحث والإقناع لا بالهيجان، مع أن تلك الصورة عن السحر المغربي لا تعني أبداً أن كل مغربي هو ساحر بالضروة.

وبالمناسبة، كيف ينظر الأشقاء المغاربة إلى شخصية عطيل المسرحية الشكسبيرية الشهيرة، حيث يوصف الرجل بـ «المغربي»، هل هو قاتل بنظرهم، مجرم، حيث قتل زوجته ديزدمونة لمجرد حومان الشك في صدره، أم أنه فحل نبيل ذو همة ونخوة؟

زواج ليبرالي

مع أن الحلقة المعنونة بـ «زواج ليبرالي» من مسلسل «سيلفي» لنجم الكوميديا السعودي ناصر القصبي تطرّقت في معظم مفاصلها لاسم «حزب الله» اللبناني، إلا أنه لا يمكن اعتبار الحزب موضوعاً للحلقة، ولا تزعم الحلقة أنها تسعى إلى تصنيف أو كشف الغطاء عن «حزب الله»، بل ترمي إلى كشف الغطاء عن هشاشة الليبراليين العرب، وكم أن الليبرالية مجرد قشرة تخفي وجهاً طائفياً عند مختلف الأطراف».

تتحدث الحلقة عن صديقين ليبراليين (يتحدران من أصل شيعي وسني) يعملان في الصحيفة نفسها، وحينما ينوي أحدهما التقدّم لخطبة ابنة الثاني لابنه سيصطدم بتحذيرات تقول إن والد الخاطب شيعي وما ليبراليته سوى قناع، وإلا لماذا لم يكتب في تاريخه كلّه كلمة ينتقد فيها «حزب الله»!

هنا يحاول الصديق اختبار صديقه الشيعي بأن يحضّه على انتقاد الحزب في مقال، وحين يرفض صديقه الكتابة، متذرعاً بأنه لا يقبل أن يملى عليه ما يكتب، ستكون نهاية تلك الرفقة، وسيجري تزويج البنت لابن عمها الذي ادّعى أنه ليبرالي للفوز بقلب البنت. لكن العريس الجديد في ليلة الزفاف يصدم زوجته، الليبرالية، ابنة الليبرالي، بأنه انقلب على ليبراليته، يقول: لقد انقلب هؤلاء على ليبراليتهم وهم فيها منذ عقود، فكيف لا أنقلب أنا الذي لم أنتمِ إليها إلا منذ أسبوع فقط؟

أثناء الجدل يأتي ذكر «حزب الله» مراراً، عبر توصيفات مثل «إرهابي قليلاً»، «حزب متخلف»، «عليه أن يتحول إلى حزب سياسي».. لكن لا يمكن بأي حال اعتبار تلك التوصيفات على أنها وجهة نظر المسلسل، إنها فقط ضرورات الحوار الدرامي.

سوى أن الزميلة نور حداد، في برنامج يتناول دراما رمضان على قناة «الأورينت» تناولت الحلقة وكيف أنها تطرقت بـ «حنان» إلى وصف «حزب الله». قالت «الطرح كان خجولاً قليلاً بإظهار إرهاب «حزب الله» مقابل الضخّ الهائل بالقنوات عن إرهاب الجماعات المتطرفة»، وهي كانت أشارت في حلقة سابقة إلى مسلسل «غرابيب»، ومقصدها هنا فظاعة تصوير أهل السنّة مقابل التصوير الحنون لـ «حزب الله»!

غريب بعض الشيء تحميل القصبي أوزاراً لا طاقة له بها، ولا يمكن اعتباره مسؤولاً عن كمية التشدّد في «غرابيب» مقابل «رخي الحبل» في حلقته «زواج ليبرالي».

باب حارة الفن التشكيلي

«لا يجب أن نضع «باب الحارة» في خانة غير خانته، فهو مسلسل للتسلية وتمضية الوقت لا أكثر. لا يدعي التوثيق التاريخي، وإن وضعوا إطاراً تاريخياً لمجريات أحداثه». هذه كلمات كتبها فنان تشكيلي سوري، رداً، على ما يبدو، على السخرية والانتقاد الواسع الذي يلقاه المسلسل السوري الشهير.

لم أنوِ التعليق على المسلسل البتة، ولا رغبة لدي بمشاهدته على الإطلاق، ذلك أن الهزل فيه وصل قاعاً لا قاع له، والرداءة فيه غير مسبوقة، إن لم نقل إنها تسابق نفسها. إنه علامة من علامات الانحطاط، وعادة لا يكون واجب النقد أن يقول للرديء بأنه رديء، إذ من المفترض أن يكتفي بمهمة التمييز بين الجيد والأجود، لكن فقط حين يتحدث فنان تشكيلي بهذا الاستخفاف سيكون «باب حارة» آخر قد انفتح في مكان غير مألوف، في فضاءات الفن التشكيلي (لا أدري أي مصادفة في أن أقرأ مقابلة صحافية للفنان التشكيلي نفسه على موقع وكالة أنباء النظام السوري، فأقول لنفسي، هذا هو إذاً، فلا غرابة).

هل نحتاح أن نفسّر للفنان التشكيلي أنه حتى الأعمال التي يقصد منها التسلية والتهريج لها أصول، أو منطق ما يحكمها. وأن مسلسله قد خرج عن أي منطق!

لا يكتفي الفنان، الناقد التشكيلي أن يؤمن بهذا الانحطاط، إنه لا يخجل من الدفاع عنه. يريد أن يلقننا درساً في قبول الرداءة، خصوصاً حين يختم بالقول: «في كل فترة عصيبة، ندافع عن واقعنا المزري باختلاق أعداء تسهل محاربتهم والانتصار عليهم كصناع هذا المسلسل»!

أخي التشكيلي، اعلم إذاً أن هذا المسلسل بالذات هو علامة من علامات من واقعنا المزري. بعض النقد والفن كذلك أيضاً.

راشد عيسى – القدس العربي

 [ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫6 تعليقات

  1. قد يتساءل كثير من الناس لماذا لا ينتقد السوريون مسلسل باب الحارة لان القسم الاكبر منهم وانا وكل عائلتي جزء منهم لا يتابعون هذا المسلسل الذي نسمع بعضهم يتحدث عن سخافته وانحداره الاخلاقي والفني وحتى اخراجه وتمثيله

    1. مشكلة باب الحارة الأساسية هو الإنتقاص القوي لقيمة المرأة السورية وبرأي المتواضع يكفي الإستغناء عن الحجاب والبرقع لتتغير نظرة الرجل للمرأة نحن كسوريين أرقى من أن نعامل المرأة كجارية أو عاهرة. أستغرب كيف بلد عاشت فيها زنوبيا تصبح بهذا الشكل، ألم يحين الوقت لكي نفهم أن العثمان أرجعوا بلادنا دهور؛ منذ متى نساؤنا تتحجب!!

    2. نحن بالقرن الواحد والعشرين يا أخي ولا تشبه شعبان برمضان أرجوك.