ترامب في سوريا : إضعاف إيران و استمالة روسيا
خمس ضربات أميركية خلال فترة شهر في محيط قاعدة التنف قرب الحدود السورية – العراقية استهدفت النظام السوري وميليشيات محسوبة على طهران، أولها في ١٨ أيار (مايو) الفائت تزامن مع إجراء واشنطن محادثات سرية مع روسيا في الأردن حول إنشاء مناطق للتهدئة جنوباً.
جلوس المفاوض العسكري الأميركي مع نظيره الروسي في نفس الوقت الذي كانت طائراته تستهدف قوات موالية لإيران (لحقها استهداف قوات النظام السوري وطائرة سوخوي ٢٢ وأخرى استطلاعية)، يلخص الاستراتيجية الحالية لإدارة دونالد ترامب في سورية. فظِلُ إضعاف إيران وقطع الطريق عن ممر عراقي – سوري – لبناني لها يهيمن على تحركات وأفكار مجلس الأمن القومي الأميركي الجديد، فيما يبقى السعي لإبعاد موسكو عن طهران أولوية للإدارة في مقاربتها للحل السياسي والتحركات العسكرية في النزاع.
إضعاف إيران لا يعني بالضرورة خوض مواجهة عسكرية مباشرة معها في سورية. فاليوم إيران تحارب بميليشيات عراقية وسورية ولبنانية وهي ليست بحاجة ولن تقدم على مواجهة عسكرية مباشرة ضد أقوى جيش وطيران حربي على وجه الأرض. أما واشنطن فهي تعول على تحالف كردي- عربي أي «قوات سورية الديموقراطية» لزيادة نفوذها في الطريق لهزيمة داعش وما بعد ذلك. وهي، أي الإدارة الأميركية، كما أكدت في البيانات الخمسة التي لحقت الضربات الجوية في محيط التنف، لا تسعى إلى مواجهة مع الأسد أو قوات موالية للنظام، إنما «لن تتردد في الدفاع عن التحالف أو القوات الشريكة لدى تعرضها لأي تهديد».
أميركياً، هذه اللهجة من الفريق الدفاعي لترامب تختلف عن نبرة الرئيس السابق باراك أوباما والذي تفادى لسنوات إغاظة اللاعب الإيراني في سورية خوفاً من ارتدادات عكسية على المفاوضات حول الاتفاق النووي، وأيضاً خوفاً من استهداف طهران لقوات أميركية خاصة وتدريبية في العراق وسورية. اليوم، استبدل هذه الحسابات هوسٌ بالتصدي لإيران داخل البيت الأبيض. فمستشارو ترامب معظمهم من خريجي الدفعات العسكرية في حرب العراق بينهم مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر ومساعديه ديريك هارفي وجول رايبرن، ووزير الدفاع جايمس ماتيس. ولكل منهم تجربة مع تفجيرات إيرانية الصنع استهدفت الجيش الأميركي أو صواريخ تم توجيهها إلى المنطقة الخضراء.
هذا لا يعني بالضرورة وجود استراتيجية متكاملة لترامب للتصدي لإيران عدا عن التكتيكات الأولية وحماية القوات المتحالفة مع واشنطن والتي تحارب داعش. وهو ينسجم مع أولويتي ترامب في المنطقة بالتشدد حيال طهران وهزيمة ما يسميه الرئيس الأميركي بـ «الإرهاب الإسلامي المتطرف».
وفِي هذه المعركة في سورية، غضت واشنطن النظر عن مصير الرئيس السوري بشار الأسد، وهي تحاول استمالة اللاعب الروسي. فبعد إسقاط السوخوي الأحد الفائت، حرصت واشنطن على تهدئة موسكو التي لوحت بقطع قناة عدم الاشتباك مع الجانب الأميركي. هذه القناة وعلى الأقل الجانب الهاتفي منها ما زال مفتوحاً كما قال رئيس هيئة الأركان في الجيش الأميركي جوزيف دانفورد. في وقت يسعى البيت الأبيض والخارجية الأميركية تخفيف حدة التشنج مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإقناع الكونغرس بالتراجع عن سلة العقوبات الجديدة التي سيفرضها على روسيا وإيران في مشروع قرار واحد.
السعي إلى التقارب مع روسيا في سورية هو نتاج عاملين، الأول الخوف الأميركي من تصعيد أكبر مع موسكو تكون له انعكاسات وخيمة أبعد من الشرق الأوسط وتصل القارة الأوروبية. وثانياً انطلاقاً مِن قناعة تبنتها إدارة أوباما وبعدها إدارة ترامب بأن مفتاح الحل السياسي في سورية هو في موسكو، وأنه لا وجود لتضارب في المصالح الاستراتيجية بين القوتين في حال وافق الكرملين أو بقِيَ على الحياد في حشر واشنطن لإيران إقليمياً.
جويس كرم -الحياة[ads3]