6 كتل سياسية ستتمثل في البوندستاغ للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية .. ألمانيا و لوحة التحالفات التجريدية المقبلة
قبل شهرين فقط من الانتخابات العامة، تبدو خريطة التحالفات السياسية المقبلة في ألمانيا مثل لوحة تجريدية يمكن للناخب أن ينظر إليها من عدة جهات. ويبقى التحالف المسيحي، بين الحزب الديمقراطي المسيحي وشقيقه البافاري، الاتحاد الاجتماعي المسيحي، أكبر القوى السياسية في ألمانيا بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، لكن الشكوك تدور حول إمكانية تشكيله أكثرية حاكمة مع حليفه التقليدي الحزب الليبرالي.
لأول مرة ينشر معهدان شهيران نتائج استطلاعاتهما لهذا الشهر في يوم واحد وبفارق في النتائج يصل إلى 2 في المائة. ويكفي هذا الفارق بالطبع لتغيير الألوان في لوحة التحالفات الحكومية الممكنة بشكل حاسم. وهذا هو أول اختلاف من نوعه في تقديرات المعهدين منذ عقود، لكنه يكشف عن صعوبة التحالفات المقبلة في برلمان تشير جميع التقديرات إلى أنه سيتألف من 6 كتل برلمانية (المحافظون، والاشتراكيون، والليبراليون، والخضر، واليسار، وحزب البديل لألمانيا) لأول مرة في تاريخ ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية.
وتكشف نتائج استطلاعات الرأي من معهد «فورسا»، لصالح مجلة «شتيرن» وتلفزيون «آر تي إل»، عن أن تحالف المحافظين مع الليبرالين سينجح في تشكيل حكومة أغلبية، وأن الاشتراكيين بلا أمل، في حين تظهر نتائج استطلاع معهد «اللينزباخ» أن قدرة هذا التحالف على تشكيل الحكومة المقبلة تقف على حافة سكين، بعد أن حقق الاشتراكيون تقدماً بنقطتين.
وبالأرقام ظهر من استطلاع فورسا أن التحالف المسيحي سيحقق بمفرده نسبة 40 في المائة تاركاً للاشتراكيين نسبة 22 في المائة وللليبراليين نسبة 8 في المائة، ولليسار نسبة 9 في المائة والخضر نسبة 8 في المائة، ولحزب البديل لألمانيا نسبة 7 في المائة. وعلى هذا الأساس يحقق تحالف المحافظين نسبة 48 في المائة مقابل 46 في المائة لجميع القوى الأخرى. وقال مانفريد غولنر، رئيس معهد فورسا، إن الاشتراكيين لن يفوزوا إلا «بمعجزة»، وإنهم تقريباً بلا حظ ولن يتمكنوا من تقليص الفارق خلال شهرين فقط.
من ناحية أخرى، يمنح معهد اللينزباخ المحافظين نسبة 39.5 في المائة (أي بأقل 0.5 في المائة عن الشهر الماضي)، ويمنح الليبراليين نسبة 9 في المائة. وتعود النتائج السلبية في هذا المعسكر إلى خسارة الليبراليين لـ2.5 نقطة وفق هذا الاستطلاع. لكن استطلاع المعهد الأخير منح الاشتراكيين نسبة 25 في المائة أي بزيادة 2 في المائة عن الشهر الماضي، بمعنى أنه قلص الفارق مع المسيحيين إلى 14 في المائة فقط. وينال اليسار نسبة 9 في المائة بحسب هذا الاستطلاع ويبقى ثالث أقوى كتلة برلمانية في البرلمان (البوندستاغ)، وينال الخضر7 في المائة، وحزب البديل لألمانيا 7 في المائة.
وعلى هذا الأساس يحقق تحالف المحافظين والليبراليين نسبة 48.5 في المائة مقابل نسبة 48 في المائة للآخرين. ولما كان المعهد يقدر الفارق المحتمل عن نتائج الانتخابات المقبلة بـ(زائد ناقص) 2.5 في المائة، فإن حكومة الغالبية المحافظة – الليبرالية قد لا تتحقق، وربما يضطر الجميع إلى دراسة خريطة التحالفات من جديد.
ومعروف أن الألمان يمنحون التحالف المسيحي اللون الأسود، وللاشتراكيين اللون الأحمر، وللخضر لونهم التقليدي، ولليبراليين اللون الأصفر، ولليسار الأحمر القرمزي، ويتركون اللون البني للأحزاب الشعبوية القريبة من النازية مثل حزب البديل لألمانيا. ويمنحون على هذا الأساس تحالف المحافظين مع الليبراليين والخضر اسم «تحالف جامايكا» (علم جامايكا في البحر الكاريبي)، ويمنحون تحالف الاشتراكيين والليبراليين والخضر اسم «تحالف إشارات المرور»، وتحالف الاشتراكيين واليسار والخضر اسم تحالف «الأحمر – الأحمر – الأخضر». وفي ظل رفض الجميع التحالف مع حزب البديل لألمانيا، ورفض المحافظين ومعظم الاشتراكيين التحالف مع اليسار، لا يبقى أمام الحزبين الكبيرين سوى بدائل قليلة. ربما يتكرر نموذج التحالف الكبير بين المحافظين والاشتراكيين مجدداً، لكن تحالف «جامايكا» بين المحافظين والليبراليين والخضر غير مستبعد، خصوصا أن ألمانيا شهدت تشكيل حكومات محلية في الولايات بين المحافظين الخضر. وربما أصبحت شوارع الانتخابات الألمانية مزدحمة جداً ولا تتحمل تشكيل حكومة «تحالف إشارات المرور» بين الاشتراكيين والليبراليين والخضر، كما أنها لن تتحمل انضمام لون آخر هو الأحمر القرمزي. لأن النسب التي ينالها تحالف أضواء المرور لن تكفي بأي حال لتشكيل حكومة أغلبية دون مشاركة حزب اليسار.
ولا تبدو إمكانية التحالف «الأحمر – الأحمر – الأخضر» واقعية، خصوصا أن مثل هذا التحالف بحاجة فعلاً إلى «معجزة» كي يتحقق. وربما يحقق المرشح الاشتراكي مارتن شولتز معجزة ويحصل على أصوات من لم يقرروا أمرهم بعد، وهؤلاء يشكلون 23 في المائة من الألمان بحسب معظم استطلاعات الرأي، خصوصا أن أصحاب الدخل المحدود والعاطلين عن العمل يشكلون الجزء الأكبر من أصوات من لم يحسموا أمرهم بعد، بحسب معهد الدراسات الاقتصادية الألماني. ونشر المعهد دراسة تقول إن معظم ضعيفي الدخول هم من ناخبي حزب اليسار والحزب الديمقراطي الاشتراكي.
وعلى أي حال، تكشف دراسة معهد الدراسات الاقتصادية الألماني المذكورة عن أسباب تراجع الحزب الديمقراطي الاشتراكي في السنوات الأخيرة. وهي دراسة قرأت التغيرات في خريطة ناخبي الأحزاب الألمانية خلال السنين الـ16 المنصرمة. وتظهر الدراسة أن السبب الرئيسي وراء تراجع ناخبي الحزب هو فقدانه دعم النقابات العمالية، حيث صار حزب اليسار ينافسه فيها. ويتركز ناخبو الاشتراكيين اليوم في صفوف المتقاعدين والموظفين.
والجديد هنا هو دخول ذوي الدخول العالية في لوحة ناخبي حزب الخضر إلى جانب عمال قطاع الخدمات. وإذ يفضل الفقراء والعاطلون انتخاب حزب اليسار، ينفرد حزب الخضر بحقيقة أن أغلبية ناخبيه من النساء. (صحيفة الشرق الأوسط)[ads3]