تخيفهم الطائرات و طاقمهم الطبي مرهق .. هكذا يعيش نزلاء مستشفى الأمراض النفسية و العقلية الوحيد في الشمال السوري ( صور )
تنتظر مرضى عراة في مجموعات ان يحين دورهم الواحد تلو الاخر للحلاقة والاستحمام داخل مستشفى للأمراض النفسية والعقلية، هو الوحيد من نوعه في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في شمال سوريا، ويشهد منذ 2011 ازدياداً في عدد رواده.
ويوؤي المستشفى وهو عبارة عن مبنى حجري من ثلاثة طوابق في مدينة #اعزاز في شمال حلب، 139 مريضاً بينهم 32 امرأة.
يتقاسم الرجال ويرتدي عدداً منهم قمصاناً زرقاء مساحة واسعة من الطابق الثاني. في احدى القاعات، يصرخ رجل بغضب ويغني ثان بصوت مرتفع ويفتح فمه حتى يظهر كامل فكه العلوي الخالي من الاسنان. ويقف ثالث قرب صورة قلب مرسوم على الحائط والى جانبه كلمة “حب” بالانكليزية.
ويبدو الوضع اكثر هدوءاً في الطابق الأول المخصص لنساء من مختلف الأعمار، يرتدي معظمهن زياً موحداً ابيض اللون تزينه ورود رمادية، وبالقرب منهن مريضة يداها مكبلتان الى بسرير تتمدد عليه في احدى زوايا الغرفة.
ويعد هذا المستشفى الذي يضم باحة كبيرة يخرج اليها المرضى لممارسة الرياضة وقضاء الوقت، الوحيد المتخصص بالامراض النفسية والعقلية في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في شمال سوريا، الى جانب المرضى المقيمين فيه، يعاين المستشفى يومياً قرابة اربعين مريضاً.
ويوضح الطبيب النفسي ضرار الصبح (46 عاما) المشرف على علاج المرضى، لوكالة فرانس برس ان أكثر الحالات التي يعاينها “ناتجة عن ظروف الحرب”.
ويقول “غالبية المرضى مصابون باضطرابات ما بعد الصدمة والتأقلم والقلق وثنائي القطب بالاضافة الى الاكتئاب والذهان (انفصام الشخصية)”.
ومن بين الحالات المؤثرة التي يعاينها هذا الطبيب فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً ترتاد المستشفى كل أسبوعين يقول انها “رأت طفلاً صغيراً مقتولاً وتأكله الحيوانات” قرب منزلها و”تعرضت للصدمة وفقدت النطق وباتت لا تنام ولا تأكل (..) وتحاول تجنب كل شيء”.
ويتحدث الطبيب كذلك عن رجل في مطلع الخمسينات من عمره، قام بدفن زوجته واولاده الستة بعد قصف استهدف منزله في مدينة الرقة (شمال) نهاية العام 2016.
ويشرح ان المريض الذي يراجعه منذ اشهر “يعاني راهناً من صعوبة في النوم وتذكر الحادث ودوماً تأتيه الأفكار على شكل كوابيس”.
واذا كانت بعض الاضطرابات موجودة قبل الحرب، الا أن ثمة امراض اخرى فاقمها النزاع المستمر منذ اكثر من ست سنوات.
ويؤكد الطبيب وهو يقلب صفحات دفتر دوّن عليه ملاحظات واسماء، ان “عدد المرضى ازداد منذ بداية الحرب، خصوصاً الذين يعانون من الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة واضطرابات التأقلم”.
وفي هذا الصدد، يشرح الممرض محمد منذر (35 عاماً) انه مع اندلاع التحركات الشعبية ضد النظام السوري في العام 2011، “كان يأتينا مرضى معتقلين في فروع الامن، يعانون امراضا نفسية كالرهاب نتيجة تعذيبهم وضربهم خصوصا على الرأس”، ويوضح: “باتت تأتينا حالات لا تستطيع تحمل صوت الطائرات الحربية”.
قبل مدينة أعزاز، كان مقر المستشفى الذي بدأ عمله في العام 2011 في حي مساكن هنانو في مدينة حلب.
ويوضح المشرف الاداري على المستشفى محي الدين عثمان أنه مع اندلاع المعارك بين فصائل المعارضة وقوات النظام في حلب بدءا من العام 2012 “تعرض المشفى للقصف ما تسبب بإصابة أحد الممرضين”.
واضطر الطاقم الطبي مع اشتداد حدة المعارك في الحي، وفق محي الدين الى ترك المستشفى ما ادى الى “تسرب جزء من المرضى نتيجة ذلك الى الشوارع”.
وتولى عدد من اهالي المنطقة إعادتهم إلى المستشفى، وابلاغ منظمة “أطباء عبر القارات- تركيا” التي تعمل في المجالين الاغاثي والطبي. ووافقت الاخيرة على دعم المستشفى وتولت نقل المرضى الى غرب محافظة حلب حيث بقوا لأسبوعين قبل وصولهم الى اعزاز في العام 2013.
وطيلة السنوات الاخيرة، بقي المستشفى بمنأى عن الغارات والقصف الذي لطالما استهدف مدينة اعزاز، الامر الذي أتاح للطاقم الطبي تقديم الرعاية اللازمة للمرضى وتقييم الحالات.
رغم الامكانيات المحدودة والنقص في الأدوية والاعتماد على المساعدات ومساهمات منظمة الصحة العالمية احياناً او اللجوء الى بدائل في السوق المحلي او في تركيا المجاورة، يناضل الطاقم الطبي لمساعدة بعض الحالات وخصوصاً اولئك الذين يعانون من اكتئاب شديد.
ويتذكر الصبح مريضاً كان يرتاد المستشفى بشكل دوري، ويقول “سألته في احدى المرات عن الانتحار واجاب انه لا يفكر في ذلك، بعد 15 يوما أقدم على الانتحار بمسدس”.
ويقر الطبيب بحجم الضغوط التي يعيشها الطاقم الطبي. ويقول “هناك ارهاق نفسي، وأحياناً نتعرض للضرب والشتم” مضيفاً انه لمواجهة هذه الحوادث “نأخذ أحياناً اجازات ونبتعد بضعة ايام لكي نعود نشيطين”.
ومع ازدياد اعراض الامراض النفسية جراء الحرب، يحاول الطاقم الطبي وفق منذر “نشر الوعي في محيطنا (…) والتوضيح ان الامراض النفسية شأنها شأن الامراض العضوية”.
ويشرح الصبح انه جراء الحرب بات هناك الكثير من الحالات النفسية التي تحتاج الى العلاج والمتابعة.
ويقول “وجود مركز علاجي في المنطقة هو ناحية إيجابية” مضيفاً “هناك إقبال على المركز من السكان ولم يعد الأمر يُعتبر علامة ضعف”. (AFP)
[ads3]