نورمبرغ .. مدينة تختصر تاريخ ألمانيا
عندما نتحدث عن مدينة نورمبرغ الألمانية قد يتذكر البعض السجق المقلي، أو البسكويت بالزنجبيل الحار، أو سوق عيد الميلاد، وهي الأشهر على مستوى العالم التي تجرى في نورمبرغ. قد يتذكر البعض الآخر محاكمات نورمبرغ ومدينة سوء المعاملة على أيدي النازيين، حيث كانت تحتضن أكبر تجمعات الحزب النازي. البعض الآخر قد يعتبرها مدينة النهضة ذات المكانة الرفيعة، وهي أنجبت الكثير من الفنانين ورجال العلم.
ربما هي كل تلك الصور، فهي فسيفساء متعددة الأوجه. في الصورة الحقيقية اليوم تشكل نورمبرغ عاصمة ولاية فرانكونيا الوسطى مركزاً اقتصادياً مهماً يهدف إلى جذب السياح والمستثمرين من الخارج، مع تأمينه ببنية تحتية ممتازة، وتعتبر مركزاً صناعياً متطوراً، فيها العديد من المصانع، مثل مصنع فايبر كاسل للأقلام والقرطاسية وهو الأشهر في العالم. إنها مركز للتعليم والبحوث مع توافر العديد من الجامعات ومعاهد البحوث. وللمدينة وجه ثقافي مع وجود متاحف ومجموعة واسعة من الأحداث الثقافية. هناك الجانب الاجتماعي للمدينة مع العديد من المشاريع والمؤسسات النموذجية. نورمبرغ حالياً توفر نوعية عالية من الحياة، أكدتها نتائج استطلاعات دولية حول الحياة في المدينة التي يسكنها نحو 500 ألف نسمة.
وفي نبذة تاريخية، فقد اختارها الحزب النازي مركزاً لنشاطاته واحتفالاته بين عامي 1927 و1938، ذلك لتاريخها العريق المرتبط بالإمبراطورية المقدسة، وموقعها في وسط ألمانيا. بعد وصول هتلر إلى السلطة، أصبحت احتفالات نورمبرغ السنوية جزءاً لا يتجزأ من سياسة البروباغندا النازية. ما زالت هناك عمارات نازية تدل على أهمية المدينة في العهد النازي.
أثناء الحرب العالمية الثانية كانت نورمبرغ مقر الدائرة العسكرية الثامنة، التي عرفت كمركز مهم للصناعات العسكرية الثقيلة. دمرت معظم أجزائها في الحرب، إلى أن سقطت كمثيلاتها من المدن الألمانية في 1945. بدأت القوات الجوية للتحالف بهجوم مركز في 2 يناير 1945، مما أدى إلى تدمير %90 من وسط المدينة التاريخي في أقل من ساعة، وإلى ترحيل مئة ألف، ومقتل نحو 1800 شخص. تبعت ذلك هجومات أخرى في شهر فبراير. قتل ما مجموعه 6000 شخص من سكان المدينة أثناء الحرب. أعيد بناء أجزاء كبيرة من المدينة بعد الحرب.
صعود نورمبرغ
بعد حرب الثلاثين عاماً، استفادت نورمبرغ. ففي 1806، كانت تضم فقط 25000 نسمة وأدرجت في مملكة بافاريا. وشهدت نمواً متصاعداً للطبقة المتوسطة، مع ما يعني ذلك من نمو اقتصادي متصاعد. في عام 1835، وضعت أول قاطرة حديدية أنتجت في إنكلترا، تعمل من نورمبرغ إلى فورث، (ما زالت حتى يومنا هذا)، وكانت أول خط سكة حديد في ألمانيا. مما يشار إليه أنها احتوت على برميل خشبي يقدم مشروب البيرة داخل عربة القطار.
كما تعرف المدينة بقرميدها الأحمر، وهي أكبر مدينة صناعية في جنوب ألمانيا، ومعقل الحركة العمالية. وبالإضافة إلى ذلك، لم تتخل عن البعد الرومانسي الثقافي، كانت مضرب المثل في العصور الوسطى، فريتشارد فاغنر مجد نورمبرغ في كتابه أوبرا سنة 1868.
مركز المؤتمرات
نورمبرغ اليوم واحدة من أكبر مراكز تجارة العالمية، فهي على قدم المساواة مع لاس فيغاس، ميلان، موسكو، وشنغهاي. معرض نورمبرغ – عضو في رابطة المعارض التجارية الألمانية الكبرى – هو واحد من أهم 7 معارض دولية في ألمانيا، لا يقل أهمية عن معارض فرانكفورت ودوسلدورف وشتوتغارت وإيسن ولايبزيغ وهامبورغ. يزوره سنوياً أكثر من مليون زائر و24 ألف عارض من نحو 160 دولة.
يعتمد نجاح المعارض التجارية والمؤتمرات على أمور عدة، أبرزها إمكانية الوصول إليها ونوعية وسائل النقل. مع محطة مترو خاصة به، متصلة مباشرة بوسائل النقل العام، يمكن الوصول إلى محطة القطار الرئيسية في غضون ثماني دقائق ومطار نورمبرغ في نحو 25 دقيقة.
متعة التسوق
يقع مركز التسوق في وسط مدينة نورمبرغ، وهو تجربة مريحة وممتعة، حيث يضم منطقة فسيحة للمشاة، أنشئ عام 1966، وهو واحد من أقدم مراكز التسوق في ألمانيا والأكبر في أوروبا. فيه العديد من المتاجر، ويحاذي الأجواء التاريخية في البلدة القديمة، ومن السهل الجمع بين نزهة عبر محال التسوق الحديثة وجولة لمشاهدة معالم المدينة.
يقع شارع التسوق بالقرب من كنيسة سانت لورانس، ويمكن الاستمتاع بأكشاك التسوق الشعبية، حيث يجد المرء الفواكه الطازجة والخضروات واللحوم والنقانق من المنطقة والجبن والمخبوزات.
في أزقة صغيرة حول ساحة السوق الرئيسية وعند سفح القلعة، هناك العديد من المتاجر الصغيرة الفريدة من نوعها تنتظرك لاكتشافها، هناك الحرفيون التقليديون، منهم من يمتهن النقش والرسم على الزجاج، وصناعة الدمى والجلود.
خارج أسوار البلدة القديمة، من السهل العثور على صفقات جذابة في المدن القريبة. يمكنك الوصول إلى إنغولشتات-فيل بواسطة الحافلة من وسط مدينة نورمبرغ، حيث العديد من الماركات الشهيرة، وتقع على بعد نصف ساعة بالباص.
المتاحف والثقافة
تساهم الحياة الثقافية في نورمبرغ على سد الفجوة بين التقليد والحداثة، أبرز ما فيها المتحف الوطني الألماني، وهو أكبر متحف في العالم للفن الألماني والثقافة، ومن الأحداث المهمة في المدينة التي تجذب اليها الزوار من كل أنحاء ألمانيا والعالم «الليلة الزرقاء» أو «بلو نايت»، حيث تضاء جميع معالم المدينة القديمة باللون الأزرق، ويقام كل عام في شهر مايو.
كما تحتضن المدينة العديد من الحفلات الموسيقية والمسرحيات والباليه، ويقصدها الكثيرون من أنحاء العالم للمشاركة في مهرجان المسرح الدولي. ولا ننسى المركز الثقافي للأطفال، حيث يمثل شبكة من الأنشطة للشباب تجعل نورمبرغ معقل ثقافة الطفل.
المشهد الموسيقي في نورمبرغ متنوع للغاية، حيث تضم أكبر وأقدم مهرجان للموسيقى في أوروبا، كالروك والبوب، يحضره نحو 200 ألف شخص سنوياً صيفاً وفي الهواء الطلق، وهو من أكبر الفعاليات الموسيقية من هذا النوع في أوروبا.
بشير سليمان – القبس الكويتية[ads3]