الغرب و روسيا أمام مفترق طرق في سوريا

في لقاءات مع نظيره الأميركي في 13 تموز (يوليو)، أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، «مبادرة» إزاء سورية تشمل اقتراح إنشاء «مجموعة اتصال» بين أعضاء مجلس الأمن الخمسة الدائمين، وبين قوى إقليمية وأطراف النزاع السوري، ومنهم نظام بشار الاسد. وهذه «الصيغة» تضاف الى غيرها من الصيغ. لكن، هل ثمة اتفاق مبدئي وراءها بين ماكرون وترامب حول ما يلي العمليات العسكرية؟ هذا مرجح. والغربيون وحلفاؤهم على وشك تحرير الرقة من «داعش». والأميركيون إذ ذاك أمام معضلة: هل يسلمون المناطق المحررة – في الرقة ووادي الفرات – الى نظام الأسد ويصدعون بالتمدد الإيراني في الشرق الأدنى؟ أم يجبهون التوسع الإيراني؟ وهذا يقتضي التزام سياسي- عسكري لا يقتصر على حملة مسلحة وعسكرية فحسب. ومن مصلحة فرنسا ترجيح كفة هذا الخيار. وليس الداعي الى الترجيح هذا معاداة إيران، بل الحاجة الى تذليل نفوذ ميليشيات شيعية تابعة لإيران في هذا البلد الذي يغلب عليه السنّة، والحؤول دون زعزعة نفوذ طهران استقرار سورية.

وعلى مستوى المناورات الديبلوماسية، وعلى رغم أوجه الاختلاف – يعيد التقارب الفرنسي- الأميركي الى الأذهان التقارب بين جاك شيراك وجورج دبليو بوش في لبنان، في الذكرى الستين (عام 2004) على إنزال الحلفاء. والمسألة الإيرانية في سورية، هي اليوم في ميزان تقارب الثنائي ماكرون– ترامب ما كانته المسألة السورية في لبنان في ميزان شيراك وبوش، ولو أن هذا التشبيه يعصى الخيال. وحرص شيراك على اطلاع فلادمير بوتين على تفاصيل مسعاه مع بوش. وهذا ما فعله إيمانويل ماكرون الذي سعى، في وقت مبكر، الى الاتصال ببوتين، وهو لاعب سياسي راجح ومهيمن في الملف السوري منذ تدخله العسكري. ووجه ماكرون مؤشرات مرونة لاستمالة روسيا، وعدل الخطاب الفرنسي في مسألة بشار الأسد – من دون أن يسبغ على الرئيس السوري مشروعية ناجزة وتامة. فعدلت باريس عن تناول جرائم الأسد وعن دعوته الى التنحي شرطاً شارطاً ومسبقاً للحل. فماكرون يسعى الى هامش مناورة، ولو كان الثمن تخفف تاريخي وأخلاقي من مبادئ فرنسا لا مناص من القول إنه غريب أو مستهجن.

والسبيل الى تبديد التباس موقف ماكرون هو إعلام بوتين انه (الرئيس الفرنسي) وحلفاء بلاده لا يسعون الى تغيير النظام السوري، من جهة، وأن استقرار سورية يقتضي إطاحة الأسد، من جهة أخرى. وحري بماكرون دعوة بوتين الى حسم أمره في معضلة تواجهها روسيا: التمسك بالتحالف مع طهران، وهذا لا غنى عنه في ميزان المرابطة الروسية في سورية – ويترتب على هذا الاستغناء عن اتفاق سياسي دولي يكرس مشروعية المرابطة الروسية في سورية- أو ترجيح كفة اتفاق سياسي دولي لا يدعوه الى تغيير تحالفاته في المنطقة- فالروس لن يضحوا بمحور موسكو – طهران كرامة عيون الغربيين، بل يدعوه الى إدارة هذا الحلف إدارة تحمل طهران على تخفيف مرابطتها في سورية واقصاء الميليشيات الشيعية.

وحظوظ نجاح المفاوضات بين «الشرق والغرب» ترتفع اذا اجتمع شرطان، أولهما تقديم الغربيين ضمانات ميدانية تنجم عن عدم تسليم وادي الفرات الى النظام وداعميه. فإذا سُلمت المناطق المحررة الى النظام وميليشيات إيران، لن ترى طهران أن ثمة ما يدعوها الى التفاوض. وثانيهما، حوار عميق مع إيران، توجه دفته باريس. ففرنسا، شأن أميركا، لا تحجم عن استخدام القوة، على نحو ما يشي إعلان ماكرون، شأن أميركا، حظر التوسل بسلاح كيماوي. وعلى خلاف الإدارة الأميركية، باريس متمسكة بالاتفاق النووي وتمتين العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الجمهورية الإسلامية. ولم تخف على أحد سلسلة الاتصالات الهاتفية بين ماكرون والرئيس الإيراني روحاني، واستقبال وزير خارجيته في الاليزيه. واداء ماكرون دوراً محورياً يمد الجسور بين ترامب وبوتين وإيران، يشرع أمامه احتمالات النجاح في تحريك عجلة شلل المسألة السورية. وهذا يقتضي شجاعة وصمود ومرونة وحذر: فإذا غامر ماكرون وبذل «بوادر» ايجابية كثيرة في اتجاه النظام السوري من دون مقابل، لقي مصير شيراك وساركوزي في مبادرتهما السورية.

سفير فرنسا السابق في سوريا ميشيل دوكلو / الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها