بيان لم يصدر عن الائتلاف الوطني السوري

نعترف: تعاملنا معكم كما تعامل الأسد. استخففنا بذكائكم، بل استخففنا بقدرتكم على التقاط المعلومة. ست سنوات ونصف ونحن نقصفكم ببيانات الظفر. مثل أي سلطة أبوية تخيّلناكم أطفالاً نخشى على معنوياتهم من الهبوط إن عرفوا الحقائق، ونحن نعرف أنكم تعرفونها قبلنا في أحيان كثيرة. تظاهرنا بأن ليس هناك إنترنت ووسائل تواصل اجتماعي وقنوات فضائية. مثلما لوزارة دفاع الأسد مديرية للتوجيه المعنوي تمارس الكذب، أنشأنا مديرية للصمت. تخيّلنا أن عداءكم لنظام الأسد يكفي لكي تمنحونا ثقتكم.

أصدرنا بيانات وتصريحات وعيوننا على حلفائنا. ناقشنا حروف الجر والفواصل والنقاط في كل جملة لكي لا يسيئوا فهمنا. لكننا لم نصدر بيانات تصارحكم بما يدور. حددنا شروطاً وطرحنا مطالب نعرف أنه لم يعد بالإمكان تحقيقها. متمسّكون بأن لا مكان للأسد وحاشيته حتى في المرحلة الانتقالية، فيما تخرج من قادة قوى عظمى تسندنا تصريحات متلعثمة تسلّم ببقائه. لا نزال نكابر واهمين أننا بذلك نحفظ ماء الوجه، لكننا صرنا مثار شفقة للبعض ومدعاة لتشفّي وسخرية آخرين.

نخرج من اجتماع ونهيئ لآخر ونطمئنكم بأننا لم نتنازل. اجتماعات جنيف الأربعة الأخيرة كانت لعباً في الوقت الضائع. لم يعد لدينا ما نهدد النظام به. نجح الروس في تكريس ما كان يختمر من قبل. في آستانه جرّدوا السياسي من العسكري بضربة معلّم. قالوا للعالم إن المفاوضات العسكرية مكمّلة لمفاوضات جنيف حول مرحلة انتقالية. حققوا وقفاً لإطلاق النار وهدأت جبهات قتال استنزفت قوات النظام وكانت تستنزف الإيرانيين و «حزب الله» والميليشيات العراقية. توقّف القتال في جبهات حين لم يعد قتالاً بل مجازر فتكت براميلها المتفجّرة وقصفها العدمي بعشرات ألوف المدنيين. ابتكروا «تسويات الأوضاع» و «المصالحات» كمصطلحات غير مهينة تخفّف وقع الاستسلام على قوات ظلت تقاتلهم طوال ستّ سنوات ونصف.

وما زلنا نبحث في المرحلة الانتقالية. ما زلنا لا نقبل بأقل من إعلان الأسد وبطانته الاستسلام لإرادة شعب تمزّق وتشرّد وأُفقر.

مرحلة انتقالية نحو ماذا؟ كان الهدف واضحاً يوم اشتعلت الثورة وامتدت لتشمل كل سورية تقريباً. لم يحصل منذ معارك الاستقلال مثل هذا الإجماع الشعبي المتطلع إلى إقامة دولة مدنية ديموقراطية يسودها القانون وتنفصل فيها السلطات عن بعضها. لم يحصل أن بدا الطريق لتحقيق هذا الهدف واضحاً وضوحه آنذاك. إسقاط تماثيل آل الأسد عبّر عن التطلّع إلى إسقاط حكم العائلة. الهجوم على مقرات حزب البعث عبّر عن التطلع إلى إسقاط حكم الحزب الواحد والدولة الأيديولوجية. هروب كبار المنتفعين وتهريب أموالهم كانا اعترافاً بأن الشعب مدرك وعازم على تسييد القانون الذي أفقر غيابه غالبية السكان. نزول النساء والرجال، وانتفاضة السلَميّة ذات الغالبية الإسماعيلية والقامشلي الكردية وإشعال الشموع في باب توما، عكست الأمل بقيام دولة المساواة بين المواطنين.

والآن بمَ نعدكم؟ لم نتّفق في المعارضة على دور حركات الإسلام السياسي في السلطة ولم نتفق بعد على مبدأ مساواة الرجل بالمرأة في النظام السياسي المنشود. فبيننا من يعلن صراحة أنه معني بإسقاط النظام لإقامة حكم الشريعة، وفي داخلنا غالبية تضمر هذا الهدف ولا تعلنه. بيننا من يحلم بفرض الجزية على الذمّيين وبيننا من لا يرى قتاله ثورة ضد نظام بل فتحاً لبلد معاد. هربنا من التفكير الجدي بحقوق المسيحيين والأكراد والعلويين والدروز بعبارات وردية عن سلطة الغالبية والأخوة بين المواطنين الذين لن يبقوا مواطنين بل رعايا للحاكم مثلما هم عليه اليوم. ولم نتحدث عن تكديس الثروة خارج سلطة القانون لأن بيننا فصائل يغتني قادتها من خلال التهريب وفرض الإتاوات والرشوات. لم نناقش كيفية تفكيك سلطة المخابرات والأجهزة القمعية وكيف يعاد بناء القوات المسلّحة. اكتفينا بالحديث عن ترياق يحل كل مشاكل البلد هو الديموقراطية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع وتظاهرنا بأنكم تجهلون ما حلّ بالعراق ومصر، لا بسبب الانتخابات بل بسبب انتخابات تجرى في غياب سلطة القانون.

ما الذي أوصل ثورتنا إلى هذه الحال؟ السلاح.

لسنا نبرّئ أنفسنا حين نقول إن العسكرة لم تكن خياراً للثورة. خبرنا، كما خبرتم، كيف أجبر النظام الثوار على رفع السلاح. ازداد حماسكم وحماسنا حين كان ضباط وجنود الجيش يعلنون انشقاقهم عن المؤسسة القمعية ويحملون السلاح ضدّها بعد أن فقدوا الأمل بأن تستيقظ ضمائر قادتها وتنحاز إلى ثورة الشعب السلمية. ساقتنا الانتصارات العسكرية وتحرير الجيش السوري الحر لمعظم سورية إلى التقليل من شأن تكاثر فصائل رأت في تلك الانتصارات فرصة ذهبية لكسب المغانم وفصائل تريد تصفية الحساب مع النظام وأخرى ترى في إرث شعبنا الحضاري وتقاليده المدنية عدوّاً ينبغي القضاء عليه. قلّلنا من شأن تنظيم «القاعدة» الذي رعته أجهزة المخابرات السورية أملاً منها بتدمير العراق. هكذا بات الجيش السوري الحر الذي انتصر لكم محاصراً بين وحوش النظام ووحوش تقاتل النظام بهدف إنشاء دولة شمولية متعصّبة نهّابة خارجة عن القانون مثل خصمها.

ولسنا نبرّئ أنفسنا بالتأكيد، إذ نشير إلى ما نعرف وتعرفون جميعاً. خذلَنا حلفاؤنا. خذلتنا غالبية الدول التي عادت نظام الأسد، لكنها ترددت في دعمنا. خذلتنا خطوطهم الحمر التي صارت خضراً، حين شعر النظام بأنها ليست غير شعارات. خذلنا من عادوا الأسد أملاً بأن تتزعم فصائل تابعة لهم نظاماً يليه. خذلنا من تفرّجوا على جسور الإمداد البشري والتسليحي من إيران وروسيا فأصدروا بيانات إدانة.

تشعرون ونشعر بالخذلان. تشعرون ونشعر بالإحباط. ولكن لا تلعنوا الثورة، فهذا ما اشتغل عليه النظام منذ بدأ حربه الدموية ضدّكم. يريدكم أن تشعروا بالندم على تمرّدكم عليه. يريدكم أن تعودوا أذلّاء إلى بيت الطاعة. يريدكم أن تقتنعوا بأن الثورة طريق الفوضى وأن بديل استبداده وفساده استبداد وفساد.

لكننا لا نخدع أنفسنا ولا نخدعكم حين نقول إن مستقبل سورية ليس مظلماً، على رغم كل هذا الخراب والنزف. ولكي نساهم في فتح كوّة الأمل، علينا استعادة جسور التواصل مع القوى التي أشعلت الثورة والتي غيّبها القمع الوحشي من جانب النظام وغيّبناها كما غيّبتها الفصائل الظلامية عن دائرة الفعل. لنتوجّه إلى عشرات ألوف الجنود والضباط الذين تحوّلوا إلى أذلّاء في بلدهم يقودهم مستشارون إيرانيون وروس ومقاتلون من «حزب الله» والميليشيات العراقية والأفغانية. لنتحسّس ألمهم وهم يعتاشون على الفتات فيما تُغدق المخصصات والامتيازات على غير السوريين.

لنُعد بناء الجسور مع ملايين الموظفين والعمال الذين سحقهم الانهيار الاقتصادي، فيما تغصّ فنادق الخمس نجوم والشواطئ المغلقة بتجّار الحرب وبطانة النظام. ليعكس برنامج الائتلاف الوطني رؤى ملايين الشباب والنساء الذين أطلقوا زلزال الانتفاضة ضد النظام. لندافع عن رجال الأعمال المرغمين على الدخول في شراكات مع المسؤولين وأقاربهم أو على دفع إتاوات لهم لكي يمارسوا نشاطهم. لنعبئ أبناء المناطق التي ذهب نفطها وقمحها إلى جيوب الكبار. ليفكّ الائتلاف ارتباطه بحركات تحوّلت إلى سلطات مسلّحة قامعة وفاسدة.

طريقنا إلى تغيير النظام يبدأ بمواقف ملموسة لا بد من وضعها على طاولة جنيف ومطالبة الدول الداعمة للمعارضة السورية بتبنّيها. مأساة سورية لن يعالجها إعلان من زعيم غربي بضرورة رحيل الأسد أو القبول ببقائه، بل الوقائع على الأرض التي لم يفعل هؤلاء الزعماء ما يكفي لتغييرها لمصلحة التغيير. ولن يعالج المأساة قبول وفد المعارضة الجلوس على طاولة واحدة مع وفد النظام أو الاتفاق على دستور جديد. لنطالب مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار يلزم النظام السوري بسحب مقاتلي ميليشيات «حزب الله» وباقي الميليشيات الأجنبية من المناطق التي يتوقف فيها إطلاق النار. وليتعامل الروس مع من يمتنع عن تنفيذ القرار كما يتعاملون مع من يخرق وقف إطلاق النار من المعارضة. ولنطالب بقرار يلزم النظام بإطلاق سراح كل السجناء السياسيين وكفالة حرية التعبير السلمي عن الرأي والحق في التظاهر والإضراب والاعتصام. ولنطالب الولايات المتحدة بأن تعلن أن التعرض لممارسي تلك الحقوق خط أحمر.

لنعد للشعب ثقته بقدرته على الفعل ولنعد له الأمل بالمستقبل.

عصام الخفافجي – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫2 تعليقات

  1. اولا يعتبر المقال هاما جدا واتمنى ان يطلع عليه معظم السوريين
    ثانيا ما قيل عن تعثر المعارضة وتعاملها مع الناس على نفس طريقة النظام صحيح جدا
    ثالثا انا احمل المسؤولية لانهيار الجيش الحر للضباط الذين تركوا الوطن ولجأوا الى الدول المجاورة او البعيدة وكان اولى بهم ان يبقوا على ارض الوطن لقتال النظام الفاجر حسب تعبير احدهم (عبد القادر زكريا) وهو ضابط منشق
    رابعا لا اعتقد ان الندم يعتري اي سوري عاقل لان هذا النظام المتوحش لا بد من الثورة عليه واذا كنا دفعنا مليونا من الشهداء الان فربما كنا سندفع عدة ملايين في المستقبل للتخلص منه
    خامسا لست متشائما مثل الكاتب واعتقد ان الامل مازال كبيرا في التخلص من هذا المستبد الفاجر
    سادسا نعرف ان مصالح الدول المحتلة لسوريا الان لديها الحد الادنى من التفاهم والتوافق ولكن هذا لن يدوم ابدا وسيحدث التناحر عاجلا او آجلا وقد بانت بوادره وهذا ما يسمح للسوريين ان يلعبوا على التناقضات ليصلوا ببلدهم الى شاطئ الامان والديمقراطية

  2. أولا نحن لا نلعن الثورة بل نلعن من تاجر بها.
    ثانياً ما دفع السوريين لليأس من الثورة وتوجههم نحو الفصائل الإسلامية المتطرفة أو الهجرة هو فساد معظم ضباط الجيش الحر المنشقين قبل أي شيء آخر ولذلك يجب إقصائهم ومحاسبتهم على فسادهم.
    ثالثاً يجب محاسبة من تاجروا بالدين حتى استنزفوه بمن فيهم المعارضين السياسيين ومحاسبة من سمح للمقاتلين الأجانب بالدخول لسوريا وبالتسلح وإنشاء قواعد آمنة لهم بين السوريين لأنهم ما زالوا يتصدرون الشاشات إلى الآن مدعين التحدث والتفاوض باسم السوريين.
    رابعاً يجب تشخيص مشكلتنا الرئيسية وهي ليست حزب اللات أو روسيا وإيران بل مشكلتنا مع معارضاتنا الرافضين للاجتماع مع بعضهم إلا وهم يركبون الباصات الخضر وهم أيضاً يجب أن يخضعوا للمحاسبة.
    خامساً ما حدث في الداخل من فرقة وشقاق حدث أيضاً في الخارج إذ لم تنجح سنوات المهجر الطويلة في غسل أدمغة المعارضين السياسيين ويقنعهم بانتخاب شخص واحد يمثل المعارضة السياسية بل كانت غاية معظمهم الاستئثار والتفرد بالسلطة وما يرافقها من فساد ولذلك يجب أن لايسلموا من المسائلة والمحاسبة.
    سادساً لن يأتي الحل عن طريق الأمم المتحدة ولا عن طريق الطلب من السوريين منح ثقتهم لمن أثبت أنه لايستحقها بل عن طريق تنحي كل من يتصدر شاشات التلفزة من المعارضين السياسيين والعسكريين لأنهم لو تنحوا سابقاً لما وصلنا للأستانة وجنيف والقاهرة وموسكو ومابعد الزبداني وحلب والقلمون وغيرها أقلها كي يثبتون للسوريين بأنهم مختلفين عن الأهبلوف بتشبثهم بالكرسي والسلطة حتى النفس الأخير …… وطبعاً هذا شيء مستحيل.