أربع مسائل إشكالية في المسألة الكردية في سوريا

بديهي أن الإعلان عن اعتزام «الجمعية التأسيسية لاتحاد شمال سورية» إجراء انتخابات في المناطق التي تسيطر عليها في الشمال السوري، بدءاً من أيلول (سبتمبر) المقبل، لتشكيل «المؤتمر الديموقراطي الشعبي» لـ «الفيديرالية» المفترضة، يثير عديد التساؤلات.

بداية قد يجدر التذكير بأن من أهم مشكلات الثورة السورية انعدام الثقة المتبادل بين كيانات المعارضة والقوة الأساسية المهيمنة في مجتمع الكرد السوريين، وهي «حزب الاتحاد الديموقراطي»، وذراعه العسكرية «قوات حماية الشعب»، التي تشكل عماد «قوات سورية الديموقراطية»، والتي باتت تحظى بدعم ورعاية أميركيين.

والطرفان لم يبذلا الجهود الكافية والمناسبة لتعزيز الثقة بينهما، وتذليل الالتباسات والخلافات. هكذا فالمعارضة لم تعمل باعتبارها تمثل كل السوريين، لا سيما بعدما أزيح خطابها الوطني – الديموقراطي، وأزيح «الجيش الحر»، لمصلحة كيانات سياسية وعسكرية، تغطّت بالدين، ما أضعف صدقيتها، وزعزع ثقة أغلب السوريين بها.

في المقابل، ظل حزب الاتحاد الديموقراطي موضع شبهة، في ما يتعلق بعلاقته مع النظام، وهو ما ظهر سابقاً في بعض تحركاته العسكرية، وإبقائه مراكز النظام في المناطق التي يسيطر عليها، كما في علاقته مع حزب العمال الكردستاني في تركيا، وتبني أجندته في سورية، هذا إضافة إلى أن هذا الحزب ظل يعمل بطريقة إقصائية، في المناطق التي خضعت لسيطرته.

هكذا، لا توجد تصورات للمعارضة بخصوص المسألة الكردية، بل ثمة وجهات نظر متفاوتة، فثمة من لا يرى وجوداً لهذه المسألة، والبعض يرى أن حلها يقتصر على القول بدولة المواطنين الديموقراطية، أما الجماعات التي تتغطّى بالإسلام فلا يعنيها الأمر. في المقابل لا توجد توافقات كردية حول المستقبل، فثمة من يرى أن الوقت حان لإقامة كيان مستقل، كحق قومي لا مساومة عليه، ومن يرى أن الوضع يتطلب إقامة كيان حكم ذاتي في إطار فيديرالي، ومن يرى أن دولة المواطنة الديموقراطية تحل الأمر. بالنتيجة فإن السوريين، عرباً وكرداً، يفتقدون تصورات تحظى بإجماع، ويبدون مختلفين على كل شيء، في مرحلة يعانون فيها من صراع دامٍ ومدمر، فيما يبدو معظم الكيانات مرتهناً لتوظيفات وتلاعبات خارجية.

على أية حال، ما يهم هنا مناقشة أربعة أمور خلافية، تتعلق بالمسألة الكردية، أو بمستقبل سورية الواحدة، تتعلق الأولى بالحقوق الفردية والجمعية. والثانية، بالمجالس التمثيلية بمختلف مستوياتها. والثالثة بمفهوم الفيديرالية. والرابعة بالعلاقة مع الخارج.

في ما يخص الحقوق، لا يمكن قصر المسألة الكردية على حقوق المواطنة، فقط، مع أهميتها، لأن ذلك لا يلغي ولا يحجب وجود مسألة قومية كردية، وأن الكرد شعب، إذ إن حقوق المواطنة ينبغي أن تترافق مع الاعتراف بالحقوق الجمعية القومية للكرد السوريين، لهم الحق في الثقافة واللغة والحكم الذاتي والتمثيل على قدم المساواة والمشاركة في تقرير مستقبل سورية، كما باعتبارها جزءاً من جماعة قومية أوسع لديها طموحاتها المشروعة، بما لا يتنافى مع وحدة سورية، أرضاً وشعباً. وبديهي أن غياب ثقافة المواطنة، وحقوق المواطنة، في الثقافة السياسية السورية، وثقافة المعارضة، هو الذي يضع الحقوق الجمعية في مقدم الأجندات، لا سيما على ضوء التجربة التاريخية، وأيضاً، للحؤول دون خلق مسار من الإزاحة والإقصاء من قبل أكثرية ما، لأقلية قومية ما، بمعنى أن سيادة ثقافة المواطنة، وإقامة دولة مؤسسات وقانون على أساس من نظام الديموقراطية الليبرالية، هما ما يمهد لأفول، أو خبو، البعد الهوياتي عند الجماعات القومية أو الهوياتية، وهذا ما يفترض أن يكون في مركز إدراكات المعارضة السورية في معالجتها الراهنة للمسألة الكردية.

وفي ما يخص المجالس التمثيلية، فالمقترح هنا هو أن تبني المعارضة السورية على ما يحصل، خصوصاً أنه سيغدو أمراً واقعاً على الأرجح، مع ضعف المعارضة، وتخلف تصوراتها لمستقبل سورية، وتحكم الفاعلين الدوليين والإقليميين بهذا المستقبل، وفوق كل ذلك لا بد من وجود مجالس تمثيلية منتخبة لإدارة المناطق التي خرجت من سيطرة النظام، بغض النظر عن من يسيطر فيها عسكرياً، أي أن ذلك ينطبق حتى على المناطق الخاضعة لسيطرة جماعات المعارضة السورية العسكرية. المشكلة هنا أن المعارضة، أو معظمها، حين تثير الشبهات حول المجالس المحلية التي تخضع لقوات سورية الديموقراطية، تنسى أنها سكتت، وجاملت، جماعات المعارضة العسكرية، التي هيمنت في كثير من المناطق «المحررة»، وفرضت تصوراتها بالقوة على السوريين في تلك المناطق، بطريقة تعسفية، وأن إدارتها لتلك المناطق أضعفت الثورة وضعضعت صدقيتها، وخلقت فجوة بينها وبين شعبها، فضلاً عن أنها خدمت النظام من حيث أنها قدمت نموذجاً سيئاً للسلطة في مناطقها.

هذا ينطبق على طرح مسألة «الفيديرالية» إذ إن المعارضة، أو معظمها، أبدت رفضها هذا الطرح لمستقبل سورية، إما لأن جهة كردية تطرحه، وإما لجهلها بمعنى الفيديرالية وظنّها لها صنو التقسيم. ولعل أهم ما يفترض أن تدركه المعارضة أن الحديث عن وحدة سورية الجغرافية لا معنى له من دون وحدة السوريين بمختلف مكوناتهم، الدينية والمذهبية والإثنية والمناطقية، وأن هذه الوحدة تتطلب حتماً تصوراً وطنياً ديموقراطياً يستجيب لرؤى ومصالح كل تلك المكونات، من دون استئثار وإقصاء، ومن دون فرض طرف لوجهة نظره على الأخرين؛ هذا أولاً. ثانياً، إن الفيديرالية ليست صنو التقسيم، إذ إنها تتأسس على تمتين وحدة البلد والمجتمع، لأنها تعني توزيع أفضل وانسب للموارد، وإدارة أفضل وأجدى من الإدارة المركزية، ثم إن الفيديرالية هي الشكل الأنسب للحؤول دون إعادة انتاج السلطة المركزية التي تفضي إلى الاستبداد. ثالثاً، يفترض البناء على هذا الطرح وتأكيد أن المقصود به فيديرالية على أساس جغرافي وليس على أساس طائفي أو اثني.

تبقى مسألة علاقة الكرد بجماعاتهم القومية الأخرى، وبالدول الإقليمية التي يتواجدون فيها، فمن حق المعارضة السورية أن تتوخى الدعم من هذه الدولة أو تلك، لكن على أن تضع أجندة الشعب السوري، وضمنهم الكرد في مركز اهتماماتها. كما على الكرد السوريين، وفي خضم إدراكهم لذاتهم القومية ـ فوق الوطنية، إدراك أهمية المواءمة بينها وبين كونهم جزءاً من الجماعة الوطنية السورية، وأن تحررهم هو من تحرر هذه الجماعة.

ماجد كيالي – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها