في معارك الشركات الأمريكية .. كبار يلتهمون صغاراً من العلامة التجارية
في الولايات المتحدة الأمريكية، قلعة الرأسمالية العالمية، التي تتوجه إليها يوميا أنظار الأسواق الدولية لتحديد مصائرها، يدور صراع يومي على الوجود بين شركات صغيرة، تجاهد لشق طريقها وسط بحر يعج بشركات عملاقة لا تكتفي بما تحققه من أرباح طائلة، فتسعى إلى جني المزيد، تحت ذرائع شتى، بينها ذريعة تشابه العلامات التجارية.
في هذه القلعة، ومنذ عام 1890، يوجد قانون “شيرمان” لمنع الاحتكار، الذي يحظر على الشركات الكبرى ضم شركات أصغر، بنية السيطرة على منافذ بيع منتج معين، وبالتالي رفع أسعاره، وتحديد توزيعه في مصدر ما (الشركة المُحتكرة).
إلا أن تلك الشركات الكبرى لا تتوقف يوميا عن التفافاتها المختلفة على القانون، عبر جيوش من المحاميين المحترفين، وهو ما صار يؤثر سلبا على المنافسة، التي هي أحد أسس الاقتصاد الحر.
الشركات الكبرى، وللقضاء على منافساتها من الشركات الصغرى، تلجأ كثيرا إلى معارك قضائية لا تستطيع منافساتها الصغرى تحمل وطأة تكاليفها المالية؛ ما يضطرها إلى الرضوخ لرغبات الشركات الكبرى، أو حل نفسها، أو بيع أصولها إلى الشركة العملاقة.
** معركة جديدة
إحدى أكثر ذرائع هذه المعارك القضائية شيوعا هو استخدام جزء من علامة تجارية معروفة ومتداولة تعود إلى شركة عملاقة، كما هو الحال مع كل من موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ( (Facebook، ومركز التسوق الإلكتروني “إي باي” (EBay).
فقد رفعت هاتان الشركتان، في السنوات القليلة الأخيرة، دعاوٍ قضائية تطالب شركات صغرى بتغيير أسمائها، التي تحتوي على جزء من العلامة التجارية للشركة العملاقة، مثل كلمتي “بوك” (Book)، و”باي” (bay).
وحاليا، تخوض “Ebay” معركة قضائية ضد شركة صغيرة ما تزال في الأطوار الأولى من نموها، يقودها شاب في مطلع الثلاثينات من عمره، يدعى جستين لويس، أسس شركة “Naturebay.com” لبيع الأعشاب وغيرها من منتجات الطبيعة.
لويس، الذي عمل في السابق مدرسا للعلوم، قال لمراسل الأناضول إن “أحد الأسباب الرئيسية لتأسيسي هذه الشركة هو وفاة أبي جراء سرطان الرئة”.
وأضاف أن “صدمة الوفاة دفعتني إلى دراسة مكونات المواد والأدوية والأطعمة التي كان يصصفها الأطباء لوالدي، فاكتشفت أن بعضها يحتوي على مواد مسرطنة”.
ومضى قائلا: “أحرص على توعية الناس بأهمية استخدام منتجات الطبيعة في حياتهم اليومية، بدلا من المواد المعالجة كيميائيا، وهو ما دفعني إلى التفكير في تأسيس شركتي”.
ويرفض لويس التراجع أمام عملاق التجارة الإلكترونية “Ebay” بالتخلي عن اسم شركته، رغم اعترافه بعدم امتلاكه للمقومات المادية التي تؤهله لخوض معركة قانونية طويلة ضدها.
وهو صمود يستمده لويس من ولده: “عندما كنت في المرحلة الثانوية كان هنالك الكثير من التلاميذ الذين يضايقونني بالتنمر علي، وأتذكر أن أبي كان يقول لي وقتها: إياك أن تدع متنمراً يضربك دون أن ترد عليه”.
وتابع: “أعتقد أن ما يحدث الآن بيني وبين شركة Ebay هو نوع من التنمر، وأشعر أن أحدا ما يجب أن يتصدى إليهم، فإذا لم يحدث ذلك ستصبح الشركات العملاقة أكثر قوة كل يوم.. لذا أشعر أن علي فعل هذا، ليتمكن الناس من التعرف على حقيقة ما تفعله الشركات الكبرى”.
** تشويش على العملاء
على الجانب الآخر من تلك المعركة، لم ترد شركة موقع التجارة الإلكتروني “Ebay” على رسالة بعث بها مراسل الاناضول للحصول على تعليق منهم بشأن المواجهة القضائية ضد شركة “Naturebay”.
لكن في رسالة بعثت بها إلى لويس، قالت شركة الدفاع عن “Ebay” إنه بتسميته شركته “Naturebay” لا يستخدم اسماً مشابهاً لها فحسب، بل إن هذا الاسم التجاري يسبب أيضا تشويشاً لزبائنهم، الذين سيعتقدون أن “NatureBay”هي أحد فروع شركتهم، ويشترون منتجاته تحت تأثير هذا التشويش.
وفي وعيد غير صريح، قالت الشركة إنها ساهمت في مقاضاة عدد من الشركات، التي جرأت على خوض المعركة القضائية التي تخوضها الآن “Naturebay” ، إلا أن أيا منها لم يربح الدعاوى في مواجهة العملاق التجاري المعروف.
كذلك يرى محامو الموقع الإلكتروني أن لويس يحاول عبر استخدام كلمة “bay” كجزء من اسم شركته استدراج زبائن “Ebay” إليه، ليشتروا بضائعه متصورين أنها بضائع إحدى الشركات التي تعمل على الموقع الإلكتروني المعروف.
** مواجهات خاسرة
معركة “Ebay” و”Naturebay” ليست الأولى من نوعها، ففي عام 2012، تنازلت شركة “فيسبوك” عن دعوى قضائية رفعتها ضد شبكة تواصل اجتماعي مختصة بربط المعلمين، وتدعى “تيتشبوك” (Teachbook)، بعد قبلت الأخيرة بتغيير اسمها بالاستغناء عن كلمة “بوك”.
قبل ذلك بنحو عشر سنوات، وتحديدا عام 2003، قامت شركة “Ebay” بمقاضاة شركة للعطور باسم “Perfume Bay” ، ومالكتها جاكلين تران، بسبب استخدامها للفظة “Bay”.
في هذه المعركة أنفقت بتران قرابة 600 ألف دولار، في محاولة، دون جدوى، للتصدي لموقع التجارة الإلكترونية، ما اضطرها في النهاية إلى تغيير اسم شركتها، ليصبح “Beauty Encounter”.
** مشكلة الاحتكار
مثل هذه المعارك القضائية على خلفية تجارية ربحية، وبحسب خبراء اقتصاديين، تنال من افتخار الولايات المتحدة الأمريكية بتشجيعها الأعمال التجارية الصغيرة، التي تنمو لتصبح شركات كبرى، وبكونها قلعة التجارة الحرة.
فباستمرار، تتناقض هذه الحرية مع تنامي قوة الشركات العملاقة، ومحاولاتها شراء منافساتها الصغرى أو انهاكها بدعاوى قضائية مكلفة، تمتلك فيه الأولى اليد الطولى، بفضل أطقم المحامين المحترفين، بينما لا تملك الصغرى سوى المقاومة، قبل أن تنكسر وتستسلم تحت وطأة الخسائر.
ووفق مدير برنامج الأسواق المفتوحة في مؤسسة “نيو أمريكا” (خاصة)، باري لين، فإن “فكرة أن الولايات المتحدة تعاني من مشكلة الاحتكار أصبحت الآن غير قابلة للجدل، فمنذ عام 2008 حدثت عمليات استحواذ (بين شركات) بقيمة تزيد على 10 تريليونات دولار”، بحسب مقال نشره في مجلة “ذي اتلانتيك” اليسارية الأمريكية، فبراير/ شباط الماضي.(ANADOLU)[ads3]