عن المرض الأسدي بالطائفية
ليس وباء الطائفية مرضًا عادياً. إنه نوع قاتل من الوباء، برز في نصف القرن الماضي من تاريخ سورية، بتخطيط وجهود نظام أسدي يعاقب من لا يعتبره محض”علماني”، وسرعان ما قوّض كثيرا من مشتركات السوريين الوطنية التي كانوا قد بلوروها خلال التاريخ السابق لانقلاب سرقه عسكر “البعث” عام 1963، قبل أن ينتقل إلى تخريب بنية سورية، دولة ومجتمعا، وتدمير كيانها الوطني وتنظيماتها السياسية والحزبية وثقافتها، وإخضاعها لاستبداد وحشي لم تعرف له مثيلا طوال تاريخها القديم والحديث.
بعد سيطرة ضباط “البعث” على انقلاب 1963، بدأ تطور معاكس كبح الاندماج الوطني، رعته سلطة أخذت تطيفها أوساط قيادية في الجيش، بدلت بقرارات متعاقبة اتخذتها بنية المؤسسة العسكرية، ثم أسست منظومة كاملة من أجهزة مخابراتية غطت جميع قطاعات الدولة والمجتمع، اكتمل بها وبنشاطها تطييف “الدولة العميقة” التي طبقت خططا عالية التنظيم، تركّزت على احتلال مؤسسات ومرافق الدولة “المدنية” طائفيا، والإمساك بجسور تواصلها مع المجتمع، بتنظماته ونقاباته وهيئاته المدنية، وصولا إلى إقامة بيئة طائفية شاملة وثابتة، تغطي شؤون الجماعات والأفراد، وتحتجزها داخل شبكة علائقية وقوانينية محكمة الحبك واسعة الانتشار، يحدث نسجها ودورها تبدلا نوعيا يضع السياسة والمجتمع والاقتصاد والثقافة في خدمة السلطة، بصفتها طائفة تنفرد احتكاريا بالمجال العام.
هذا البناء السلطوي/ الدولوي الذي استند إلى الطائفة كتكوين ما قبل مجتمعي/ ما قبل دولوي، تمت إشادته في ظل وبذريعة تحقيق، شعارات كان يفترض أنها ستكرس الدولة الوطنية، وتتخطاها، في الوقت نفسه، إلى اقامة دولة قومية موحدة من جهة، وتتجاوز النظام الرأسمالي إلى بديله الاشتراكي من جهة ثانية، وتحل محل أنظمة القمع نظام حريات عامة وشخصية، لا قيد عليه من جهة ثالثة، يعد بأن ترتقي بسورية والعرب إلى صعيدٍ من الحداثة، يقوّض بنيويا أي تكوين ما قبل مجتمعي في الدولة، وخصوصا الطوائف.
تاريخياً وعالمياً، قام الرهان الثوري على خطة من مرحلتين: يتم في أولاهما تحطيم الدولة بعد الاستيلاء على السلطة وتثويرها، وتحويلها إلى أداة تبني دولة جديدة، ثورية حكماً، مهمتها الرئيسية تثوير المجتمع في المرحلة الثانية، والقضاء على بنيته الطبقية ونظامه الاستغلالي/ الاستبدادي. تم تطبيق هذه الخطة بعد انقلاب حافظ الأسد عام 1970، ولكن في اتجاه مضاد للثورة، حيث تم تطييف السلطة في مرحلة أولى، وحين نضج تطييفها، انتقلت تاليا إلى استخدام مواردها وأجهزتها لتطييف الحياة العامة والمجتمع. هذا ما تعلمته الأسدية من النظرية الثورية، وهكذا جرّدتها من مضمونها الثوري/ التحديثي، واستخدمتها ضد الثورة، ومن لهم مصلحة فيها: فئات المجتمع الدنيا وطبقاته، فلا عجب أنها استهدفت، بعدائها وقمعها، حملة قيم الحرية والديمقراطية واحترام الانسان وحقوقه والمطالبين بها. ومن الطبيعي أن تسلب السوريين حريتهم وحقهم في ثروات وطنهم وعوائد عملهم باسم حرية شعاراتية، انقلبت إلى استبداد عملي أعمى، ووحدة قومية فرّقت صفوف المواطنين ومزقتها، واشتراكية لم يعرف التاريخ نظام نهب واستغلال أشد وقاحة منها.
في هذا الانقلاب البنيوي العميق، استخدمت “الدولة العميقة” حاضنة جسّدت الطائفة في مستواها الخاص، وعزّزت قبضتها على المجال العام خارجه، من خلال أدوات السلطة العامة “الشرعية”، في حين باع “البعث” وجبهته الوطنية هذه السيطرة على الدولة والمجتمع، بحجة أنها الترجمة الثورية “للوحدة والحرية والاشتراكية”، وأن إنجاحها يتطلب سلطة شديدة المركزية، بل شخصية وفولاذية اليد، يمسك بها قائد مطلق الصلاحيات، هو تحديدا حافظ الأسد أو أحد ما من نسله المعصوم، يعني أي اعتراض أو تحفظ على قراراته جريمة وطنية تستحق أشد العقاب.
حين انتصرت ثورة إيران “الإسلامية” عام 1979، كان النظام الأسدي قد أنجز أكثر صور تطييف سورية اكتمالا، وكان قد أخضع علاقاته العربية والإقليمية والدولية لمعيار وحيد، هو تعزيز طابعه الطائفي ومصالح سلطته. وقد احتفى الأسد بالملالي كمذهبيين شيعة يشاركونه العداء للمسلمين، ويعلنون تصميمهم على تصدير ثورتهم، أي مذهبهم، إلى البلدان المجاورة، بدءا بالعراق، عدو الأسدية اللدود الذي اتحد النظامان الطائفيان ضده لكونه حاجزا يصعب دون كسره اختراق المشرق إيرانيا، ويمثل خطرا رئيسيا على طائفيي دمشق. في فترة تالية، تحالف النظامان، وأسّسا مركز تنسيق وقيادة موحد قوّى مركز الأسد في النطاق الإقليمي، وسهل اختراقات الملالي المجال العربي، ثم تخطى تحالفهما المجال السياسي/ الأمني، وذهب نحو تدامج بشري/ مصالحي، يرتكز على شراكة عقيدية برزت أكثر فأكثر في مواقفهما من قضايا المنطقة التربية ودولها من جهة، ومن التطلعات الديمقراطية والعلمانية، ونشطاء حقوق الإنسان والمعارضة داخلهما من جهة أخرى.
عند هذا المستوى من تماهي علاقاتهما، وضع الطرفان برنامجا موحدا هدفه تحقيق اختراقات استراتيجية في بلدان المشرق والخليج، من خلال تعبئة وتنظيم وتمويل وتسليح أطراف من مكوناتها الشيعية، وتحويلها إلى فصائل مسلحة ملحقة بحرس طهران الثوري ومخابرات الأسد، تحتل بلدانها وتنفذ مهام يُفترض أن ينجزها الجيشان الإيراني والسوري. بهذه النقلة المهمة، عرفت دول المشرق صراعاتٍ لم تعد تقوم على تعبئة داخلها لحماية نفسها من الأخطار الخارجية، أو لتحرير بلدانها من التبعية والتخلف، وإنما جرتها إلى صراعات داخلية المركز، مذهبية وطائفية المحتوى، تفتيتية وتمزيقية، قوّضت مجتمعات عربية كانت متآلفة أو متعايشة في الأمس القريب.
بالتسيّد المتعاظم للقيم والممارسات الطائفية/ المذهبية، تم تدمير وتقليد ما كان قد تم تحديثه نهضويا في سورية وبلدان المشرق، وأبطلت السياسة بوصفها فاعلية مجتمعية عامة، وقضي على الحريات والحقوق والقوانين، وعلى الوطنية باعتبارها رابطة مواطنة وحرية ومساواة وعدالة. وتخلقت بدل مجتمع سورية الموحد “جمعات” متناحرة أدارت السلطة وغذت تناقضاتها. وحلت محل تحرير الجولان معركة الثأر للحسين، وتصحيح تاريخ أعطى الخلافة لغير مستحقها: علي بن أبي طالب رضوان الله عليه !.
كشفت الثورة السورية المدى الذي بلغه الاندماج الإيراني/ الأسدي، وبين كم صار البلدان جسما أمنيا وسياسيا واقتصاديا متشابكا، وأكد دور إيران ضد الثورة منذ لحظتها الأولى أن الملالي لا يقلون عداءً لها من بشار الأسد، وأنهم وراء الحل الأمني الذي حملوا معه، وربما أكثر منه، عبء تطبيقه. والآن، إذا كانت الثورة قد قامت، على الرغم من الواقع الذي وصفته، وكان صمودها قد فضح عجزهما عن تركيعها، ألا يكون من حقنا طرح الأسئلة التالية:
ـ هل هناك عقل واحد سوي يصدّق أن الطائفية نظام طبيعي، ويستطيع تعطيل تطور الشعوب نحو الاندماج والوحدة، ويتيح لطائفة أقلوية أن تفرض سيطرة دائمة على مجتمعٍ يرفض انفرادها بالحكم وشؤونه؟.
ـ وهل يصدّق عاقل، بعد ما تخطته الثورة السورية من خطوط حمراء سلطوية وعلاقات قوى إقليمية ودولية، كانت ضدها ولصالح الأسد، أن من انفردوا بالسلطة نيفا ونصف قرن، ثم عجزوا عن منع السوريين من القيام بالثورة، وعجزوا كذلك عن قهرها نيفا وستة أعوام، سيقنعون “شعب الجبارين” السوري بالاستسلام لنظامهم الطائفي؟.
ـ أليس مرضا قاتلا أن ترى الأقلية العلوية في بشار خيارها الوحيد، وتنسى أو تتناسى تكلفته الباهظة جدا بالنسبة لها، وأن هذا الشخص هو الذي تسبب شخصيا في قتل معظم القسم المنتج بشريا من أبنائها، وفي الإساءة إلى صدقيتها الوطنية وانتمائها لشعبها، علما بأن خسائرها بلغت حجما من شأنه أن يحول بينها وبين حكم سورية بما بقي لها من قوة بشرية؟.
ـ وهل سيهنأ الناجون العلويون من مقتلة الإبادة بالعيش في خوف مقيم، لن يخرجهم منه غير تخليهم عن مستبد ضحّى بعشرات الآلاف من أبنائهم كي يبقى كرسيه، واستعادتهم دورهم المؤيد لحرية وطنهم وكرامته، وانضمامهم إلى مطالبة شعبهم بالخيار الديمقراطي ووقف الحرب التي أوهمهم بشار بأنه يخوضها دفاعا عنهم، ويتبين لهم مع كل ضحية منهم أنها كانت حرب إبادتهم دفاعا عن كرسي، لن ينجح في المحافظة عليه، بما ارتكبه من جرائم ضد العلويين أيضا؟.
ـ لنفترض الآن أن العلويين انتصروا في الصراع الحالي، كم عاما سيبقى مستسلما لهم شعب قتل مليون ونيف من أبنائه، وهل سينتصرون في المرة المقبلة؟. لم يكن النظام الطائفي في أي يوم مصلحة للعلويين، وكيف يكون مصلحة لهم، إن كان قد وضعهم في مواجهة شعبهم وجعلهم طعاما للمدافع؟ أليس للعلويين مصلحة حياتية في النجاة من السيطرة الإيرانية على وطنهم، وفي الانضمام إلى معركةٍ ستضمن لهم ما تضمنه لإخوتهم السوريين من عدالة ومساواة وكرامة إنسانية؟.
ـ أليس ضربا من انتحار مواصلة معركة إن ربحها الأسد اليوم خسرها غدا، هدفها إنقاذ شلة متسلطة، لطالما اضطهدت علويين، وحولت آلافا من شبابهم إلى حراس لثرواتها وفسادها في دمشق وغيرها، لو كان أمرهم يهمها، لبادرت إلى قبول حق الشعب السوري الواحد، بمن فيه العلويون، بالحرية؟.
ـ أخيراً، هل بلغت طائفية العلويين حداً يستهينون معه بمصيرهم، دفاعاً عن شخصٍ سيغادر سورية يوما ليلحق بأمواله، وسيتخلى عمّن يموتون اليوم دفاعا عن كرسيه، وسيعيش متنعما بمسروقاته التي يعرف كل علوي أن جزءا منها أخذ منه هو أيضا؟.
من الممكن أن تنتصر أقلية منظمة ومسلحة بعض الوقت على أغلبية مفككة ومن دون قيادة. لكنها تحكم على نفسها بالإعدام، إذا توهمت أن انتصاراتها لا تعلم الأغلبية كيف تهزمها، وأن هزيمتها تحتاج أكثر من خسارة واحدة.
تقول وثيقة جنيف بضرورة قيام شراكة في الحكم، تتمتع بتراضي الطرفين السوريين المتصارعين: أهل النظام وأهل المعارضة. أليس من الجنون أن يتجاهل العلويون فرصةً تضمن أمنهم دوليا، وأن يواصلوا الانتحار، دفاعا عن كرسي لا يحب غير نفسه، يكره حتى من حرّضهم على قتل غيرهم وأنفسهم، بينما يوجد حل ينقلهم قبوله من نظام إقصاء واستبداد أسدي إلى نظام حرية وعدالة ومساواة بضمانات دولية ووطنية، هو نظام مواطنة ومساواة أمام القانون يجرّم الطائفية وممارسيها والمحرضين عليها، ويرفض مبدأ الأغلبية والأقلية المذهبي، ويعاقب من يبني مواقفه تجاه مواطنيه عليه؟.
ينفخ المدافعون عن حكم الطوائف والأقليات في قربة مقطوعة، ويتجاهلون أنه تنتظر طوائفهم هزيمة لن تتمكن من تجنبها، لا مفر من أن تنزل بها ذات يوم، إلا إذا قبلت شراكة حرية ومصير في وطن هو لها كما لغيرها.
ـ هل يعقل العلويون فينجون، أم يبقون أسرى عصابة ألقتهم إلى المهالك، فيندمون ساعة لا ينفع ندم؟.
ميشيل كيلو – العربي الجديد[ads3]
كل ما قلته سيد كيلو صحيح ولكني اشك ان لم اكن متأكدا ان علويا واحدا (الا من رحم ربي) سوف يتخلى عن هذا النظام لان القضية لم تعد قضية كرسي يمتطيه بشار او يتخوزق عليه انما القضية اصبحت هم كل واحد منهم فهم قد افتتنوا بالسلطة التي وفرت لهم الوظيفة الجيدة والمال الوفير والتعالي اللامحدود على الاخرين ولو ذهبت الى قراهم وشاهدت القصور والفيلات والمزارع والسيارات الفارهة لعرفت ماذا اعني
ولكن المشكلة ليس في هؤلاء لان مبررهم حاضر وواضح ولكن المصيبة في الاخرين الذين التفوا حول هذا النظام لدرجة جعلت اهل حلب الغربية يشمتون بل ويرقصون على جراح من هم ايناء بلدتهم وجلدتهم واولئك التافهين ممن يحتلون مراكز خلبية تسميهم مفتي الجمهورية او وزراء او محافظين او حتى عمال نظافة يكتبون التقارير باهل الحارة التي يعملون بها والتي تقدم لهم هبات وصدقات ومعونات تفوق راتبهم الشهري
السيد كيلو تحدثت واجدت في وصف الحالة ولكنك لم تلامس حقيقة المشكلة واسمح لي ان اقول بكل ثقة لن يستجيب لك واحداً منهم وانت تنفخ في قربة مقطوعة
طوال عمرنا كنا مقسمين طائفياً ودينياً وعرقياً ومذهبياً وطبقياً ومناطقياً وعشائرياً ولم يكن لدينا أبداً تلك النزعة الوطنية السورية الحقيقية حتى ما قبل قدوم البعث فكانت هناك دائماً حارة أبو النار وحارة الضبع في كل المدن والقرى السورية أما سبب هذا التكتل والتقوقع هو ببساطة غياب دولة القانون الضامنة للمساواة في الحقوق والواجبات لجميع المواطنين فلذلك أصبح التكتل والتقوقع داخل الطوائف والعشائر والحواري لزامياً للشعور بالأمان والعدالة أما ما فعله البعث فهو استثناء طائفة بأكملها أو 98% منها من المسائلة لأنها أصبحت تجسد القانون وتجسد سلطة الحاكم المطلقة على جميع السوريين وبالتالي فلها الحق في أن تفعل وتنال ما تريد ولو استبدلنا البعث بداعش مثلاً أو بقوات سوريا الديمقراطية واستبدلنا العلويين بالدواعش المهاجرين أو بمقاتلين PKK فسوف نصل إلى نفس النتيجة التي وصلنا لها مع البعث حالياً مع بعض الفوارق البسيطة .
من دون دولة القانون سنظل طوائف وعشائر وأعراق وأديان متناحرة تغزو بعضها البعض وتسبي بعضها البعض إلى يوم الدين.
انتهى دور العلويين في سوريا ولم يعد لهم قائمه تقوم حيث من الناحيه الديموغرافيه هم اقليه اصلا وذادت مصيبتهم اتساعا بعد تلك الاعداد الهائله من القتلى
لن يستطيع احد ان يعيد الزمن الى الوراء فسوريا قبل الثوره ليست سوريا الجديده التي قضت وبشكل لا يدعو للشك ابدا على طموح العلويين وايران لان سوريا عاصمة الامويين من زمن بعيد واغلب سكانها من السنه وانا اكره هذه الالفاظ ولكني مضطرا لها
الثوره انتصرت وحققت مكاسبها ودفعت فاتورة التغيير وهو قادم وقريب لا محاله وسيكون الحكم الان للطائفه السنيه بلا منازع ولن يكون بمقدور العلويين اعادة دورهم السابق على الاقل في المستقبل المنظور
اقول ذلك ليس من الحقد فأنا اعتبر العلويين عنصرا هاما وضروريا من النسيج السوري ولكن ما اريد ان اقوله بإختصار انه لم يعد العلويين فوق القانون ولن تكون حصة الاسد لهم بالجيش ولا بالشرطه ولا بالمخابرات ولكنهم سيأخذون نسبتهم وحقهم الطبيعي ليس اكثر وهذا بحد ذاته اهم انجاز للثوره وهو مادفع الابطال دمائهم في سبيله
سنبقى حلفاء ايران وروسيا ولتذهبوا للجحيم
على الاقل ايران وروسيا لن تقتلنا على أساس طائفي كما تحلمون انتم