المدن الألمانية تتأهب للتغيرات المناخية .. بالمساحات الخضراء

من فوق لوح للتزلج يجدف رجل في شارع غمرته المياه، بينما تُذَكِّر محطات مترو الأنفاق بمناظر الشلالات، فيما تشق حافلة طريقها وسط المياه العميقة. هذه الصور من برلين هي أمثلة لأماكن أخرى عديدة في ألمانيا، كان عليها أن تواجه في الأسابيع الأخيرة ظروفا مناخية قاسية.

كان القطس في صيف ألمانيا متقلباً، إذ تشير هيئة الأرصاد الجوية الألمانية (DWD) إلى أن يوليو/ تموز 2017، كان من بين أكثر الشهور، التي شهدت سقوط الأمطار، منذ بداية تسجيل أحوال الطقس في عام 1881.
تلك الحالة اعتبرها الخبراء في مجال المناخ إشارة واضحة على أن التغير المناخي يظهر آثاره في الحياة اليومية. بمعنى أنه: في فصل الصيف في ألمانيا يتبدل الطقس بين الحرارة المرتفعة مع رطوبة شديدة وبين أيام غزيرة المطر.

وهكذا تجد المدن، خصوصا، نفسها في مواجهة مشاكل كبيرة. إذ يجب عليها التعامل مع كميات ضخمة من المياه، التي تنتج عن الأمطار الغزيرة. فسقوط المطر بشكل مستمر يسبب ضغوطا شديدة على قنوات الصرف كما أن التربة لا يمكنها أن تستوعب كل هذه المياه. ونتيجة لذلك، تغمر المياه الشوارع، وتملأ أقبية المنازل ويتحتم على رجال الاطفاء العمل بشكل مستمر لمواجهة الأمر.

كما أن موجات الحر يمكن أن تتحول إلى عبء كبير، خصوصا بالنسبة للمدن والأماكن شديدة الكثافة السكانية. فالحرارة في المدن تكون غالبا أعلى من حرارة الأرياف، قليلة المباني. ويصل الفارق بينها أحيانا في الصيف حتى 10 درجات مئوية. والسبب في ذلك هو قلة التيارات الهوائية. كما أن وجود عدد كبير من المباني يعني وجود المزيد من الأسطح، التي يمكنها امتصاص الحرارة وتخزينها.
وعن التكيف مع التغير المناخي يقول كريستيان هارتفيغ من إدارة حماية البيئة بكولونيا: “لقد استغرق الأمر مدة حتى استوعب مخططو المدن ومطوروها أن هذا من الموضوعات التي يجب عليهم وضعه في الاعتبار في المستقبل.”

من الناحية النظرية أصبح هناك إدراك لعملية التغير المناخي. وهناك كثير من المدن الألمانية مثل كولونيا، بدأت في السنوات الماضية تهتم بدراسات التكيف مع التغير المناخي و سخرت الخبراء في سبيل الحد من مخاطر هذه الظاهرة. وتم تكليفهم بإيجاد حلول تحسباً لتقلبات الطقس الحادة وحالات الأمطار الغزيرة.

ولا يوجد أي نقص بتاتا في الإمكانيات. وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة هناك حاجة لإجراءات هندسية في المدن، بحيث يجب أن تصمم المباني بشكل يحد من ارتفاع حرارتها. ويساعد على ذلك مثلا دهان واجهات المباني بألوان فاتحة. كما أن المساحات الخضراء في الأسطح أيضا تعمل على تبريد المبنى، كما أنها مفيدة أيضا في حالة سقوط الأمطار: “فالأسطح الخضراء يمكنها أن تمتص المياه عند سقوط المطر بغزارة، ثم تفقدها من بعد ببطء، وهذا قد يؤدي إلى عدم غمر المياه للشوارع بسرعة: يقول ديرك دوتماير، أخصائي البيئة والمناخ بمدينة إيسن الألمانية.

أما من الناحية العملية فإن تطبيق ذلك قد لا يكون أمراً سهلاً دائما، “لا يمكنك إجبار مالك لمنزل خاص على تنفيذ تدابير معينة في منزله”، تقول بيئاته بروفى، التي ترأس دائرة التخطيط العمراني في هيئة التنمية الحضرية والإسكان بولاية برلين. وتقدم برلين منذ فترة المشورة لأصحاب المنازل وتشرح لهم أيضا فوائد الأسطح الخضراء.

وهناك مدن أخرى تغري أصحاب المنازل من خلال أشكال دعم محددة. فهامبورغ لديها منذ العام الماضي برنامج لأسطح المباني الخضراء. بل وحتى في المدن والبلدات الصغيرة يمكن لأصحاب المنازل التقديم للحصول على منح مادية.

سيئة جدا هي الطرقات والمداخل المعبَدة بالأسفلت عند ارتفاع درجات الحرارة. إذ إنها تسخن بشدة في الصيف. ولهذا اعتمدت مدينة بون مشروعا أطلقت عليه اسم “الطبيعة في مناطق رمادية “. وتقوم خلاله شركات بإزالة طبقات الأسفلت في مداخل مقراتها وأماكن انتظار السيارات بها واستبدالها بمساحات خضراء، وهكذا يصبح قلب المدينة أكثر خضرة. وعلاوة على بون هناك أيضا مدن ألمانية أخرى تشارك في هذا المشروع.

لا يوجد نقص في الأفكار، التي يمكن من خلالها للمدن مواجهة التغير المناخي، فالمشاكل توجد أكثر في مسألة التطبيق. فقضية شبكات الصرف الصحي مثلا من المسائل المعقدة عند مواجهة التغير المناخي. فقد بنيت في أزمنة لم يوضع حينها في الاعتبار هطول الأمطار بالشكل الذي شهدته ألمانيا في الأسابيع الأخيرة. ولذلك ألا يكون تجديد تلك الشبكات هو الحل؟ “طبعا هذه فكرة جريئة” يقول ديرك دوتماير، أخصائي البيئة والمناخ بمدينة إيسن، ويتساءل الرجل “من سيدفع تكاليف كل هذا؟”. لكن المدن الكبيرة مثل برلين يبنون حاليا خزانات تحت الأرض لتخزين مياه الأمطار.

ويضع مخططو المدن تركيزهم على المستقبل. وتقول بيئاته بروفى إنه يجب من الآن أن يجري البناء بحسابات لمائة عام قادمة، “وهنا يجب علينا أن نستخدم معارفنا الحالية”، تضيف بروفى، وتدلل على ذلك بما يجري في حي أدلرسهوف في برلين. حيث توجد به منطقة سكنية جديدة تم تطوريها بحيث يتدفق ماء الأمطار هناك في مجار خاصة ليصب في النهاية في أحواض عشب حيث يتم تخزينه هناك.
لكن بناء أحياء سكنية كاملة تلاؤم التغير المناخي تماما يعد أمراً غير واقعي. وهذا يعرفه أيضا الخبير دوتماير، فنصائحه لا يمكن تنفيذها بشكل كامل أبدا – سواء كان ذلك لأسباب تنظيمية أو مالية أو سياسية. وقال دوتماير إن “عناصر مواجهة تغير المناخ هي شيء واحد فقط من أشياء عديدة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في التخطيط.”

ورغم ذلك يعتقد خبير البيئة والمناخ، دوتماير، أنه يوجد هناك ما يكفي لفعله “لكن من المهم أن يكون لدى مخططي المدن نوع من الحس، يجعلهم على وعي بالمشكلة عموما.”

جانينا سِمِنوفا – فريدة تشامقجي – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها