من تفضل بريطانيا أن يحكم في ألمانيا ؟

خسرت رئيسة وزراء بريطانية تيريزا ماي أغلبيتها البرلمانية في الانتخابات التشريعية التي قررت تنظيمها في يونيو (حزيران) الماضي التي كانت تطمح من خلالها إلى زيادة عدد مقاعد حزبها في مجلس العموم، وطلبت من الناخبين مساندة زعامتها «القوية والمستقرة» أثناء التفاوض للخروج من الاتحاد الأوروبي. وتعرضت منذ ذلك الحين إلى ضغوط من جانب زعماء المعارضة وعدد من السياسيين داخل حزبها «المحافظين» لتقديم استقالتها.

وعندما قامت ماي في مارس (آذار) الماضي بتفعيل المادة رقم 50 من معاهدة لشبونة، التي تمثل السبيل لأي دولة من دول الاتحاد الأوروبي تريد الخروج من التكتل، وبدأت بشكل رسمي مفاوضات تستغرق عامين حول انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد أن استمرت عضويتها فيه أكثر من 40 عاما، كان أول مسؤول تتصل به هاتفيا هو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. غير أن المستشارة الألمانية لديها هي الأخرى شواغلها الخاصة بحملتها الانتخابية، استعدادا للانتخابات التي ستجرى في 24 سبتمبر (أيلول) المقبل، ويتفوق حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي ترأسه ميركل في استطلاعات الرأي العام في الوقت الحالي.

ومن المرجح أن ترحب ماي التي أصبحت في موقف ضعيف باستمرار ميركل في الحكم لفترة جديدة، وذلك وفقا لما يقوله سيمون أشروود وهو محلل سياسي بجامعة ساري البريطانية يركز حاليا على عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية، تحدث أشروود عن أفكاره فيما يتعلق بوجهة النظر البريطانية إزاء الانتخابات الألمانية.

وحول اهتمام بريطانيا وحكومتها بهذه الدورة من الانتخابات الألمانية، قال أشروود: «أعتقد أنها مهمة لأن ألمانيا ما زالت تحتل مكانة مهمة للغاية داخل الاتحاد الأوروبي، وهذه الانتخابات ستكون المحور الرئيسي لعملية صنع السياسات في ألمانيا خلال الفترة المقبلة، وبالتالي فإنه يتعين عليهم (السياسيين البريطانيين) أن يستثمروا في ذلك، وفي أي نتيجة ستسفر عنها، ذلك لأنه سيكون لها تأثيرات مادية عليهم».

وبخصوص التأثيرات الممكنة للانتخابات الألمانية على مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قال أشروود إن التأثير الرئيسي لها سينصب على الاتجاه العام لمفاوضات الخروج خلال مراحل مسارها، واتخذت الحكومة الألمانية في الوقت الحالي موقفا بناء على نحو نسبي تجاه عملية تطبيق المادة 50. ومن هنا، فإنها تريد التوصل إلى اتفاق، وتود أن يكون لها علاقات وثيقة مع المملكة المتحدة. وعليك أن تفترض أن هذا الاتجاه لا يزال يمثل أولوية في ظل أي حكومة تتزعمها أنجيلا ميركل. وإذا انتهت نتيجة الانتخابات إلى حكومة لا يقودها حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، أو إلى تشكيل ائتلاف موسع (مع الاشتراكيين الديمقراطيين – يسار الوسط)، فقد يظهر حينئذ نوع من التغيير في السياسات.

«وإنني أعتقد أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا كان ملتزما بشكل عام بموقف أكثر حذرا إلى حد ما تجاه (البريكست)، أو راغب بدرجة أكبر قليلا في استخدام عملية الخروج البريطاني (من الاتحاد الأوروبي) كوسيلة لدفع أجندات أخرى قدما إلى الأمام، وأعتقد أن ذلك قد يترك في النهاية قدرا من المجال لإجراء حوارات أكثر صعوبة حول هذا الخروج».

وهناك مشكلة تتمثل في مختلف دول الاتحاد الأوروبي وهو الاعتقاد بأن الخروج البريطاني قضية خاصة ببريطانيا وحدها، ولكنها في الواقع، قال أشروو: «تعد أيضا قضية داخلية تعني جميع الدول الأعضاء بالاتحاد، وإن هذه الدول لديها سياسات داخلية ينبغي عليها التعامل معها، وحينئذ سيكون لذلك تأثيره على ماهية السياسات التي تختارها الحكومات الوطنية بالاتحاد».

«عليك أن تتخيل في الوقت الحالي أن حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي سيهيمن مرة أخرى على أي مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية في ألمانيا، ولكننا نعلم أيضا أن نتائج الانتخابات في الأعوام الأخيرة أصبحت لا تماثل توقعاتنا بشأنها استنادا إلى ما تشير إليه استطلاعات الرأي العام».

ويعتقد أشروود أن لدى بريطانيا ما يكفي من المشكلات بحيث لم يعد لديها طاقة للتعامل مع حكومة جديدة في ألمانيا، والأمر يمثل صعوبة لأن السياسة الألمانية تميل إلى أن تكون تطورية وليست ثورية، وفي ظل افتراض أن مفاوضات تشكيل حكومة ائتلافية في ألمانيا ستستغرق بضعة أشهر، فيصبح من غير المحتمل على أي حال أن نرى تحولات سريعة في السياسات. وبالنسبة لتيريزا ماي «أعتقد أن وجهة نظرها تحظى بتعاطف نسبي حاليا في ألمانيا، ومن المتعذر أن نرى أي زعيم آخر يمنحها وضعا أكثر قبولا من هذا الوضع الذي تتمتع به في الوقت الراهن، غير أن أي حكومة ألمانية ستكون حريصة في المقام الأول على كفالة مصالح ألمانيا، وهذا سيكون له دائما تأثيره إلى حد كبير».

وهكذا، فإن الأمر لا يعني أن أنجيلا ميركل تبذل قصارى جهدها لمساعدة تيريزا ماي، أو أنها ستفعل ذلك مستقبلا، ولكن ذلك يعني أنه سيتم إزالة إحدى العقبات التي يتعين اجتيازها في إطار عملية المادة خمسين برمتها، حيث تسير عملية التفاوض بشأنها بصورة بطيئة لتقترب على نحو لا يمكن تجنبه من مارس (آذار) 2019. (الشرق الأوسط)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها