تحقيق لوكالة رويترز : أحياء حمص ما زالت مدمرة بعد مرور سنوات على انتصار بشار الأسد

ما زالت آثار الانتصار العسكري الذي حققه النظام السوري في مدينة حمص ظاهرة في حي بابا عمرو، رمز الثورة في مرحلة سابقة، إذ تتجسد في ركام مبانيه التي لم يعد إليها إلا قلة من الناس رغم مرور خمس سنوات على طرد مسلحي المعارضة منه.

وفي حي الزهراء الموالي للنظام في الجهة المقابلة عكس صخب الأسواق المزدهرة ما آلت إليه الحرب في حمص التي كانت يوما ثالث كبرى مدن سوريا.

التناقضات الصارخة لهذين المشهدين بين النصر والخسارة بدت واضحة لدى زيارة رويترز لحي بابا عمرو وهي تظهر الثمن الذي يدفعه من يتحدى حكم الرئيس بشار الأسد.

كانت حمص إحدى مراكز الثورة المبكرة ضد الأسد وكانت أيضا المدينة الأولى التي استخدمت فيها القوة الساحقة لإخماد التمرد.

طرد النظام السوري المسلحين من بابا عمرو عام 2012 وبعد عامين أخرجهم من أحياء حمص القديمة المجاورة. وكان حي الوعر عند مشارف المدينة آخر معاقل مقاتلي المعارضة المسلحة في مدينة حمص عندما استعادته القوات السورية أوائل العام الحالي.

لكن على الرغم من مرور سنوات على عودة بابا عمرو وحمص القديمة إلى كنف الدولة لم تشهد المنطقتان نهضة معمارية ومعيشية تذكر إذ تنعدم تقريبا مظاهر الحياة الطبيعية وتقف الأحياء المقفرة نموذجا للضرر الدائم الذي ألحقته الحرب بمدينة اتخذت فيها الأحداث منحى طائفيا عنيفا بين العلويين الموالين للنظام والسنة الذين فروا بأعداد كبيرة بدّلت المشهد السكاني في المدينة لغير صالحهم.

أما من آثر البقاء من أهل المدينة فقد عاش ليروي خسارة أقارب قتلوا في المعارك أو اعتقلتهم الأجهزة الأمنية أو اختطفوا في العمليات المتبادلة بين الأحياء أو ببساطة فقدوا ولم يعرف مصيرهم حتى الآن.

*معتقلون وشهداء

يسكن فيصل الفطراوي (71 عاما) حي بابا عمرو منذ سبعينيات القرن الماضي ولم يغادره إلا عام 2011 عندما احتدمت المعارك ليعود عام 2012 بعد سيطرة الحكومة عليه من جديد ويستقر في أطلال منزله شبه المهدم.

وقال لرويترز “أولادي الاتنين موقوفين وواحد استشهد وهناك اثنين آخرين في لبنان وفي ليبيا. واحد اعتقل عام 2012 والثاني صار له سنة وشهرين.. لا نعرف عنهم شيء”.

ورغم مرور سنوات على سيطرة الحكومة على الحي، كانت عائلة الفطراوي واحدة من بين عدد قليل من العائلات التي عادت واستقرت في ما تبقى من منازلها من جديد.

يقف الفطراوي ليروي حديقة الخضراوات المتنوعة التي زرعها في الجزيرة الوسطى التي تتوسط الشارع الخالي من حركة السير حيث يقع منزله المفروش بأثاث قليل. ولا يحجب الفطرواي، وهو نجار سابق، عن المارة سوى نوافذ خشبية صنعها بنفسه كي يمنح منزله بعض الخصوصية إذ أن مواد البناء ليست متاحة بسهولة.

وتطبق الحكومة إجراءات مشددة على هوية السكان وطبيعة المواد التي تدخل إلى الحي الذي رافق فيه رويترز في جولتها جندي ومسؤول من وزارة الإعلام.

وقال الفطراوي “نحن في أزمة ولا يستطيع أي شخص أن يدخل على كيفو ويطلع على كيفو. فيه أرزاق ناس كانت موجودة ويجب المحافظة عليها”.

وفي الحي المجاور تعيش حفنة من العائلات التي نزحت من أماكن أخرى من المحافظة وسكنت مؤقتا في منازل خالية من أصحابها في بابا عمرو.

وفاق عدد سكان حمص 800 ألف شخص قبيل الحرب لكنهم باتوا 472 ألفا بينهم 192 ألفا من النازحين الذين انتقلوا إلى حمص خلال الحرب، وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة التي حصلت عليها رويترز. ويشكل السنة الأغلبية العظمى من الأشخاص الذين رحلوا.

وأسهم دمار السوق المركزي القديم في المدينة والأحياء المجاورة له في انتعاش اقتصادي بمنطقة الزهراء الآمنة نسبيا والموالية للنظام عند المشارف الشرقية للمدينة.

*أمان نسبي

وفي ظل الأمان النسبي في حي الزهراء الذي لم يطله القصف الجوي تبدو الحياة طبيعية مقارنة بالمناطق المقفرة والمدمرة في وسط حمص.

وقال أحمد كاسر العلي النائب في البرلمان السوري عن المنطقة “الشوارع الرئيسية في الزهراء ازدهرت وأصبحت سوقا مركزيا. بات وضع التجارة والقوام الاقتصادي أفضل بكثير مقارنة بما قبل الأزمة. بعد أن أقفل السوق (القديم بوسط المدينة) جاء التجار وفتحوا محلات ضخمة ومحلات وشركات وتحسن الوضع الاقتصادي”.

لكن رياح الحرب لم تمر من حي الزهراء دون أن تترك آثارا عميقة عليه. وأشار العلي إلى أن “ثمانين بالمئة من شباب الزهراء في الجيش السوري أو مع القوات الرديفة”.

وأضاف “ما يحز بالنفس هو أنه في الزهراء لا تمشي في الشارع إلا وتجد من يعاني من إعاقة في جسده أو يده أو ساقه. قسم كبير من الشباب انعطب جسمه. هذا الجيل الصاعد من عشرين إلى أربعين عاما. ومن ليس مصابا فهو على الجبهات”.

وعلى طول الشارع الرئيسي في الزهراء والشوارع المتفرعة تطالع المارة صور الشهداء المعلقة على الشرفات وعلى الجدران وإلى جانبها صور الأسد ووالده الراحل حافظ الأسد الذي يشيرون إليه في الزهراء بلقب “أبونا”.

وفي الشارع الرئيسي، كانت كريمة شعبان (57 عاما) تسير متشحة بالسواد حزنا على ولديها اللذين قتلا في الحرب وتزين عنقها قلادة طويلة تتوسطها صورة ابنها الذي لاقي حتفه أثناء قتاله في الجيش في بابا عمرو عام 2013.

وقالت لرويترز “عندنا شهداء كتير. الأزمة أثرت على الطرفين. ما يضايقني هو أنه عندما استشهد ابني وطلعنا على الجبانة (المقبرة) كانوا قد افتتحوها حديثا. يومها كان فيه 13 قبر”. واختنق صوتها وهي تشير إلى عدد الشهداء الكبير الذي دفن هناك منذ بداية الحرب.

لكن الحرب انتهت في مدينة حمص الآن، ولدى محافظ المدينة طلال برازي خططا ضخمة لإعادة إعمار المدينة.

وقال برازي لرويترز “كثيرة هي المناطق التي تعرضت لحجم أضرار كبير بما في ذلك المدينة القديمة” موضحا أن المناطق التي يزيد فيها حجم الأضرار على سبعين بالمئة مثل بابا عمرو وغيرها “سيشملها التنظيم والتخطيط العمراني الجديد”.

وأضاف “لا شك أن حجم الضرر كبير ويحتاج إلى تمويلات كبيرة جدا” مشيرا إلى أن “عملية الإقلاع الكاملة لإعادة البناء تحتاج إلى تمويلات كبيرة جزء منها سيكون من المصارف العامة والخاصة والجزء الآخر من المغتربين السوريين”، متوقعا أن يكون العام المقبل هو “القاطرة” التي تطلق عملية إعادة الإعمار.

ومع عودة حي الوعر أخيرا إلى سيادة الدولة أعلن برازي مدينة حمص “آمنة وخالية من السلاح والمسلحين”، مشيرا إلى أن “الظروف الآن مناسبة جدا لعودة كل السكان. قدمنا الكثير من التسهيلات لعودة الكثير من المهجرين وخصوصا القيود الأمنية”.

لكن العودة مرتبطة بالتدقيق الأمني الذي يشمل كل شرائح المجتمع.

وتتطلب العملية وفق برازي “تقديم المواطن العائد وثيقة تعرف عنه بأنه من أبناء الحي مع أي وثيقة تثبت ملكيته في هذا الحي ويدقق وضعه لدى الشرطة إذا كان مطلوبا في أي جرم سواء كان أمنيا أو جنائيا ويعود بعدها إلى منزله مباشرة” موضحا أن هذه الإجراءات موجودة منذ أكثر من عامين.

غير أن بعض المعارضين ينتقدون هذه الخطوة ويعتبرون أنها تخيف الكثير من السكان من العودة مما سينتج عنه عودة الموالين للنظام فقط إلى هذه الأحياء.

ومن جانبه طالب عبد الناصر الشيخ فتوح رئيس غرفة التجارة في حمص بضرورة إلغاء طلب العودة مشددا إلى أن “السوق التجاري (المركزي) لن يعمل إلا إذا عاد الناس إلى الأحياء الشعبية المحيطة به وبالتالي يجب إلغاء طلب العودة للناس والتجار أيضا”.

وأضاف “يجب تسريع العودة وأن نطلع بحزمة من القرارات الاستثنائية لتشجيع الناس على العودة في الظرف الاستثنائي. نريد مسؤولين لديهم جرأة لاتخاذ هذه القرارات”.

لكن بالنسبة إلى من فقدوا أفرادا من عائلاتهم بطريقة أو بأخرى لا ترتبط العودة بالإجراءات الشكلية والأمنية.

وفي حي الوعر كان مروان الراس (74 عاما) يتفقد بيته المدمر الذي جدده قبل الحرب بأشهر قليلة على أمل أن يرتاح فيه بعد تقاعده، لكن اختفاء ابنه الوحيد عام 2014 حمّله عبء ومسؤولية عائلتين.

وقال “أتامل أن أعود (للإقامة) هنا قريبا لكن أكثر من أي شيء أتمنى أن يعود ابني”.

داليا نعمة – رويترز

* النص كما ورد في النسخة العربية[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

2 Comments

  1. يعني اذا انتصر الاسد رح يصيروا الحماصنة المان ؟؟ ويعمروا البلد متل ماكان واحسن بعد الحرب العالمية التانية ؟؟ السوريين مابيقدروا يعمروا .. لانو مشغولين باحد امرين .. اما بالتكبير .. او بموضوع بالروح بالدم .. غير هيك ما تتوقع يطلع معون..