ألمانيا : تقنيات الذكاء الاصطناعي تبدأ بإقصاء الوظائف المكتبية

قال محللون إن وتيرة تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي المتسارعة أصبحت تهدد معظم الوظائف المكتبية وأن زحفها سيتواصل ليهدد معظم الوظائف من ذلك النوع.

وتمكنت شركات التكنولوجيا خلال الفترة الأخيرة من تطوير وطرح مجموعة واسعة من أجهزة المساعد الشخصي الرقمي التي تعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي مثل سيري وأليكسا وبيكسبي وكورتانا، والتي تقوم بالعديد من الوظائف المعقدة مثل استقبال الأسئلة المسموعة والرد عليها. وهذه التقنيات تفتح الباب أمام تغيير كبير في أماكن العمل.

ورغم التطور الكبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل التعرف على الكلام، إلا أنه مازال هناك الكثير من الوظائف التي لا تستطيع القيام بها حتى الآن.

لكن الخبراء يتوقعون أن يتغير هذا الوضع في المستقبل، إذا نجحت أجهزة الذكاء الاصطناعي في تعليم نفسها بنفسها، من خلال ما يعرف باسم التعلم الآلي. وهذه التقنية عبارة عن عملية تستقبل فيها أجهزة الذكاء الاصطناعي كميات كبيرة من البيانات ثم تقوم بتحليلها والتعلم منها.

وهذا يعني على المدى المتوسط تطوير أجهزة ذكاء اصطناعي أكثر تعقيدا مما هي عليه اليوم. على سبيل المثال فإن المستخدمين لن يكتفوا بسؤال المساعد الشخصي الرقمي عن حالة الطقس غدا، بل يمكن سؤاله أيضا عن شركة التأمين أو خدمات التأمين الملائمة للمستخدم وظروفه المختلفة.

وفي حالة الوصول إلى الأجهزة القادرة على التعلم الآلي، فإن هذا لن يعني فقط عدم الحاجة إلى الأشخاص الذين يقومون ببرمجة وتحديث أجهزة الذكاء الاصطناعي مثل سيري في أجهزة شركة أبل، بل يعني الاستغناء عن العديد من الموظفين الذين يقومون بمهام مكتبية ستقوم بها هذه الأجهزة.

وتقول لوشيا فالكينبرغ خبيرة الموارد البشرية في اتحاد اقتصاد الإنترنت الألماني “أستطيع أن أتخيل بسهولة أن أجهزة المساعد الشخصي ستجد في المستقبل العديد من المهام المكتبية التي يمكنها القيام بها، مثل تصنيف وأيضا الرد على رسائل البريد الروتينية”.

وأصبح السؤال الآن هو هل يمكن لأجهزة المساعد الشخصي مثل أليكسا من شركة أمازون وغيره، القيام بالأعمال المكتبية، كما يقوم الإنسان الآلي بوظائف العمال في المصانع؟

ويقول البروفيسور فولفغانغ فالستر، رئيس المعهد الألماني لأبحاث الذكاء الاصطناعي، إن الإجابة على هذا السؤال يمكن أن تكون نعم ولا في الوقت نفسه “الوظائف الروتينية البحتة تنقرض نتيجة انتصار الذكاء الاصطناعي”.

ويتنبأ فالستر بأن الوظائف التي ستختفي بفضل أجهزة الذكاء الاصطناعي، هي تلك التي يقوم بها أشخاص يجلسون وراء شاشة طوال اليوم ويدخلون البيانات إلى جهاز كمبيوتر أو يقومون بمعالجة البيانات الرقمية وفقا لقواعد بسيطة.

مثل هذه التغييرات الجذرية لن تضرب فقط الشركات الكبرى مثل شركات التأمين الصحي والبنوك، ولكن أيضا الشركات الأصغر حجما مثل شركات المحاماة والاستشارات الضريبية.

لكن كلاوس شميدت رئيس قطاع تكنولوجيا الضرائب والإصلاح في مؤسسة برايس ووتر هاوس كوبر للاستشارات الإدارية والمحاسبية يستبعد أن تكون لمثل هذه التحولات تأثيرات سلبية تماما على الموظفين. ويرى أن العمل قد يصبح أكثر إمتاعا.

ويقول شميدت إنه حتى اليوم يقضي الكثير من الموظفين وقتا طويلا في جمع وتجهيز البيانات، وهذا بالنسبة للكثيرين منهم ليس الجزء الممتع في الوظيفة، وإنما قد يكونون أكثر سعادة عندما يقضون وقتا أطول في العمل الإبداعي.

ويقول متخصصون في علوم الذكاء الاصطناعي إنه أصبح من الصعب رصد جميع تطورات هذا الميدان حتى على المتخصصين أنفسهم، بعد أن أصبحت قدرات الذكاء الاصطناعي تتغلغل في جميع تفاصيل حياتنا وتصل إلى التفوق على إمكانات البشر الذين ابتكروا تلك القدرات.

ويشير الخبراء إلى أنها تتسلل عبر الأجهزة التي نستخدمها يوميا مثل الهواتف الذكية التي تتيح تطبيقات متطورة تتسلل وترصد كافة تفاصيل حياتنا، وهي لم تعد مقتصرة على البلدان المتقدمة بل انتشر استخدامها ليصل إلى معظم سكان دول العالم الثالث.

أما في الحلقات العليا لميادين الذكاء الاصطناعي فيجمع العلماء على أن الآلات ستتفوق خلال وقت قريب لتتمكن من القيام بجميع مهام ووظائف البشر وبدرجة أعلى من كفاءة الأداء والسرعة، بل إنها بدأت تصل لتزويد الروبوتات بالقدرة على محاكاة الحواس البشرية مثل اللمس والتقديرات العاطفية.

وقد اجتمعت اللجنة الأوروبية للشؤون الاجتماعية والاقتصادية التابعة للاتحاد الأوروبي مؤخرا لمناقشة آثار هذه الظاهرة واعتبرتها من أكبر المخاطر التي تهدد المجتمعات البشرية. وأصدرت اللجنة تقريرا بخصوص تلك المخاوف، تناول عدة نواح من بينها تأثير الذكاء الاصطناعي على فرص العمل.

وأشار التقرير إلى أن هناك حاجة لوضع قوانين ضابطة لمختلف أنواع الذكاء الاصطناعي سواء المتوفرة حاليا أو التي يتم تطويرها في السنوات المقبلة.

وتقول كاتلين مولر الناطقة باسم اللجنة الأوروبية “نحن نحتاج إلى توجه جديد يتيح المجال للإدارة البشرية لتفرض وجودها فوق أي تطبيقات مؤتمتة جديدة، فالآلة تبقى آلة والبشر يجب أن يكونوا في موقع القيادة والسيطرة في أي وقت”. (العرب اللندنية)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها