فاينينشال تايمز : ألمانيا .. تكتيك ميركل يعمل بهدوء على إضعاف منافسيها

قبل أن تصعد أنجيلا ميركل إلى المنصة في مدينة مونستر الغنية، كان المنظمون يكافحون لجعل الحضور ممن هم في منتصف العمر، يلوحون بأذرعهم في دلالة على التقدير.

لكن لم يكن هناك ما يدعو للشعور بالقلق. فبمجرد أن وقفت المستشارة أمام الميكروفونات، كان حماس الجمهور واضحا للعيان. صفقوا وهتفوا بينما تحدثت ميركل لمدة 40 دقيقة وقدمت وداعها الحار للجماهير وهي تغادر إلى مرحلة أخرى من حملتها الانتخابية.

اعترف تيم روهليدر، الذي يبدو أنه واحد من اثنين فقط من المناهضين لميركل في حشد ضم خمسة آلاف شخص في ميدان بجانب كاتدرائية تعود إلى العصور الوسطى فى مونستر، بأنه كان من الصعب إقناع الناس بالانضمام إلى إليه. قال، “الحكومة تخدم الشركات الكبيرة. لكنّ هناك احتجاجا ضئيلا لأن الألمان راضون. الأمور تسير بشكل جيد مع ميركل وهم يريدون أن يستمر ذلك”.

في الوقت الذي ترشح فيه ميركل نفسها لولاية رابعة في انتخابات 24 أيلول (سبتمبر)، تظهر استطلاعات الرأي أن تكتلها المسيحي الديمقراطي المحافظ يتقدم كثيرا على منافسيه، بما في ذلك الحزب الديمقراطي الاجتماعي، برئاسة مارتن شولز. وما حذرت قبل ستة أشهر من أنها قد تكون “أصعب حملة انتخابية قاتلت من أجلها على الإطلاق” يبدو الوضع مريحا على افتراض أن استطلاعات الرأي صحيحة.

على الرغم من توقع ميركل في الآونة الأخيرة، لمدة تعود إلى شهر فقط، أنها لن تتمكن من الفوز ببساطة عن طريق الاعتماد على سجلها الطويل، إلا أن هذا هو إلى حد كبير ما تفعله. الأفكار الجديدة التي وعدت بها قليلة وغامضة، مثل التعهد بتوفير العمالة الكاملة بحلول عام 2025.

يقول جينز سبان، عضو المجلس الحاكم في الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي انضم إلى ميركل على المسرح في مونستر، “عندما أعلنت ميركل في كانون الأول (ديسمبر) 2016 أنها تريد الترشح مرة أخرى، توقعنا حملة مختلفة نوعا ما – مزيدا من العاطفة والحجج والمشاجرات المستمرة. لكن الذي حدث هو أننا انتهينا إلى حملة مماثلة تماما لتلك التي جرت في الانتخابات السابقة في 2013”.

مدينة مونستر الغربية، والأراضي الزراعية الغنية المحيطة بها، هي معقل رئيس للاتحاد الديمقراطي المسيحي. لكن مع وجود 50 ألف طالب في جامعاتها، كان هناك مجال للخضر واليسار – الأحزاب التي يختارها الراديكاليون الشباب.

ومع ذلك، في مونستر كما في أماكن أخرى، نجحت المستشارة في التلطيف من قوة المعارضين من خلال أسلوب حملة هادئة للغاية تتجنب استفزاز منافسيها. يقول لوتز ماير، الذي قدم المشورة للاتحاد الديمقراطي المسيحي في عام 2013، “هذه الحملة تمثل ميركل الأنموذجية. التركيز على الشخصية والتقليل من أهمية أية مواضيع أخرى”.

أبرز الاتحاد الديمقراطي المسيحي الدور الشخصي للمستشارة هذا الأسبوع مع مجموعة من الملصقات التي تركز حصرا على ميركل. يقول أحدها، “ذكية وهادئة وحاسمة. لذلك يبقى بلدنا على طريق النجاح”. الفرق الرئيس عن الحملة السابقة قبل أربع سنوات هو الخلفية، الألوان الوطنية الألمانية المكونة من الأحمر والأسود والذهبي، التي تم اختيارها لجذب المحافظين.

واستفادت المستشارة هذا العام من ثلاثة تغييرات سياسية عجيبة. أولا، انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة ذكر الألمان بعوامل اللبس في العالم. وساعد ذلك في حشد الدعم خلف مستشارة تبلغ من العمر 63 عاما، قضت منها 12 عاما في السلطة كثقل موازن يمكن التنبؤ به.

الأمر الثاني كان تراجع أزمة اللاجئين التي عصفت بمستشاريتها عندما وصل أكثر من مليون طالب لجوء إلى ألمانيا، على الأقل في هذا الجزء من أوروبا. ويرى الناخبون على نطاق واسع أن ميركل فعلت الشيء الصحيح، سواء في الترحيب باللاجئين أو في محاولتها خفض أعداد الداخلين. وقالت ممرضة متقاعدة تبلغ من العمر 65 عاما في تجمع مونستر، “بالطبع، أنا ضد أن يأتي الجميع إلى هنا، لكن عندما يحتاج الناس للمساعدة، كما هي الحال مع سورية، يجب أن نساعد. ألمانيا بلد غني ويمكننا تحمل ذلك”.

أخيرا، فشل شولز الذي كان يبدو وكأنه منافس خطير لميركل عندما تولى زعامة الحزب الديمقراطي الاشتراكي في كانون الثاني (يناير)، في الاستفادة من نجاحه الأولي. ففي حين أنه لم ينته أمره منافسا بأية حال، إلا أنه يواجه صعوبات. الحزب الديمقراطي الاجتماعي يحصل على نسبة مقدارها 24 في المائة في استطلاعات الرأي، بعيدا عن الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الشقيق البافاري، الحزب الاجتماعي المسيحي، اللذين حصلا على 38 في المائة.

يقول أوسكار نيدرماير، أستاذ العلوم السياسية في جامعة برلين الحرة، لا يزال هناك وقت لوقوع أحداث تهز الانتخابات، مشيرا إلى أن فضيحة الديزل التي اتّهمت فيها حكومة ميركل بإعطاء شركات صناعة السيارات كثيرا من الحرية، لا يزال من الممكن أن تثير مفاجأة. كذلك يمكن أن تفعل زيادة مفاجئة في اللاجئين، أو هجوم إرهابي كبير. لكن البروفيسور نيدرماير يقول، من الصعب أن نرى كيف يمكن للحزب الديمقراطي الاجتماعي أن يستفيد، باعتبار أنه في تحالف مع ميركل، وبالتالي يتقاسم مسؤولية السياسات الحكومية.

ربما تكون أزمة اللاجئين قد تلاشت، لكن آثارها السياسية المقلقة لا تزال قائمة. وقد فقد حزب “البديل من أجل ألمانيا” القومي اليميني الدعم الذي كان يحصل عليه في ذروة الأزمة، لكنه لا يزال خيارا للناخبين الساخطين. يقول البروفيسور نيدرماير، “لا يزال هناك عدد كبير من الناس لم يحسموا موقفهم بعد. بالتالي هناك احتمال في أن تتغير الأمور في الحملة”.

ستيفان واجستيل – ترجمة : الاقتصادية[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها