الأكراد و ” داعش ” : لماذا هذان الإجماعان ؟

استفتاء الأكراد هزّ العالم ووحّده ضدّ الأكراد. في إسبانيا، تحرّكت حكومة مدريد، المعنيّة مباشرة بالأمر، ضدّ مشروع الاستفتاء الكاتالاني. في العراق، العالم كلّه بدا معنيّاً. بعضه اعترض وبعضه ندّد وبعضه لجأ إلى التهديد المباشر.

يمكن فهم كلّ واحد من الأطراف على حدّة. لكنّها حين تؤخذ معاً يصير واضحاً أنّ تغيير صورة الشرق الأوسط لا يزال أمراً مرفوضاً. لا يغيّر في ذلك أنّ هذا الشرق الأوسط يستمرّ في عرض «مفاتنه» الدمويّة على العالم، اقتتالاً وحروباً أهليّة وانكشافاً للعجز عن إدامة الاجتماع الوطنيّ بأشكاله القائمة.

الذين كانوا يندّدون بـ «خريطة سايكس– بيكو» تمسّكوا بها. الذين كانوا يرحّبون بمبدأ «حقّ تقرير المصير» تحفّظوا عليه. أصوات سنّيّة في العراق استنفرت «العروبة». أصوات شيعيّة راعها الانفصال عن سلطتـ «ـنا».

هناك انتقادات كثيرة صائبة توجّه لقيادة أكراد العراق. لنوع النظام الذي ينوون إنشاءه. لقلّة الحساسية التي أبداها الاستفتاء حيال خصوصيّة كركوك. لكنّ أكراد العراق، وفي ما هو أساسيّ، تصرّفوا كمن يريد أن يدفن الميّت الذي شبع موتاً وأشبعنا عفونة. الآخرون متمسّكون بجثّة الميّت، يغسلونها مرّةً بعد مرّة من دون أن ينجحوا في إزالة رائحة العفونة.

الميّت الموقّر ليس دول الواقع القائم فحسب، بل أيضاً خطاب هذا الواقع: ففي معارضة حقّ تقرير المصير، لم تظهر فكرة واحدة لامعة، أو جملة واحدة مفيدة. الكلام هو إيّاه: «وحدة العراق. إسرائيل ثانية. التصدّي للإرهاب».

الحكومة العراقيّة، وهي أكثر المعنيّين مباشرة بالمسألة، كانت الأضعف خيالاً والأشدّ بكماً. هنا، في المقابل، بدت قيادة الإقليم الوحيدة التي طرحت في سوق التداول السياسيّ فكرة جديدة: دولة غير قوميّة تشمل غير الأكراد من سكّان إقليم كردستان، ولا تشمل الأكراد من غير سكّان الإقليم. إنّها الفكرة الوحيدة ربّما التي سمعناها في السنوات الأخيرة والتي تحاول اللحاق ببعض مستجدّات المنطقة، أي بتفسّخ الدول وتعفّن العلاقات الأهليّة في كلّ منها. أمّا أن يكون أحد أهداف هذه الفكرة طمأنة دول الجوار حيث يعيش أكراد، فهذا لا ينتقص من جدّتها وجدّيّتها. إنّه، فوق هذا، يمنحها مزيداً من حسّ السياسة الذي تستدعيه الأفكار. بيد أنّ الإجماع ضدّ الاستفتاء الكرديّ، وتالياً ضدّ الكيان الكرديّ المستقلّ، يذكّر بإجماع آخر تعيشه المنطقة: الإجماع ضدّ «داعش». وهذا، للوهلة الأولى، يبدو غريباً، إذ الأكراد و «داعش» خصمان في العراق وخصمان أيضاً في سوريّة.

لقد سبق أن رأينا شيئاً من هذا في التعاطي مع الثورة السوريّة. لقد قيل للسوريّين: كونوا ضدّ «داعش» واصمتوا.

فكأنّ الإجماعين، ضدّ الأكراد وضدّ «داعش»، مأخوذين معاً، يشيران إلى انعدام أيّ صورة تحرّر الشعوب لدى صنّاع القرار في الشرق الأوسط والعالم، ولكنْ أيضاً إلى انعدام أيّ صور عن المنطقة ومستقبلها: من جهة، تُختَصر الأوضاع والتعقيدات في نظريّة «الحرب على الإرهاب» بوصفها حدّاً أدنى يلتقي حوله متخاصمون ومتنافسون، كما يتستّرون على خصوماتهم ومنافساتهم. ومن جهة أخرى، عدم السماح بفتح ملفّات الاجتماع الوطنيّ وأنظمته السياسيّة، ما يضمن وحده مخرجاً سياسيّاً ممّا نحن فيه، مخرجاً أغنى وأبعد أثراً من «الحرب على الإرهاب». بلغة أخرى: المنطق السائد يقوم على إطلاق القتال وكبت السياسة. لهذا ضُرب أكراد العراق على يدهم حين حاولوا أن يفتحوا ملفّهم المزمن والمحتقن.

المؤلم أنّ إسرائيل الطرف الرسميّ الوحيد الذي أيّد الاستفتاء الكرديّ. والمؤلم أكثر أنّها، هي التي تمتنع عن حلّ مشكلة الفلسطينيّين ومشكلتها هي نفسها بالتالي، تملك التصوّر الأعرض لحلّ مشاكل جيرانها. وهذا بالتأكيد ينطوي على نفاق، لكنّه أيضاً ينطوي على تصوّر. ويُخشى أن يولّد ذاك الموقفُ الإسرائيليّ حبّاً كرديّاً للدولة العبريّة سبق للعرب أن اتّهموا به الأكراد قبل أن يصير حبّاً، ثمّ مضوا في التنديد دافعين الأكراد إلى ولهٍ بإسرائيل. وطبعاً سترتفع الأصوات العربيّة (والتركيّة والإيرانيّة) مستغربةً: لماذا يكرهنا الأكراد ويحبّون إسرائيل؟

حازم صاغية – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد

  1. جميع الكتاب سواء منهم من كان مؤيداً لاستقلال الاكراد او تبعيتهم او مواطنتهم يحاول ان يظهر القضية انها بين عرب واكراد او اتراك او ايرانيين ويبرزون دور اسرائيل وما يسمونه العشق الكردي للاسرائيليين
    لكن تجاهل السبب الحقيقي يدعو الى الغثيان فالعرب لم يكونوا عدوا للكرد وتجمعهم روابط كثيرة لا اريد ذكرها لان التنكر لها سهل وسريع ولكن حقيقة واضحة جلية يعرفها الجميع ان العرب والاكراد يعانون من مصيبة واحدة هي الحكام العرب فاي ميزة لعربي على كردي في حكم حافظ الاسد وابنه وانا التقيت باكراد اكدوا لي ان العلويين الاكراد يتمتعون بمزايا لا يحصل عليها اي كردي آخر كما لا يحصل العربي على اي ميزة او حتى حق بسيط في ظل هذا الحكم الطائفي البغيض
    وعودة لتاريخ الاكراد فقد كانوا مثلنا رعايا للدولة العثمانية بل كانوا الاكثر انتماءاً للجيش وحدثني جدي انهم كانوا الاشد قسوة على الاخرين اثناء الحرب العالمية الاولى بينما اتهم العرب بخيانة الاتراك وتم تعليق الكثير منهم على اعواد المشانق وكانوا الاكثر رحمة بالاخرين وهم الان (اي من تعرضوا للقسوة والقتل) في معظمهم رعايا في دول عربية كثيرة ولهم من التفوق الاقتصادي وحتى السياسي على العرب انفسهم واعتقد ان القارئ لن يخفى عليه ما اريد
    بعد نهاية الحرب وخضوع معظم الوطن العربي للاستعمار الغربي يجب ان لا ننسى دور الاكراد في هذه المرحلة فلا ننسى ان وزير الحربية الذي تصدى للفرنسيين وكان كل مقاتليه من العرب الشهيد يوسف العظمة كان كرديا وبالمقابل انضوى الاف الاكراد في الجيش الذي انشأه الفرنسيون وكان رؤساء الجمهورية اثناء الانتداب اكثرهم اكراد ومنهم تاج الدين الحسني وبعد الاستقلال كان قائد اول انقلاب في سوريا وقائد الجيش حسني الزعيم كرديا ورئيس وزرائه مسلم البرازي كرديا ولم يعترض العرب عليهم كأكراد
    وعندما تسلط حافظ الاسد على سوريا كان العرب هم ضحاياه الوحيدون في الوقت الذي كان مفتي الجمهورية احمد كفتارو كرديا واشهر المذيعين اكرادا مثل زهير الايوبي ومروان شيخو وعلاء الدين الايوبي كما كان رئيس وزراء الاسد محمود الايوبي كردياً
    وعندما تسلم بشار القيادة برز اهم علماء سوريا محمد سعيد رمضان البوطي وهو كردي وعند انتفاضة الاكراد في ٢٠٠٤ والتي قمعها بشار حاول ان يسترضي الاكراد والتعامل معهم بشيء من الرقة بعكس العنف والقسوة التي يتعامل دائما بها مع العرب والشواهد كثيرة يعرفها الجميع
    ومع بداية الثورة تعاون الاكراد مع النظام الذي بدأ بمحاولة رشوتهم بتقديم الهوية السورية لحوالي ثلاثمائة الف كردي ووقفت ما يسمى بالحماية الكردية الى جانب النظام دون مواربة وتوحدوا في اكثر من عمل عسكري ضد الثورة ولا زال التعاون والغزل بينهما واضح للعيان وليس آخرها تصريحات المعلم وصالح مسلم
    اما في تركيا فهنالك عرب فهل يعطي الاتراك اي ميزة لهم على الاكراد بالعكس هم مهمشون تماما ولا يسمع بهم احدا بينما يحتل الاكراد الكثير من المواقع هناك
    اما ايران فحدث ولا حرج فهي تعادي العرب واغتصبت عربستان واحتلت الجزر العربية المعروفة وحاربت العراق زمن صدام وساندتها اسرائيل وقدمت لها السلاح ولم نسمع احتجاجا كرديا على ايران ونحن نعلم ما ارتكبه نظام صدام ضد الاكراد ولكن العرب لم يكونوا هم المجرمون بل نظام بعينه
    وتحارب ايران العرب في عدة اقطار عربية في هجمة فارسية تريد حتى تغيير البنية الديمغرافية للمنطقة العربية ويقلدها الاكراد تماما فكم من العرب قتلوا وطردوا من مدنهم وقراهم في عملية تطهير عرقي مازالت مستمرة
    اما عن اسرائيل فيسعدها ان تتشظى المنطقة وتتحول الى بؤر متصارعة تقف هي في طرف ويقف من هم اعداؤها المفترضون في طرف آخر علما ان الكثير من العرب عقد معاهدات سلام مع اسرائيل وما هو مخفي اعظم كما نسمع عن علاقات دول الخليج بالدولة العبرية
    اذن فان تصوير الصراع على انه بين الاكراد والعرب هو كذبة مخترعة تم تصديقها والمؤسف ان الاكراد لم يصدقوها فحسب بل تبنوها ووصل الامر ببعضهم الى المطالبة بطردنا الى الجزيرة العربية واقتسام تركتنا مع اسرائيل وايران ومن له طمع في ارضنا
    الاكراد لم يكونوا عدوا لنا يوما ولم نشعر تحاههم بذلك اما ان فرضوه علينا ولا نرغب بذلك فحسبنا الله ونعم الوكيل