الطب في ألمانيا .. إرث عريق و حاضر مزدهر

على مدار مئات السنين عُرفت ألمانيا بكونها أحد أهم مقاصد العلاج في أوروبا. وعبر تاريخها العريق الذي مازال يبرهن حتى اليوم على ريادتها العالمية في استقبال المرضى الذين يقصدونها للعلاج؛ ما فتئت هذه الدولة تعزز مكانتها الرفيعة بين أهم الدول المتقدمة في هذا المجال. ولا غرابة في ذلك، إذ يعَدُّ نظام الرعاية الصحية فيها أحدَ أفضل الأنظمة في العالم، فضلاً عن فتوحاتها العلمية والطبية المشهود لها عالمياً، وتمتعها بطبيعة ساحرة وموقع حيوي في قلب أوروبا. وهذا ما أسهم في جعل ألمانيا وجهة مثالية لمن يتوق إلى السفر بهدف الاستشفاء والتمتع بتجربة سياحية استثنائية في آن واحد.

تركيبة فريدة

تتكامل في ألمانيا كل العناصر التي تؤهلها لتكون وجهة علاجية فريدة من نوعها في العالم، بدءاً من موقعها الممتاز في وسط أوروبا ومناخها المعتدل نسبياً، مروراً بطبيعتها الآسرة التي تشكل لوحة خلابة من الجبال والأنهار والينابيع والمروج الخضر، وصولاً إلى حدائقها الغنَّاء ومتنزَّهاتها الوطنية ومتاحفها المتنوعة. ويتكامل ذلك كله، مع وجود بنية تحتية فائقة التطور في مجال العلوم الطبية والبحث العلمي؛ قوامها نحو 2000 مستشفى بين حكومي وخاص، ومن بينها أيضاً 35 مستشفىً جامعياً يعود تاريخ تأسيس أهم واحد منها إلى عام 1710، وقد أصبح الآن أكبر مستشفى جامعي في أوروبا، إذ يضم حوالي 200 بروفيسور و400 طبيب اختصاصي يغطون جميع التخصصات بكفاءة قلَّ نظيرها.

وتتميز المستشفيات في ألمانيا، عموماً، بمعاييرها التقنية العالية ونظافتها وطواقمها التي تتمتع بقدر عال من الكفاءة، وخصوصاً الأطباء أصحاب الخبرات الواسعة والكفاءات العالية.
ووفقاً لإحصائيات منظمة الصحة الدولية، فإن ألمانيا تمتلك متوسطاً يساوي 380 طبيباً لكل 100.000 نسمة؛ أي ما يعادل طبيباً واحداً لكل 263 شخصاً تقريباً، وهو أعلى من مثيله في كل من الولايات المتحدة الأميركية وكندا.

علامة «الطب في ألمانيا»

نظراً للمستوى الرفيع الذي تتمتع به مستشفياتها ومراكزها الطبية وعياداتها ومرافقها الصحية، أصبحت ألمانيا علامة رائدة على النطاق العالمي في مجالات الوقاية من الأمراض وإعادة التأهيل وعلاج الأمراض المزمنة والسياحة العلاجية.. فإلى جانب العدد الضخم من المؤسسات الطبية التي تقدم خدمات الرعاية الصحية في ألمانيا، يوجد فيها ما يناهز 1200 مرفق يدعِّم هذه الخدمات، فضلاً عن وجود أكثر من 350 منتجعاً طبياً وصحياً مرخصاً للغايات نفسها.

وقد ارتبط شعار «الطب في ألمانيا» بالجودة العالية التي تتميز بها ألمانيا في حقل العلوم الطبية منذ وقت طويل، إذ تعتبر من البلدان الرائدة عالمياً على مستوى الابتكار في هذا المجال، علاوةً على النجاحات الهائلة التي حققتها في ميدان الرعاية الصحية. وبعودة سريعة إلى الماضي، لا بد من الوقوف عند بعض الإنجازات العظيمة التي قدمها العديد من الأطباء والباحثين الألمان؛ مثل روبرت كوخ الذي أسس علم الجراثيم في منتصف القرن التاسع عشر، وفيلهلم كونراد رونتغن الذي اكتشف الأشعة السينية في نهاية القرن التاسع عشر، ورودولف فيرشوف الذي أسهم في القرن التاسع عشر في إرساء المفهوم الحديث للطب الوقائي، وفتح الباب على مصراعيه أمام تطبيق رعاية صحية تشمل كل أطياف المجتمع.. وغيرهم الكثير!

للعلاج والاسترخاء معايير

وفقاً للقانون الألماني، تخضع كل المستشفيات في ألمانيا لبرامج مراقبة جودة تشرف عليها الحكومة، وتتضمن هذه البرامج شهادات واعتمادات من الجهات المتخصصة المشرفة على ذلك. كما يخضع الأطباء هناك لبرنامج تدريبي صارم ودقيق قبل السماح لهم بممارسة تخصصاتهم.

إلى جانب المستوى العالي للرعاية الصحية فيها، تتميز ألمانيا بالظروف المناخية الملائمة التي تساعد المرضى على تقليص الفترة اللازمة لاستعادة صحتهم، فالطقس المعتدل والهواء العليل والمناطق الجبلية الساحرة والمناظر الطبيعية الساحلية الخلابة المطلة على بحر الشمال في شمالها الغربي أو على بحر البلطيق في شمالها الشرقي؛ تشكّل كلها عناصرَ بالغة الأهمية في شفاء هؤلاء المرضى. وتحتل المنتجعات الصحية الألمانية مكاناً ريادياً في أوروبا بوصفها مراكزَ استشفاء رفيعة المستوى، بفضل جمعها بين ثنائية الطب التقليدي المتوارث ومفاهيم الطب الحديث. وقد أسهم التنوع في الطرق العلاجية الطبيعية في جعل ألمانيا وجهة مثالية للرحلات العلاجية.

أما الذين يتوقون إلى التمتع بالينابيع الطبيعية والمنتجعات الصحية، فإنهم سيجدون الكثير من منتجعات المياه المعدينة والطين والمنتجعات البحرية التي تقدم برامج لا حصر لها تتعلق بالخدمات العلاجية والوقائية والاسترخاء.

وجهة مفضلة للعرب

تجتذب المستشفيات الألمانية المسافرين للعلاج من كل أنحاء العالم، بما فيها بريطانيا وأميركا، بسبب المستوى المرتفع للرعاية الطبية في ألمانيا، كما تتاح أمام هؤلاء المسافرين فرصة مثالية لتقليص فترة انتظار مواعيد زياراتهم للمراكز الطبية؛ وهي مشكلة حقيقية في بعض الدول، خصوصا في بريطانيا وكندا وأيرلندا. كما تستقبل عدداً كبيراً من المرضى الذين يرغبون في الحصول على رعاية صحية مثالية من دول شرق أوروبا؛ كروسيا ورومانيا وبلغاريا.

وتعَدُّ ألمانيا وجهة مفضلة عند المرضى العرب القادمين من البلدان العربية، خصوصا دول الخليج، للاستفادة من الخبرات الكبيرة والسمعة الممتازة التي يتمتع بها الأطباء فيها، معزَّزةً بالخدمات المتوفرة في العديد من المستشفيات والعيادات الألمانية عبر المكاتب المختصة بخدمات المرضى الدوليين؛ مثل: الترجمة، غرف الصلاة، طعام يتناسب مع كل ثقافة ودين، النقل والمواصلات، تأمين سكن للمرافقين في شقق خاصة أو فنادق.. وغيرها.

هذا ما يجعل عشرات الآلاف من المرضى يتدفقون إلى ألمانيا سنوياً لتلقّي أجود مستويات العلاجات المترافقة بأفضل النصائح الوقائية وإعادة التأهيل.. علاوةً على الفرص المتاحة أمامهم، سواء أكانوا وحدهم أم مع مرافقيهم، لخوض تجربة سياحية ترفيهية مميزة من أجل التعرف إلى بعض ملامح الإرث التاريخي والثقافي الغني لهذا البلد المليء بالقلاع والقصور والمتاحف والمحميّات الطبيعية والمتنزّهات الوطنية وحدائق الحيوانات ومراكز التسوق المتنوعة.

المصدر : صحيفة القبس الكويتية[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها