أي دور تؤديه الشرطة العسكرية الروسية في سوريا ؟

ضمن الخطط التي وضعتها من أجل ضمان الأمن في مناطق خفض التوتّر داخل #سوريا، أرسلت #موسكو عناصر من شرطتها العسكريّة لمراقبة وقف إطلاق النار. وقد لفتت هذه العناصر نظر كثير من المراقبين الغربيّين مع تعدّد مهامّها وتنوّع مجالات التدريب التي خضعت لها. وبالرّغم من ذلك، لم تكن هذه العناصر في مأمن من الهجمات إذ إنّها تعرّضت إلى هجوم شنّته هيئة تحرير الشام التي تسيطر عليها جبهة النصرة في الثامن عشر من أيلول الماضي.

فبعد محاولة الهيئة السيطرة على مركز لوحدة من الشرطة العسكريّة الروسيّة في #إدلب، تدخّلت القوّات العسكريّة النظاميّة في عمليّة سريعة تضمّنت غارات جويّة وهجوماً روسيّاً برّيّاً وبحريّاً شاركت فيه وحدات من العمليّات الخاصّة “سبيتسناز”. وباستثناء إصابة ثلاثة من الروس بجروح، أنجزت موسكو ردّها العسكريّ بنجاح بعدما تفادت سقوط أيّ قتلى في صفوف مقاتليها. وعادت وزارة الدفاع الروسيّة لاحقاً لتؤكّد مقتل عدد من زعماء الفصائل التي شاركت في الهجوم، خلال غارات شنّها الطيران الروسيّ على إدلب.

واتّهم المحلّل السياسيّ الروسيّ ميخائيل سمولين عبر إذاعة “سبوتنيك” الولايات المتّحدة بالتخطيط للهجوم خصوصاً أنّه استهدف وحدة منفصلة من الشرطة العسكريّة الروسيّة في سياق حرب العصابات التي تدعمها واشنطن كما جاء في الوكالة. ولا يخرج هذا التحليل عن الإطار الروسيّ الرسميّ في اتّهام الولايات المتّحدة بهكذا نشاطات، إذ سبق لوزير الخارجيّة سيرغي لافروف أن وجّه اتّهاماً مشابهاً للقوّات الأميركيّة.

أين ظهرت بداية؟

كان أوّل ظهور لعناصر الشرطة العسكريّة في حلب بعد استعادتها بفعل حصار مطبق وقصف جوّيّ عنيف شنّته الطائرات الروسيّة. كما حمت هذه الشرطة عناصر الوحدات الجوّيّة الروسيّة في سوريا إضافة إلى المنضوين في المركز السوريّ للمصالحة. ويضيف موقع “ساوث فرونت” أنّ الشرطة العسكريّة كانت شبه غائبة في الاتحاد السوفياتي، ولم تكتسب وضعيّة قانونيّة خاصّة بها إلّا بعد توقيع الرئيس الروسي فلاديمير #بوتين مرسوماً خاصاً بتلك القوّات سنة 2015 إثر خضوعها لسلسلة من التدريبات المكثّفة. وتتراوح مهمّاتها بين فرض الانضباط في المواقع العسكريّة، حماية المدنيّين وقوافل المساعدات الإنسانيّة، إقامة نقاط تفتيش، حماية المنشآت الروسيّة إضافة إلى مراقبة وقف إطلاق النار. وتتمتّع هذه الوحدات بتدريب خاصّ يمزج استخدام الأسلحة الناريّة وغير الناريّة.

مقرّبون من الرئيس الشيشاني

وانتشرت هذه الشرطة خلال شهر تمّوز الماضي في عدد من النقاط داخل محافظة درعا، وقدّر المراقبون أعدادها بحوالي 400 عنصر، قبل أن تُظهر وسائل إعلاميّة انتشاراً آخر لها في غوطة الشرقيّة خلال الفترة نفسها. وقال وزير الدفاع الروسيّ سيرغي شويغو إنّ هذه العناصر تنتمي إلى المنطقة العسكريّة الجنوبيّة في روسيا. ويذكر الباحث نيل هوير من موقع “أوبن ديموكراسي” البريطانيّ أنّ أفراد هذه الشرطة يأتون من مناطق تضمّ القوقاز الشماليّ ممّا يشير إلى تشكيل المسلمين السنّة لغالبيّة هذه الوحدات فيما يرى باحثون آخرون أنّ قسماً من هؤلاء مقرّب من قوّات الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف.

مشاكل

ربّما يظهر هذا الفصيل في القوّات العسكريّة الروسيّة مدى التنوّع الذي أصبحت عليه هذه الأخيرة، خصوصاً مع عمليّة تحديث الجيش التي أطلقتها موسكو منذ حوالي ستّ سنوات. فهي لم تكتفِ بتطوير الترسانة العسكريّة التي لديها بل قامت بدمج الوحدات القتاليّة غير الكلاسيكيّة بالوحدات التقليديّة ضمن ذراعها العسكريّ. جاء ذلك بغية مواجهة مختلف التحدّيات الميدانيّة التقليديّة وغير التقليديّة أكان في شرق أوروبّا أم في سوريا. لكن مع ذلك، هنالك العديد من المشاكل التي تواجه الشرطة العسكريّة في مناطق النزاع السوريّ خصوصاً مع تعدّد الفصائل المقاتلة على الأرض والتعاون غير المستقرّ مع الأميركيّين. فالشرطة تؤدّي مهمّات رقابيّة وهي غير قادرة وحدها على فرض الأمن في مناطق خفض التصعيد. ومن جهة أخرى، قد لا تستطيع تأدية الكثير في تلك المناطق من دون أن تساندها قوّات أخرى لإعادة المؤسّسات الرسميّة إلى العمل كيتؤمّن الحاجات المحلّيّة خصوصاً أنّ أعدادها في سوريا تقارب 1200 عنصر فقط.

كيف يستفيد بوتين؟

لكن بغضّ النظر عن هذه المشاكل، تبقى تلك الوحدات أداة قوّة جديدة بين يدي بوتين، أو بحسب تعبير رئيس مركز الأمن الأوروبي في المعهد التشيكي للعلاقات الدوليّة مارك غاليوتّي، هي “نوع صلب من القوّة الناعمة” في روسيا. ويشير الباحث في مقاله ضمن موقع “وور أون ذا روكس” الأميركي إلى أنّ انتماء معظم عناصر هذه القوّة إلى الدين الإسلاميّ جعلها متمكّنة من التعاطي بسهولة أكبر مع السكّان المحلّيين.

لكنّ الأهمّ من ذلك يكمن في قدرة بوتين على استغلال الشرطة العسكريّة لأهداف دعائيّة تساعد بلاده على تكوين صورة أفضل لدى الرأي العام الغربيّ تحديداً. فإرسال عناصر مدرّبة من الشرطة العسكريّة تحديداً يحظى إجمالاً بانطباع إيجابيّ نظراً إلى مهامّها في إرساء الانضباط والتأكّد منه داخل الأجهزة العسكريّة وحتى خارجها. وإلى جانب هذه النقطة الإيجابيّة، يمكن أن يشكّل دور هذه الشرطة في تأمين وحماية قوافل المساعدات وبعض المهامّ الإنسانيّة عاملاً مساعداً في تحقيق أهداف الرئيس الروسيّ. وبذلك، يكون الكرملين قد تمكّن من “إرسال أصول من القوّة الصلبة مع الاحتفاظ بالقدرة (على ممارسة) القوّة الناعمة”، كما يكتب غاليوتّي.

بالفعل، بدأ الروس ينشرون أشرطة فيديو حماسيّة تقدّم الشرطة العسكريّة الروسيّة بصفتها تحارب الإرهاب وتساعد السكّان المحلّيّين والأطفال على تأمين متطلّباتهم. ويمكن أن تعني هذه الأشرطة بشكل شبه مؤكّد أنّه سيكون لهذه الوحدات مزيد من الأدوار التي ستؤدّيها خلال المرحلة المقبلة في سوريا، خصوصاً مع تقدّم مسار المحادثات في #أستانا.

جورج عيسى – النهار[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد