رويترز : الهجرة و العولمة توقظان المشاعر الوطنية لدى الألمان
تعتبر ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، من أكثر الدول المستقطبة للمهاجرين واللاجئين في العالم. لكن موضوع الوطنية والهوية الألمانية يعد أحد الهواجس أمام اندماج المهاجرين واللاجئين في المجتمع الألماني، وهو موضوع مهم بالنسبة للألمان أنفسهم.
ففي الذكرى السابعة والعشرين لإعادة توحيد ألمانيا ركز الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير في خطابه على مسألة اللجوء والهجرة، مطالباً بوضع معايير واضحة لهذا الملف، خاصة بعد استقبال بلاده لأكثر من مليون لاجئ ومهاجر منذ 2015.
وشعبياً، يلاحظ في ألمانيا مؤخراً على سبيل المثال ازدياد الطلب على “درندل”، وهو فستان تراثي يلبس في جنوب ألمانيا وليشتنشتاين والنمسا وسويسرا وإيطاليا أو البلدان المحيطة بجبال الألب وكذلك الطلب على ساعات الوقواق، التي تصدر أصواتاً كل ساعة كصوت الوقواق، والأطعمة المحلية والروايات الغامضة التي تتحدث عن مناطق مثل جزيرة سيلت الشمالية.
في هذا السياق، يشير السياسي الألماني من أصول فلسطينية رائد صالح إلى طبيعة حياته لدى قدومه إلى برلين في عمر الخامسة بصحبة عائلته. ويوضح أن 90 بالمئة من التلاميذ في مدرسته كانوا ينتمون إلى عائلات من خلفيات مهاجرة. وقال صالح: “رأيت أشخاصاً يحاولون أن يشعروا كل الأطفال بالانتماء إلى ألمانيا، لقد افتقدت شعور الانتماء لفترة طويلة”.
وفي كتابه “أنا ألماني ـ الثقافة المُوَجهة (السائدة) الجديدة”، الذي نشر في وقت سابق من هذا العام، دعا صالح إلى “رؤية مشتركة” أكثر شمولية في ألمانيا تخص 82 مليون نسمة من سكانها. وكتابه هو واحد من بين أكثر 12 كتاباً نُشر خلال العام الماضي، يستكشف الهوية الألمانية ويتحدث عن مفهوم الوطن.
من جانبها، تقول سوزان فاينغارتن، المشرفة على إنتاج عدد خاص من مجلة “دير شبيغل” مكرس للوطن (Heimat)، إن اهتمام كل من اليمينيين وشباب “الهيبستر” اليساريين يشير إلى أن هناك فوضى في ألمانيا بصدد التفاقم بسبب العولمة وأزمة الهجرة. وتضيف فاينغارتن في إشارة إلى النازية: “إنه مفهوم ساخن في ألمانيا بسبب الاشتراكية القومية”، مشيرة إلى “أن محاولة التعريف بمصطلح الوطن (Heimat) لكل الناس يبقى من الأمور الصعبة. وتعزو ذلك إلى “أن الجيل الجديد الحالي الذي وُلد بعد 50- 60 عاما من محرقة الهولوكوست بإمكانه أن يفهم هذا المصطلح لكن دون وعي بمعناه الحقيقي.”
على صعيد آخر يقول كريستيان شويل، مؤلف كتاب “الوطن: شبح الألم” الذي نشر ربيع العام الجاري، إن تقدم الأحزاب اليمينية المتطرفة في الانتخابات الألمانية الأخيرة ناجم عن الشعور بفقدان الهوية الوطنية بسبب ازدياد الهجرة، ما أدى إلى فقدان بعض المدن لتقاليدها المحلية. ويضيف شويل أن النقاش الحالي طال انتظاره وأن الانتخابات كشفت عن تصدعات عميقة في المجتمع بسبب عدم اندماج الكثيرين من اللاجئين والمهاجرين بالمجتمع الألماني.
ويعلق يورغن كرون، المدير الإداري لدار نشر دروسته التي تتخذ من دوسلدورف مقراً لها بالقول إن مبيعات الكتب ذات صلة بالمواضيع الإقليمية قد حافظ على مستواه بالرغم من انخفاض في سوق النشر بشكل عام. ويضيف بالقول: “هناك طلب على كتب ذات صلة بالوطن”. وتشهد مدينة فرانكفورت معرضاً للكتاب ستقام على هامشه نحو 12 فعالية وندوة متعلقة بموضوع الوطن.
وأصبح الفخر الوطني منتشرا للمرة الأولى منذ الحقبة النازية في صيف 2006، عندما استضافت ألمانيا كأس العالم لكرة القدم، حيث رُفعت أعلام البلاد في كل حدب وصوب.
من جهة أخرى تروي دوروتيا سوه (33 عاماً)، وهي معلمة الموسيقى من مدينة هامبورغ الألمانية وقد هاجر والدها من كوريا الجنوبية قبل ولادتها بعامين، تروي قلقها بخصوص موضوع الهوية الألمانية. وتقول دوروتيا إنها اصطدمت بقول جارها: “الأجانب إلى الخارج” بالرغم من أنها تعتبر ألمانيا بلداً لها وهي حاملة الجنسية الألمانية. وتضيف دوروتيا بالقول: “ألمانيا هي بيتي. أنا لا أريد أن أترك ألمانيا، ولكني بدأت أشعر وكأنني غريبة في بلدي. لا أريد الانتظار طويلاً ثم أجد نفسي أمام أبواب مغلقة.”
المصدر : REUTERS – Deutsche Welle
[ads3]