كيف يقرأ ” حزب الله ” خطوة واشنطن هدر دماء قيادييه العسكريين؟
كثير من اللبنانيين الذين تناهى اليهم نبأ تخصيص الادارة الاميركية مبالغ مالية “حرزانة” نسبياً لمن يدلي اليها بمعلومات عن القياديَّين العسكريَّين المخضرمَين في “حزب الله” طلال حمية وفؤاد شكر، عادت الى اذهانهم افلام “الويسترن – الكاوبوي” الاميركية الشهيرة التي غزت عالم السينما في عقد الستينات، ومعها استعادوا صورة المطلوبين للعدالة الاميركية (“وينتد”) وقيمة الجوائز المالية الموضوعة من السلطات على رؤوسهم للقبض عليهم احياء او امواتا، ليخرجوا باستنتاج جوهره ان مثل الخطوة الاميركية الاخيرة امر غير طارىء على العقل الاميركي، فجذوره تعود الى القرن الثامن عشر.
لكن العنصر المستجد هذه المرة هو ان المطلوب الارشاد عنهما عبر توفير معلومات في مقابل جائزة مالية هما، وفق ما يقول الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد امين حطيط ، ليسا اميركيين، وليس من قرينة او اي دليل عملي يثبت انهما ارتكبا اية جريمة على الارض الاميركية، او انهما تجاوزا القوانين المرعية الاجراء في يوم من الايام، فضلاً عن ان ما صدر عن الادارة الاميركية بحق هذين الشخصين اللبنانيين هو عمل لا يستند الى اي شرعية قانونية، اضافة الى انه انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي والعلاقات بين الدول، وهو بهذا المعنى تنطبق عليه صفة “ارهاب دولي موصوف”.
وعن الابعاد العسكرية التي يمكن ان تكون كامنة وراء هذه الخطوة الاميركية المفاجئة يقول العميد حطيط: “انها اعلان حرب وقرار بهدر دم هذين الشخصين، فضلا عن ان القرار من شأنه ان يمهد الاجواء لفتنة داخلية متنقلة في لبنان يمكن ان تهدد الاستقرار الداخلي كونه يحرض ضعاف النفوس على لبنانيين آخرين باغراء المال ووضع فئات لبنانية بازاء بعضها البعض، وهو ما يفضي بشكل او بآخر الى المساس بالامن والاستقرار الداخليين”.
ولا يسقط حطيط في قراءته فكرة ان هذا الفعل الاميركي هو تصعيد لقرار العقوبات المالية الاميركية التي اقرها الكونغرس قبل مدة، ويتقاطع في الوقت عينه مع دعوة وجهها وزير خليجي لتشكيل تحالف دولي لمواجهة “حزب الله” انطلاقا من ان قرار العقوبات المالية غير كاف”.
ولئن كانت هذه باختصار رؤية خبير استراتيجي لأبعاد ما صدر عن الادارة الاميركية في شأن قياديين عسكريين من “حزب الله”، فان الثابت ان الحزب لم يفاجأ به، فهو في رأي قريبين منه “حلقة في سياق تصعيدي شرعت به الادارة الاميركية الحالية ضد الحزب منذ وصولها الى البيت الابيض”. ولقد استشرفت قيادة الحزب هذا التوجه التصعيدي من ادارة ترامب، فكان التحذير المتكرر للامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في اكثر من اطلالة اعلامية له مما سمّاه “جنوح ترامب نحو التهور والمغامرة والجنون”، وتوقع ان تكون تلك الصفات السمة الدائمة لهذه الادارة طوال مكوثها في الحكم وامساكها زمام القرار في البيت البيضوي.
ومعلوم انه سبق الخطوة الاميركية الاخيرة بأيام معدودة قرار صدر عن الكونغرس بفرض حزمة عقوبات مالية جديدة على الحزب، وهو القرار الـ17 من نوعه الذي يخرج عن الكونغرس الاميركي الحالي منذ انتخابه.
واذا كان ليس جديدا حال العداء والقطيعة بين واشنطن و”حزب الله”، فهي حال دائمة مذ اعلن الحزب عن انطلاقته في عام 1982، وهو عداء استحال لاحقا الى مواجهات واحتكاكات عبّرت عن نفسها بأشكال ومحطات مختلفة.
مع ادارة ترامب بدأ الحزب يهيىء نفسه بناء على معطيات ووقائع ودراسات لنوع جديد اكثر تصعيدا من الضغوط الاميركية، لاسيما ان واشنطن ايقنت ان دور الحزب كان رئيسيا في احباط الكثير من التصورات والمخططات التي حاكت واشنطن خيوطها بعناية وجدية وعلّقت عليها رهانات في المنطقة، خصوصاً بعدما ولجت قواته عمق الميدان السوري الملتهب.
ووفق المصدر نفسه فان الهدف الاضافي الجديد لهذا التصعيد الاميركي المتجسد في القرار المستجد والمتناغم مع ضغوط اسرائيلية متصاعدة وغير اسرائيلية، هو زيادة وتيرة الضغط على الداخل اللبناني بغية احداث كسور وتصدعات فيه لاشعار اللبنانيين، ولاسيما منهم الذين لا يوالون الحزب، انهم عرضة للتأثير والاذى والضرر بفعل سياسة الحزب و”بفعل مغامراته ونهجه”، وهو ما يشكل عنصر دعوة ضمنية لهم للتصدي للحزب.
وعليه فان السؤال المحوري المطروح الان بجدية في دوائر الحزب الداخلية ولدى قاعدته هو عن ورقة الضغط التالية التي يمكن ان تكون في جعبة الادارة المعنية في واشنطن ضد الحزب بعد ورقة الاجراءات الاخيرة المتنوعة هذه المرة والمترافقة مع الكلام الاسرائيلي عن الحزب والجيش اللبناني؟ واستطرادا، ما هي توجهات الحزب لمواجهة الموقف بما ينطوي عليه من مستجدات وعناصر قديمة؟
مازال الحزب حتى الساعة يتصرف على اساس ان تصعيد الادارة الاميركية هذه المرة يندرج في نطاق “التصعيد التهويلي” المعتاد اكثر مما هو تصعيد يفضي الى مواجهات واحتكاكات مباشرة ومفاجئة يمكن ان تفصح عن نفسها بين لحظة واخرى. والحزب تعامل كما هو معلوم مع قرار العقوبات المالية عليه وكان مفعولها قد انتهى قبل ان توضع على سكة التنفيذ. وبالنسبة اليه ايضا فان التصعيد الاميركي ذا الطبيعة الامنية والذي تعمد الدخول في تفاصيل اعمق واكثر استفزازا وتحديا لحظة هدر دم القياديين العسكريين المخضرمين في الحزب، بالامكان ان يبقى حبرا على ورق وتستعصي ترجمة مفاعيله والحيلولة دون التأثير على استقرار الساحة الداخلية ما لم تبادر اي جهة داخلية الى التجاوب مع الاغراءات المقدمة لها ووضع نفسها كرأس رمح لمواجهة الحزب، ومن ثم فتح مغاليق الوضع الداخلي المشهود له بالاستقرار امام تأثيرات الضغوط سواء تلك الصادرة من واشنطن او تلك الوافدة من مصادر اخرى تحت عناوين شتى.
والحزب على هذا المستوى نبّه دوما على لسان سيده الى ضرورة الحفاظ على الاستقرار وتفعيل عمل الحكومة واستمرار مفاعيل التسوية الداخلية. وليس خافيا ان تهديد نصرالله في اطلالته الاخيرة بقطع اي يد تمتد الى الداخل اللبناني هو بمثابة رسالة لمن يعنيهم الامر تشي باستعداده لكل الاحتمالات. والحزب لا ينكر انه صار متضلعا من الوان الحروب الاميركية ومنها خصوصا “الحرب الناعمة” التي تعتمد استراتيجية اسقاط الخصم بالتهويل من دون ان تجد نفسها مضطرة الى تشغيل محركات آلياتها العسكرية.
ابراهيم بيرم – النهار[ads3]
عقبال السيء حسن ….ام ان الكلب لا يعض ذيله…